بيان بطلان وعدم صحة حديث : (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه):
بنى المتمسلفون عبادتهم على جرفٍ هارٍ في هذه المسألة، وقد عبَّر عن ذلك أحدهم إذ قال:
[إذا طلع الفجر على الصائم وهو يشرب أتمَّ شرابه ، وكذلك إذا كانت اللقمة في فمه أتم مضغها وابتلعها].
وذلك بناء على ما صححه لهم شيخهم الألباني المتناقض في صحيحته (3/381 حديث رقم 1394) وهو حديث الباب المذكور في العنوان أعلى!!
ولنشرع في بيان بطلان تصحيح الألباني المتناقض لهذا الحديث وتتبعه في الأسانيد التي جلبها في ذلك فنقول :
قال الألباني في صحيحته (3/381) :
[إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه .
أخرجه أبو داود (1/549حلبي) وابن جرير الطبري في التفسير (3/526/3015) وأبو محمد الجوهري في الفوائد المنتقاة (1/2) والحاكم (1/426) والبيهقي (4/218) وأحمد (2/423و510) من طرق عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله فذكره ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وفيه نظر ، فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم مقروناً بغيره فهو حسن . نعم لم يتفرَّد به ابن عمرو ، فقد قال حماد بن سلمة أيضاً : عن عمار ابن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله وزاد فيه : وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر .
أخرجه أحمد (2/510) وابن جرير والبيهقي. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة].
أقول: وكلامه هذا باطل لوجوه:
الأول: أن هذا مخالف للقرآن وهو قوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
الثاني: أن هذا الحديث بطريقيه هنا اللذين ذكرهما الألباني المتناقض ليس بصحيح كما صرح بذلك بعض جهابذة المحدثين المتخصصين بعلل الحديث من السلف وإليك ذلك:
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/123) بعدما ذكر الطريقين اللتين ذكرهما الألباني:
[قال أبي: هذان الحديثان ليسا بصحيحين، أما حديث عمار عن أبي هريرة موقوف وعمار ثقة ، والحديث الآخر ليس بصحيح ].
وكرر ذلك ابن أبي حاتم الرازي ص 257 من المجلد الأول من علله .
وقال المناوي في فيض القدير (1/378) : (قال في المنار : مشكوك في رفعه).
الوجه الثالث : أن حماد بن سلمة ضعيف على التحقيق !
وقد اعترف الألباني بذلك في عدة مواضع في كتبه!! ومن ذلك قوله في ضعيفته (2/333) حيث عَلَّلَ حديثاً بعدة علل منها حماد بن سلمة فقال: (إن حماد له أوهاماً)!! وقد بينت في كتابي (تناقضات الألباني الواضحات) (2/77-78) أن الألباني نفسه يقول عن حماد هذا: فيه كلام ! ناقضاً قول نفسه في مكان آخر: (متفق على جلالته وصدقه)!!
وقد جزم الذهبي في الكاشف (1/252) في حماد هذا بأنه يغلط .
وبين الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/13) عن الحاكم أن مسلماً اجتهد في الصحيح فأخرج لحماد من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره.
قلت: وهذا مما لم يروه حماد عن ثابت! مع أن رواياته عن ثابت فيها ما هو مردود عندنا وإن وقع في صحيح مسلم!
وقال الذهبي في "سير النبلاء" (9/253) والحافظ ابن حجر في "التهذيب" (7/303) في ترجمة علي بن عاصم إن أحمد بن حنبل قال:
[كان حماد بن سلمة يخطىء، وأومأ بيده خطأ كثيراً ولم نر بالرواية عنه بأساً].
الحمد لله أنهم اعترفوا بأنه كان يخطىء كثيراً ! ومع ذلك لم يروا بالرواية عنه بأساً لأنه روى لهم أحاديث في الصفات والتجسيم والنصب يتمتعون بها !
وقال السيوطي في "الحاوي" (2/226) : [إن حماداً تُكُلِّم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير، ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه ، وكان حماد لا يحفظ فحدَّث بها فوهم فيها .. ].
الوجه الرابع : أن محمد بن عمرو ضعيف أيضاً وكنت قد أوضحت ذلك مفصلاً في الجزء الثاني من "تناقضات الألباني الواضحات" ص (240) ومن ذلك:
قال يحيى بن سعيد ومالك: (ليس هو ممن تريد) وقال ابن حبان: (يخطىء) وقال ابن معين: (ما زال الناس يتقون حديثه) وقال ابن سعـد: (يُسْتَضْعَف).
وقد ذكر الألباني له شواهد وكلها ضعيفة لا تثبت مع مخالفة موضوع الحديث لما هو مقرر في القرآن، ولئلا أطيل ههنا، فإننا سنعقد فصلاً خاصاً إن شاء الله تعالى نبين فيه ضعف تلك الشواهد وأنها مردودة والله المستعان.
وأسقط من هذا ما عنون به الألباني هذا الحديث في صحيحته حيث قال:
[الإمساك عن الطعام قبل أذان الصبح بدعة]!!!
أقول: هكذا يجعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً ! والحق باطلاً والباطل حقاً بكل صراحة! مخالفاً لصريح قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} وصريح قول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن بلالاً كان يؤذن بليل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) .
ثم أين الاحتياط للعبادة من أن يدخلها الفساد؟!
حديث واحد مطعون فيه يضرب الألباني فيه الآيات والأحاديث الصحيحة كلها التي في الموضوع! وهكذا يكون الفكر المعوج المبني على النص الشاذ!
قال الحافظ ابن جرير الطبري السلفي في تفسيره (2/176) :
[وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه شرب أو تسحَّر ثم خرج إلى الصلاة فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك ، لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم شرب قبل الفجر ثم خرج إلى الصلاة ، إذ كانت الصلاة صلاة الفجر هي على عهده كانت تصلى بعدما يطلع الفجر ويتبيَّن طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه].
قلت : وستأتي الأدلة على ذلك بعد إن شاء الله تعالى .
هذا وقد عقد البيهقي في سننه (4/218) باباً سماه (باب من طلع الفجر وفي فيه شيء لَفَظَهُ وأتم صومه استدلالاً) ورد فيه الاستدلال بحديث الألباني هذا الذي نحن بصدد الكلام عليه.
هذا ما تيسر الآن وللحديث بقية إن شاء الله تعالى ....
والله تعالى أعلم
بيان بطلان وعدم صحة حديث : (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه):
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm