الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى يكشف مذهب مجسمة الحنابلة وكيف أساءوا للمذهب ويرد عليهم:
قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" ص (97) من الطبعة التي حققتها قبل نحو (35) سنة:
[ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبد الله بن حامد. وصاحبه القاضي (يعني أبا يعلى) وابن الزاغوني. فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب.
ورأيتهم قد نزلوا إلى مراتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهواتٍ وأضراساً وأضواءً لوجهه هي السُبُحات ويدين وأصابع وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين. وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس.
وقالوا: يجوز أن يمس ويُمس، ويدني العبد من ذاته.
وقال بعضهم: ويَتَنَفَّس. ثم يُرْضُون العوام بقولهم: لا كما يُعقل.
وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأنْ يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات.
ثم لـمّا أثبتوا أنها صفات ذات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بِرٍّ ولطف، وساق على شدة، بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة!
والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرّجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوامَّ.
وقد نصحتُ التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط: (كيف أقول مالم يُقَل).
فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه.
ثم قلتم في الأحاديث: تُحمل على ظاهرها! وظاهر القَدَم الجارحة، فإنّه لما قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن الله صفة هي روح وَلَجَتْ في مريم، ومن قال: استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات، وينبغي أن لا يُهْمَلَ ما يثبت به الأصل وهو العقل، فإنّا به عرفنا الله تعالى، وحكمنا له بالقِدَم، فلو أنكم قلتم: نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد، إنما حمْلكم إيّاها على الظاهر قبيح، فلا تُدْخِلُوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه. ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسِّم، ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية! ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته، وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم: لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة].
انتهى ما أردنا نقله من كلام الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى وجزاه الله خير الجزاء.
الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى يكشف مذهب مجسمة الحنابلة وكيف أساءوا للمذهب ويرد عليهم:
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm