بعض المستفسرين يقولون: لماذا تضعفون بعض أحاديث الصفات التي في الصحيحين ولا تؤولونها؟!

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بعض المستفسرين يقولون: لماذا تضعفون بعض أحاديث الصفات التي في الصحيحين ولا تؤولونها؟!

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

بعض المستفسرين يقولون: لماذا تضعفون بعض أحاديث الصفات التي في الصحيحين ولا تؤولونها؟!

وجوابنا على ذلك من جهات كثيرة منها:

أن الصناعة الحديثية تقتضي ذلك فمثلاً حديث الجارية عندما يرد بثلاثة ألفاظ (أين الله) و (أتشهدين أن لا إله إلا الله..) و (من ربك؟) تقتصي الصناعة الحديثية ترجيح لفظ واحد من هذه الألفاظ لأنها في قصة واحدة، ورد باقي الألفاظ وإن كانت في الصحيحين.

أن جبن من يقول بهذا الإشكال وخوفه من إنكار العامة وأشباههم عليه إذا رد حديثاً في البخاري أو في مسلم وعدم علمه بتصحيح وتضعيف الأحاديث وتلك الصناعة يلجئُه إلى القول بمثل هذا المقال!


أن أئمة الأشاعرة والمحدثين نصوا على أن خبر الواحد الثقة المتصل (أي خبر الآحاد) إذا عارض العقل فإنه يرد وأنقل قول ثلاثة من أئمة الأشاعرة في ذلك وأولهم من كبار الحفاظ والمحدثين:

قال الحافظ الخطيب البغدادي (392-463هـ) في كتابه "الفقيه والمتفقه" (1/132):
[باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد: .... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأُمور: أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأنّ الشرع إنّما يَرِدُ بمجوِّزات العقول وأمّا بخلاف العقول فلا. والثاني: أن يخالف نصَّ الكتاب أو السُنة المتواترة فيعلم أنّه لا أصل له أو منسوخ. والثالث: يخالف الإجماع فَيُسْتَدَلُّ على أنه منسوخ أو لا أصل له...].
فالخطيب البغدادي يقول إن خبر الواحد المعارض : (يردَّ بأمور..) وليس يؤوّل!!

وقال الإمام الغزالي (450-505هـ) في "المستصفى" (2/132): [اعْلَمْ أَنَّ الْمُهِمَّ الأوَّلَ مَعْرِفَةُ مَحَلِّ التَّعَارُضِ، فَنَقُولُ كُلُّ مَا دَلَّ الْعَقْلُ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ الأدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهَا، وَتَكَاذُبُهَا، فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى خِلافِ الْعَقْلِ فَإِمَّا أَنْ لا يَكُونَ مُتَوَاتِرًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، فَيَكُونُ مُؤَوَّلاً..].
فالإمام الغزالي يقول بأنه (يعلم أنه غير صحيح) ولم يقل نؤولهولم يقل نؤوله كما قال في المتواتر!!
إن في ذلك لعبرة لمن أراد أن يفهم ولا يكابر!

وقال الإمام الغزالي رحمه الله في المستصفى (2/367):
[والعدالة إنما تعرف بالخبرة والمشاهدة أو بتواتر الخبر، فما نزل عنه فهو تقليد وذلك بأن يقلد البخاري ومسلما في أخبار الصحيحين وأنهما ما رووها إلا عمن عرفوا عدالته فهذا مجرد تقليد، وإنما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم، ثم ينظر في سيرهم أنها تقتضي العدالة أم لا ؟..].

وقال الفخر الرازي في كتابه "أساس التقديس" ص (170):
[اشتهر فيما بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قَبِلُوها، وأيُّ منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية ويبطل الربوبية؟ فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة. وأما البخاري ومسلم فهما ما كانا عالمين بالغيوب، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا فذلك لا يقوله عاقل، غاية ما في الباب أنا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم، إلا أنا إذا شاهدنا خبراً مشتملاً على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدّثين].
لا حظ كيف قال: (قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة..)!
ولم يقل أوّلناه!

ونحن لا نقول بأن كل أحاديث الآحاد ينبغي ردها وإنما بعضها مما يتكلف في تأويله تأويلاً بعيداً بعد النظر في تعدد الألفاظ وروايات الحديث المشكل الذي ننظر فيه!

فالقضية خاضعة لأسس وقواعد وليست للهوى والمزاج!
ولا يعرف هذا من لم يشتغل بصناعة الحديث! ومن لم يتعان بأحاديث العقائد والصفات ويرى ما فيها من التخالف وزيادات الرواة!

واختم هذا البيان بما قاله القرافي في ذم من لا يتطور علمياً ولا يبحث ويجمد مقلداً على حالة واحدة:
قال القَرَافي (ت684) في "نفائس الأصول في شرح المحصول" (5/1953):

[.. العلوم ليست تقليدية، ولا يجمد فيها على حالة واحدة طول عمره إلا جامد العقل، فاتر الذهن، قليل الفكرة، فاتر الفطنة، إلا في الأمور الجليلة جداً؛ فإنها لا تتغير عند العقلاء، وليس هذا منها، بل هذا من مجال النظر، وموارد التغير، فهذا الاختلاف مما يدل على وفور علم الإمام وجودة عقله ودينه، أما عقله وعلمه، فإنه دائم أبداً فى النظر والنقل، طالب للازدياد والتحصيل والوصول إلى غاية بعد غاية، وكشف حقيقة بعد حقيقة؛ فيظهر له دائماً خلاف ما ظهر له أولاً، وكذلك قال عمر في المشتركة: "ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي" ورجع عما أفتى به أولاً، ولم يزل العلماء على ذلك قديماً وحديثاً. وأما وفور دينه: فلأنه إذا ظهر رجحان شيء، رجع إليه، ولا يخشى أن يقال: غلط أولاً، ثم رجع للحق، بل يقول الحق متى ما ظهر له، ولا يكترث بمن يعتب عليه للاختيار الأول، وهذا عائد الدين، وصلابة الهمة، فهذا بأن يُشْكَرَ به الإمام أولى وأحرى، وأن يجعل من صفات كماله، لا من صفات نقصانه].

والله تعالى أعلم


أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“