تصريح الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى بأن خلافات الأشاعرة العقائدية في الصفات يلزم منها التكفير (ونحن لا نقول بالتكف

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

تصريح الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى بأن خلافات الأشاعرة العقائدية في الصفات يلزم منها التكفير (ونحن لا نقول بالتكف

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

تصريح الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى بأن خلافات الأشاعرة العقائدية في الصفات يلزم منها التكفير (ونحن لا نقول بالتكفير):

قال سماحة السيد المحدث حسن السقاف في مقدمة تحقيقه لكتاب " أساس التقديس":

قال الفخر الرَّازِي رحمه الله تعالى في كتابه "نهاية العقول" (4/272):
[أصحابنا اختلفوا في كثير من صفات الله تعالى، ولا شك أن الحق في كل مسألة منها واحد، والمخالف له يكون جاهلاً بصفات الله تعالى، فيلزمنا تكفير أصحابنا. وإنما قلنا: إن أصحابنا اختلفوا في كثير من صفات الله تعالى، لأن أبا الحسن أثبت البقاء صفة زائدة، والقاضي نفاها. وأيضاً فأبو الحسن والقاضي وكثير من الأصحاب أثبتوا لله تعالى إدراكاً متعلقاً بالمشمومات، وإدراكاً ثانياً متعلّقاً بالمذوقات، وإدراكاً ثالثاً متعلقاً بالملموسات، والأستاذ أبو إسحاق مال إلى نفيها... ونقل إمام الحرمين عن أبي سهل الصعلوكي –من أصحابنا– أنه أثبت لله علوماً لا نهاية لها، ونفاها سائر الأصحاب. ونقل أبو إسحاق الإسفراييني عن كثير من متقدمي أصحابنا أنهم أثبتوا لله تعالى خمس كلمات: الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء، وجمهور أصحابنا زعموا أن ذلك كلام واحد... واختلف الأصحاب أيضاً في الصفات الخبرية نحو اليد والوجه والعين، فزعم أبو الحسن أنها صفات قائمة بذات الله تعالى سوى الصفات الثمانية، والقاضي مال إلى نفيها. وزعم أبو الحسن أن الاستواء صفة قائمة بذات الله تعالى، وغيره نفاها. واتفق نفاة الأحوال من أصحابنا على أن عالمية الله تعالى نفسُ علمه، وقادريته نفس قدرته، ومريديته نفس إرادته، واتفق مثبتو الأحوال منهم على أن عالمية الله تعالى حالة مُعَلّلة بعلمه، وقادريته حالة معللة بقدرته. فعلى هذا يكون مثبتو الأحوال منهم قد أثبتوا له تعالى مع الصفات السبع أو الثمانية أحوالاً سبعة أو ثمانية ونفاة الأحوال منهم نفوا هذه الأحوال. فقد تقرّر - من مجموع ذلك - شدةُ وقوع الاختلاف في صفات الله تعالى بين الأصحاب، ولا يجوز الالتفات إلى ما يُتَكَلَّفُ في إزالة هذه الاختلافات، فإن أمثال تلك التكلفات مما لا يعجز عنها أحد من أرباب المذاهب. فثبت أنا لو حكمنا بأن الجهل بشيء من صفات الله تعالى يكون كفراً يلزمنا تكفير أئمتنا ومشايخنا، وأنه غير جائز].
فالفخر الرازي أورد كما ترى أمثلة كثيرة من اختلاف الأشاعرة أنفسهم في مسائل عقائدية في الصفات وهي في أهم أسس أبواب العقائد، ثم قال:
[فقد تقرر من مجموع ذلك شدة وقوع الاختلاف في صفات الله تعالى بين الأصحاب، ولايجوز الالتفات إلى ما يُتكلف في إزالة هذه الاختلافات، فإن أمثال تلك التكلفات مما لا يعجز عنها أحد من أرباب المذاهب. فثبت أنا لو حكمنا بأن الجهل بشيء من صفات الله تعالى يكون كفراً يلزمنا تكفير أئمتنا ومشايخنا وأنه غير جائز].
فالخلافات والتشنيعات بين أرباب مذهبنا السني الأشعري كبيرة وعميقة باعتراف أئمة المذهب.. والترقيع لا يفيد فالخطأ خطأ والصواب صواب..
والخلافات بين الأشاعرة والماتريدية موجودة أيضاً وعميقة جداً خلافاً لمن يحاول أن يقنع الناس بتخفيفها وإظهارها بأنها لفظية وسطحية!
ويمكن تتبعها وعرضها للتصحيح والتصويب...
وموافقة عالم أشعري أو سني لمذهب المعتزلة أو الزيدية أو الإباضية ليس قدحاً ولا عيباً فيه ولا يُصيّره من ذلك المذهب..
وعندنا نماذج من كبار العلماء وأصحاب الوجوه كالماوردي والقفال وإمام الحرمين والغزالي.... يمكن عرضها وعرض ما قيل فيها (!)
وأعود للفخر الرازي رحمه الله تعالى الذي يقول:
في كتابه ((أصول الدين)) ص (68):
[المسألة التاسعة عشرة: أنه تعالى باق لذاته خلافاً للأشعري].
وفي ذلك الكتاب مسائل أخرى خالف فيها الفخرُ الرازيُّ الأشعريَّ( 1 ).
ومنها مسائل وافق فيها الرازيُّ المعتزلةَ وخالف فيها الأشعريَّ كما قدمنا.
قال تلميذنا الفاضل الشيخ خليل شهابي جزاه الله عنا خيراً تعليقاً على مقال لنا في بيان اختلاف الأشاعرة في المسائل الاعتقادية:
[قصد سماحة السيد حفظه الله أن الناس قد يخالفون بعضهم وإن كانوا يحملون نفس المذهب.. فمخالفة الناس لبعضهم سنة الله تعالى في خلقه..
والمخالفة إن كانت فيما تحتمله الأدلة فلا ضير في ذلك.. وبعض الناس جمد على بعض الأوراق الصفراء والحواشي الركيكة فاتخذ ما جاء فيها كانه وحي لا يُرَدُّ... فالعاقل هو مَنْ يتبع الدليل وإن خالف ما عليه أصحاب مذهبه أو ما عليه الجمهور أو بعض الأمة..]. فهل يحتاج القوم المتعصبون للمزيد من البيان والإيضاح عما لا يعلمونه؟!
(مسألة مهمة جداً): الفخر يرد على الأشاعرة المثبتة للصفات (مثل الوجه واليدين..) بنفس الطريقة التي يرد بها على المشبهة والمجسمة:
قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى في كتابه "الإشارة" ص (268) وفي طبعة أخرى ص (245 وما بعدها) (مُنْكِراً) على الأشعري والباقلاني إثباتهما (اليد) صفة مع علمه بأنهما ينفيان عنها معنى الجارحة:
[فإن قيل: فبم تنكرون على شيخكم أبي الحسن والقاضي حيث أثبتا اليدين صفتين لا تدركان إلا سمعاً زائدتين على الذات وما عداهما من الصفات؟ واحتجا عليه بأن قالا: صرّحت الآية بإثبات اليدين متعلقتين بخلق آدم عليه السلام تشريفاً له وتمييزاً عن سائر المخلوقات في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}ص:75، وقد وضح أنه (لا يجوز حمله على الجارحتين)، (ولا يجوز أيضاً حمله على النعمة) لأن اليدين تنبئان عن شيئين، ونعمة الله تعالى لا تنحصر ولا تحصى على آدم بضربين ولأن الآية تقتضي إيجاد آدم بيدين، ولا يصح إيجاد الشيء بالنعمة، ولا يصح أيضاً حملهما على القدرة لأنه حينئذ تبطل فائدة التخصيص، فإن آدم وكافة المخلوقات في حكم تعلق القدرة سواء، ولأن الله تعالى ذكر اليدين على صيغة التثنية وقدرته واحدة، فلم يبق إلا حمله على صفتين زائدتين على القدرة.
قلنا: الأصح حمل اليدين على القدرة، وقولهما: (إن فيه إبطال فائدة التخصيص) فنقول: التشريف يتحقق بتخصيص الله تعالى آدم بالذكر، كما شرّف عباده المخلَصين بإضافتهم إلى نفسه، وإن كانت الكفرة أيضاً عباد الله تعالى، وهذا سبيل تخصيص البيت والناقة وغيرهما من المشرفات بالإضافات، نحققه: وهو أنه تعالى ذكر قريباً من هذه الآية في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}يس:71، والمراد به القدرة إجماعاً. والتمسك بصيغة التثنية باطل، لأنه كما يُعبَّر باليد عن الاقتدار يعبر باليدين عن كمال الاقتدار، بدليل قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}المائدة:64، والمراد به القدرة إجماعاً، فبطل ما ذكروه.
فثبت أنه لا دليل على صفة وراء ما ذكرناه، وما لا دليل عليه وجب نفيه، لأنه لا ينفصل وجوده عن عدمه، ولا يكون عدد أولى من عدد، وذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نهاية له من الصفات المجهولة، ولأنا مكلفون بمعرفة وحدانية الله تعالى بإجماع المسلمين ولقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}سورة سيدنا محمد:19، والعلم بكون الشيء واحداً فرع عن العلم بحقيقته، إذ ما لم نعلم الشيء لم نعلم أنه واحد، وإنما نعلم الإله إذا علمنا جميع ما له من الصفات إذ الإله هو الذات الموصوف بجميع الصفات القائمة به، وإذا كان كذلك فلا بد وأن يكون عليها دليل، وإلا لكنا مكلفين بمعرفة ما لا يُعلم بالدليل مع عدم الدليل، وذلك باطل بالإجماع، والدليل لم يدل إلا على هذه الصفات فيلزم أن لا يكون للباري تعالى صفة وراء ما علمناه].
ومخالفة الأشعري أمر طبيعي عند كبار العلماء الذين يطلق عليهم بأنهم أشاعرة( 2 )! فهذا الحافظ أبو بكر ابن العربي المعافري المالكي تلميذ الإمام الغزالي (وهو غير الشيخ محي الدين ابن عربي الصوفي) يقول في كتابه "العواصم من القواصم" ص (55): [إذا سمعت أني أشعري كيف حكمت بأني مُقَلِّد له في جميع قوله؟! وهل أنا إلا ناظر من النُّظَّار أدين بالاختيار، وأتصرَّف في الأصول بمقتضى الدليل].
وقال الإمام الغزالي في "فيصل التفرقة "( 3 ) ص (39):
[فإن زعم ـ صاحبك ـ أن حدَّ الكفر ما يخالف مذهب الأشعري أو مذهب المعتزلي أو الحنبلي أو غيرهم فاعلم أنه غِرٌّ بليد، قد قيَّده التقليد، فهو أعمى من العميان، فلا تضيِّع بإصلاحه الزمان...].
وقال السبكي في "الطبقات" (5/192) في ترجمة إمام الحرمين:
[والإمام لا يتقيد لا بالأشعري ولا بالشافعي، لا سيما في البرهان، وإنما يتكلم على حسب تأدية نظره واجتهاده، وربما خالف الأشعري وأتى بعبارة عالية على عادة فصاحته، تأدية نظره واجتهاده، فلا تحتمل المغاربة أن يقال مثلها في حق الأشعري، وقد حكينا كثيراً من ذلك في شرحنا على مختصر ابن الحاجب].
هذا كلام الشافعية وقولهم الصريح في مخالفة الأشعري وعدم تقليده.
وقال الحافظ ابن عساكر أيضاً في "تبيين كذب المفتري" ص (140) نقلاً عن قاضي العسكر:
[وصنف أصحاب الشافعي كتباً كثيرة على وفق ما ذهب إليه الأشعري إلا أن بعض أصحابنا من أهل السنة والجماعة خَطّأ أبا الحسن الأشعري في بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوها على ما يبين في خلال المسائل إن شاء الله تعالى فمن وقف على المسائل التي أخطأ فيها أبو الحسن وعرف خطأه فلا بأس له بالنظر في كتبه فقد أمسك كتبه كثير من أصحابنا من أهل السنة والجماعة ونظروا فيها].
ونص ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص (115) أن أبا الحسن الأشعري إذا خالف الشافعي خالفنا الأشعري.
تصريح الماتريدية بمخالفتهم للأشعري:
وهنا لا بد أن نلفت النظر إلى أن أئمة الماتريدية المنزهين أيضاً صرحوا بمخالفتهم لأبي الحسن الأشعري ونصوا أن الأشعري خالف بنظرهم أهل السنة في مسائل، ومن أولئك الإمام البزدوي الحنفي الماتريدي (ت 493هـ) الذي قال في كتابه "أصول الدين" ص (53): [قال أبو الحسن الأشعري: الطاعات والمعاصي والمباحات كلها برضا الله ومحبته... وخالف أبو الحسن الأشعري أهل السنة والجماعة في هذه المسألة].
ثم ذكر ص (252) مسائل عديدة خالف فيها أبو الحسن الأشعري –حسب تعبيره- عامة أهل السنة والجماعة.
وقال البزدوي الحنفي الماتريدي في ذلك الكتاب ص (115): [وقال بعض الأشعرية الجهال وبعض الأغنام النوكى...] !! ومعنى (النوكى) الحمقى!
والكل على التحقيق منتسبون لأهل السنة والجماعة.


الحواشي السفلية:

( 1 ) انظرها مثلاً ص (89) و (90) من "أصول الدين" وغير ذلك.
( 2 ) ووصف المنزهين من أهل السنة بأنهم أشاعرة لا يعني الانتساب للأشعري وتقليده وإنما أصبح هذا اللقب عَلَمَاً يطلق على غير أئمة السلف والأحناف الماتريدية والظاهرية ومُنَزِّهي الحنابلة في العقائد.
( 3 ) منشورات دار الحكمة / دمشق وبيروت / 1406هـ.
أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل وقضايا التوحيد والإيمان“