حكم استبدال الزيتون بالزيت:

مسائل فقهية عامة
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

حكم استبدال الزيتون بالزيت:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

حكم استبدال الزيتون بالزيت:


قضية للنقاش والحوار والمدارسة:
ويمنع أن يدلي بها من ليس من أهل العلم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ، وبعد:
حكم استبدال الزيتون بالزيت:
نبحث هنا حكمَ استبدال الزيت بالزيتون القليل الذي لم يبلغ كمية كافية ليُعْصَرَ في المعصرة وحده أو دون شراكةٍ، حيثُ يأتي المزارع أو صاحب الكمية القليلة عرفاً بكمية من الزيتون للمعصرة ويأخذ بدلها كمية مقدرة محسوبة من الزيت إما عن طريق بيع التراضي بينهما أو الهبة، فإن كان مثلاً أقل كمية تعصرها المعصرة وحدها دون شراكة هي (200كغم) فجاء شخص معه (1شوال) أي نحو (50 كغم)، أو (20كغم) أو نحو ذلك من الزيتون مثلاً، ولم يتيسر للمعصرة أن تجمعه مع كميات أخرى لعصره شراكة، وكان الوضع بحيث يتعثَّر عصره وحده لقلة كميته فلم تقبل المعصرة أن تعصره (دون تَعَنُّتٍ منها ولا قصد إضرار بصاحب الزيتون)، فإن صاحب الزيتون سيخسر جداً ببيعه حباً بثمن بخس أو سيتلف فيلقيه في القمامة!
حينها تقدِّرُ المعصرة نسبة الزيت وهي المؤتمنة وصاحبة العلم التقريبي في ذلك مع حساب أجرة العصر وتكاليفه وتعطيه زيتاً بدلاً من زيتونه الذي سيخسره إن لم يعصره، بشرط الرضى والتراضي بين الطرفين، وبشرط أن لا تستغل المعصرة صاحب الزيتون ولا تغشه وتغبنه. قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
فمختصر القول أنه يجوز تقدير ما ينتجه الزيتون من الزيت ثم خصم قيمة عصر الزيتون وبيع الزيتون بالزيت بالاتفاق والتراضي بين الطرفين بلا ظلم ولا غش أو غبن، وفي ذلك تيسير مصالح الناس بالتراضي فيما بينهم وقطع النزعات التي تحصل بالعصر الذي يتم بالشراكة!
والشراكة فيها محاذير منها:
- أنه يتم خلط زيتون نسبة الزيت فيه عالية بزيتون آخر نسبة الزيت فيه منخفضة.
- أنه لا يكون في ذلك تراضٍ لأن صاحب الزيتون قد يتفاجأ من انخفاض نسبة الزيت فيجدها أقل مما توقعها خلاف ما يحصل عندما تعصر كمية وحدها.
فهذه الشراكة تكثر فيها نسبة النزاعات وعدم الرضى بخلاف البدل حيث تتم فيه المقايضة بالتراضي والقبول بين الطرفين، في كيل ووزن معلوم.
فإن المقصود من الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيوع ونحوها وتحريم الربا هو:
تحقيق العدالة.
فض النزاع والتخاصم بين الناس والسعي لتقليله.
فإذا جوزنا البدل أو التبادل بين الزيتون والزيت نكون في هذه الحالة قمنا بالتالي:
حافظنا على كميات من الزيتون من التلف والضياع أو بيعه بأبخس الأسعار.
ساعدنا الناس في الحصول على الزيت بدل زيتونهم القليل.
انتفع الجميع صاحب الزيتون وصاحب الزيت (المعصرة).
حل المشاكل أو الإشكالات التي قد تحدث.
اختلاف الفقهاء في بيع الدقيق بالحنطة والسويق بالقمح:
قال الإمام الماوردي في "الحاوي" (5/243):
[فَصْلٌ: وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ: لِأَنَّ فِيهِ مَا بِهِ وَالتَّمَاثُلُ مَعْدُومٌ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ، وَلَا بَيْعُ دُهْنِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ، وَلَا دُهْنِ اللَّوْزِ بِاللَّوْزِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إِذَا كَانَ الزَّيْتُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ مِنَ الزَّيْتِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ: لِيَكُونَ فَاضِلُ الزَّيْتِ فِي مُقَابَلَةِ عَصِيرِ الزَّيْتُونِ].
وهذا الكلام في الزيت والزيتون غير واضح في كلام الإمام الماوردي في وصفه لمذهب أبي حنيفة! وينبغي أن يكون صوابه كالتالي:
يجوز بيع الزيت بالزيتون إذا قُدِّرَ أن الزيت الموجود في الزيتون أكثر من الزيت الذي سيأخذه المزارع صاحب الزيتون من المعصرة، وإذا كان الزيت المقدر في الزيتون قبل عصره أقل من الزيت الصافي الذي ستدفعه المعصرة للمزارع صاحب الزيتون فلا يجوز، لأن الزيت المقدر في الزيتون ينبغي أن يكون أكثر ليكون هناك شيء منه مقابل تكلفة عملية عصر الزيتون.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (6/233):
[وقال مالك: لا بأس بالحنطة بالدقيق مثلاً بمثل ولا بأس بالسويق بالقمح متفاضلاً]. والسويق طحين مع سمن وعسل. والزيتون زيت مع تفل الثمرة.
قال ابن حزم في المحلى (8/502):
[وأجاز المالكيون السويق من القمح بالقمح متفاضلاً، وأجاز الحنيفيون خبز القمح بالقمح متفاضلاً وكل ذلك أصله القمح ولا فرق. برهان ذلك ما أوردنا قبل من أنه لا ربا ولا حرام إلا ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وأباح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم، وقال الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فصح بأوضح من الشمس أن كل تجارة وكل بيع وكل سلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم فحلال مطلقاً لا مرية في ذلك إلا ما فصَّل الله تعالى لنا تحريمه على لسان رسوله عليه السلام، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ونبتُّ ونقطع بأن الله تعالى لم يحرم على عباده شيئاً كتمه عنهم ولم يبينه رسوله عليه السلام لهم وأنه تعالى لم يكلنا فيما حرم علينا إلى ظنون أبى حنيفة ومالك والشافعي أو غيرهم، ولا إلى ظنوننا، ولا إلى ظن أحد ولا إلى دعاوى لا برهان عليها، وما وجدنا عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيتون بالزيت ثم اتبعه عليه الشافعي وإن كان لم يصرح به، وأجازه أبو حنيفة وأصحابه إذا كان الزيت أكثر مما في الزيتون من الزيت وإلا فلا، فان قالوا: هي مزابنة قلنا:.. قد فسر المزابنة أبو سعيد الخدرى وجابر بن عبد الله وابن عمر رضى الله عنهم وهم أعلم الناس باللغة وبالدين فلم يذكروا شيئاً من هذه الوجوه فيه أصلاً، فان قالوا: قسنا ذلك على الرطب بالتمر والزبيب بالعنب كيلاً! قلنا: القياس كله باطل ثم هذا منه عين الباطل لأن الزبيب هو عين العنب نفسه إلا أنه يبس، والتمر هو عين الرطب إلا أنه يابس، والزيت هو شئ آخر غير الزيتون لكنه خارج منه كخروج اللبن من الغنم والتمر من النخل، وبيع كل ذلك بما يخرج منه جائز بلا خلاف، فهذا أصح في القياس لو صح القياس يوماً ما، وقد ذكرنا أقوالهم المختلفة المتناقضة وكل قول منها يكذب قول الآخر ويبطله ويشهد عليه بالخطأ، كل ذلك بلا برهان والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه علينا كثيراً، وهذا قول أبى سليمان وأصحابنا...
ومن طريق ابن أبى شيبة، نا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: لا بأس بالحنطة بالسويق والدقيق بالحنطة والسويق.
فلم يشترط المماثلة، وقد ذكرنا أقوال الصحابة ومن بعدهم في المزابنة فاغنى عن تكراره]. انتهى كلام ابن حزم.
وأيضاً لو استبدل الزيتون بالصابون المصنع من الزيت وكانت المعصرة فيها قسم خاص لتصنيع الصابون (المعروف بالصابون النابلسي أو صابون زيت الزيتون) فإنه يجوز البيع بالمقايضة والبدل فيما بينهما بالتراضي، وكذلك الزيت بالصابون حسب القيمة التي يتراضون فيما بينهما لكل منهما.
وقد أجاز الشرع بيع العرايا، وهو: أن يبيع صاحب النخلة ما على النخلة من رطب بعد تقدير كميته بتمر مقدر مخزون عند رجل آخر، للحاجة، فعن زيد بن ثابت الأنصاري قال: رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تباع العرايا بخرصها تمراً.
رواه البخاري (2380) ومسلم (1539).
والخَرْص هو: تقدير الثمار على رؤوس الشجر بالتخمين.
قال الإمام الغزالي في "الوسيط" (3/74):
[ولو باع الرطب بالتمرة فهو باطل وهي المزابنة المنهي عنها وهو مشتق من الزبن وهو الدفع لأن هذه المعاملة في الغالب تفضي إلى المدافعة والمنازعة، وقد استثني عنها العرايا وهي بيع الرطب خرصاً بمثل ما يرجع إليه الرطب عند التتمر من التمر فيما دون خمسة أوسق لما روى زيد بن ثابت أن محاويج الأنصار جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا إن الرطب ليأتينا وفي أيدينا فضول من
قوت فأرخصَ لهم في العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق والشك من الراوي ووجه الخروج عن قياس الربا إقامة الخرص مقام الكيل..].
أقول: الناس بحاجة إلى فقه إسلامي يكون حلاً للقضايا والمشكلات دون الدخول في الحرام مع تحقيق مقاصد الشريعة من تحقيق العدالة وفض النزاعات وأسباب الخلاف.
وبه يتبين جواز المقايضة أو التبادل أو البدل بين المزارع صاحب الكمية القليلة من الزيتون التي لا تُعْصَرُ لوحدها وبين مالك الزيت وهي المعصرة ولا حرمة فيه وهو يحقق مصلحة الطرفين بالتراضي فيما بينهما.
والله تعالى أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.



أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل فقهية عامة“