قواعد مهمة ذكرها الحفاظ والمحدثون حول أحاديث الصحيحين، تتعلق في عدد أحاديثهما والزيادة والنقص ما بين النسخ بمئات الأحاديث، ويتبين بذلك أن الكتاب المحفوظ من الزيادة والنقص والتغيير فقط هو كتاب الله تعالى {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}:
قال بعض الفضلاء:
"التواتر في نقل الصحيحين إلينا لم يقع، كما يدعي الدهلوي وغيره، كما وقع في القرآن الكريم".
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/398) وغيره إن صحيح البخاري سمعه تسعون ألف رجل، وبالرغم من ذلك لم يروه لنا سوى ثلاثة، وهم: محمد بن يوسف الفربري، وإبراهيم بن معقل النسفي، وحماد بن شاكر.
قال العراقي في "التقييد والإيضاح" ص(28) بعد أن ذكر عدة أحاديث البخاري: «والمراد بهذا العدد رواية محمد بن يوسف الفربري فأمّا رواية حماد بن شاكر فهي دونها بمائتي حديث، وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل النسفي، فإنها تنقص عن رواية الفربري ثلاثمائة حديث».
واختلفوا هل هي روايات عن البخاري أم أنها ناتجة من عدم سماعهما لكامل الصحيح، وقد رأى ابن حجر أنه «إنما حصل من طريان الفوت، لا من أصل التصنيف» كما في النكت ص(69) لابن حجر، وفي كلامه نظر، كما سيأتي. حيث أنهما لم يسمعا كامل الصحيح وأنما رويا ما نقص عندهما من الصحيح إجازة.
كذلك حكى جماعة من العلماء، ومنهم المحدث الكوثري، أن البخاري مات ولم يفرغ من تبييض كتابه تبييضاً نهائياً.
قال الحافظ أبو الوليد الباجي في كتابه "التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح"(1/287):
«حدثنا أبو إسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. ومما يدل على صحة هذا القول، أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد ورواية أبي الهيثم الكشميهني ورواية أبي زيد المروزي، وقد نسخوا من أصل واحد، فيها التقديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم في ما كان في طرّة أو رُقعةٍ مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلةً ليس بينهما أحاديث».
قال ابن حجر: «وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جداً».
فالصواب أن روايات صحيح البخاري مختلفة وليست واحدة حتى عن الفربري نفسه، فكثيراً ما تجد ابن حجر يقول: «في رواية الكشميهني: كذا .. » أو «وفي رواية الكشميهني وأبي الوقت:..» أو الأصيلي، وجميعهم من الرواة عن الفربري. وبسبب ذلك وقع اختلاف في بعض المواضع، فجعلت مثلاً «حدثنا الليث عن عُقيل» عند الأصيلي وكريمة، وهما من الرواة عن الفربري: «حدثني الليث حدثني عقيل» وهكذا في مواضع كثيرة تقديماً وتأخيراً واختصاراً وحذفاً وإضافةً في الكلمات والأحرف، وكلها روايات عن الفربري عن البخاري.
بل للفربري صاحب النسخة الأكبر بين رواة صحيح البخاري إضافات وشروح من عنده أضافها في الصحيح، كقوله في صحيح البخاري (6497): «قَالَ الفِرَبْرِيُّ، قَال أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثْتُ أَبَا عَبْد اللَّهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِم، يَقُولُ: أَبَا عُبَيْدٍ، يَقُولً: قَالَ الأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَغَيْرُهُمَا، جَذْرُ قُلُوبِ الرَّجَالِ الْجَذْرُ..».
وقوله (3447): «قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: هُمُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ..».
فهذا والذي قبله، لم يكتبه البخاري، ولا درى عنه أنه في صحيحه، ومثل ذلك في غير ما موضع! فلعله أن يكون أضاف أحاديث أو استدرك بعض أخبار على البخاري نفسه، ولا سبيل للقطع في نفي ذلك.
ولأجل هذا الوجه، ردّ بعض الحفاظ أحاديث قالوا إنها موجودة في بعض نسخ البخاري وغير موجودة في نسخٍ أخرى، فقد ردّ الحافظ مغلطاي مثلاً حديث ابن عمر الموجود في بعض نسخ البخاري وهو قوله: ((شبّك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه)) فأنكر الحافظ مغلطاي هذا الحديث وقال: «هذا الحديث ليس موجوداً في أكثر نسخِ الصحيح» قال ابن حجر: «هو ثابتٌ في رواية حماد بن شاكر عن البخاري».
راجع "حسن التسليك في حكم التشبيك" ضمن الحاوي للفتاوي للسيوطي ص(417). ورواية حماد بن شاكر أنقص من رواية الفربري بمائتي حديث، كما مرّ معنا، فيكون هذا دليلاً واضحاً على أن اختلاف نسخ البخاري بين رواته ليس من طريان الفوت، كما ذكر ابن حجر نفسه سالفاً، إنما هو من اختلاف النسخ المأخوذ منها، وقد ذكر ذلك أيضاً شيخ ابن حجر الحافظ العراقي.
فهذا يدل على أن صحيح البخاري ليس مثل كتاب الله تعالى الذي قال الله تعالى عنه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
رحم الله شيخنا المحدّث عبدالعزيز ابن الصدّيق رحمه الله تعالى (المتوفى يوم الجمعة 6/رجب/1418هـ في طنجة من بلاد المغرب العربي) الذي قال في كتابه (الباحث في علل الطعن بالحارث) ص (6):
(ومعاذ الله أن يكون الكتاب الذي فيه حديث حريز ابن عثمان وعمران بن حطان من الكتب المقتصرة الصحيح ، ولو أجمع على ذلك الجن كما أجمع عليه البشر ، ومن رجع إلى ترجمة حريز بن عثمان يعرف ما نقول ، ويتحقق أنَّ حديث الملعون ينبغي أن يُذْكَــر في الموضوعات لابن الجوزي ولكن هذا ما شـاء الله) .
فتأمَّل
قواعد مهمة ذكرها الحفاظ والمحدثون حول أحاديث الصحيحين، تتعلق في عدد أحاديثهما والزيادة والنقص ما بين النسخ بمئات الأحادي
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm