الفكر في جلال الله وعظمته وكبريائه:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

الفكر في جلال الله وعظمته وكبريائه:

Post by عود الخيزران »

الفكر في جلال الله وعظمته وكبريائه:

قال سماحة السيد حسن السقاف في كتابه " صحيح شرح الطحاوية " :
الفكر في جلال الله وعظمته وكبريائه

وفيه مقامان:
(1) المقام الأول: وهو الأعلى ( 1 ):
الفكر في ذاته وصفاته ومعاني أسمائه، وهذا مما منع منه حيث قيل: ((تفكروا في خلق الله تعالى ولا تفكروا في ذات الله))( 2 )، وذلك لأنَّ العقول تتحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه أحد من الخلق حقيقة، فلا يعرف الله على حقيقة إلا الله تعالى وحده. فالنظر إلى ذات الله تعالى يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل، فالصواب إذن أنْ لا يُتَعَرَّض لمجاري الفكر في حقيقة ذات الله سبحانه وصفاته، فإن أكثر العقول لا تحتمله، بل القدر اليسير الذي صرّح به بعض العلماء هو: أنّ الله مُقَدَّسٌ عن المكان، ومُنَزّه عن الأقطار والجهات، وأنّه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه، قد حَيَّر عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته، بل ضعفت طائفة عن احتمال أقل من هذا إذ قيل لهم إنه يتعاظم ويتعالى عن أن يكون له رأس ورِجْل ويد وعين وعضو( 3 )، وأن يكون جسماً مُشخَّصَاً له مقدار وحجم. فأنكروا هذا وظنوا أنّ ذلك قدح في عظمة الله وجلاله، حتى قال بعض الحمقى من العوام: إنّ هذا وصف بطيخ هندي لا وصف الإله! لظن المسكين أنّ الجلالة والعظمة في هذه الأعضاء. وهذا لأنّ الإنسان لا يعرف إلا نفسه فلا يستعظم إلا نفسه، فكل مالا يساويه في صفاته فلا يفهم العظمة فيه! نعم غايته أنْ يُقدِّر الإنسان نفسه جميل الصورة جالساً على سريره وبين يديه غلمان يمتثلون أمره، فلا جرم غايته أنْ يقدر ذلك في حق الله ـ تعالى وتقدس ـ حتى يفهم العظمة.
بل لو كان للذباب عقل وقيل له ليس لخالقك جناحان ولا يد ولا رجل ولا له طيران لأنكر ذلك، وقال: كيف يكون خالقي أنقص مني؟ أفيكون مقصوص الجناح أو يكون زَمِناً( 4 ) لا يقدر على الطيران؟ أو يكون لي آلة وقدرة لا يكون له مثلها وهو خالقي ومصوِّري؟ وعقول أكثر الخلق قريب من هذا العقل، وإنَّ الإنسان لجهول ظلوم كفار، ولذلك أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: لا تخبر عبادي بصفاتي فينكروني ولكن أخبرهم عني بما يفهمون.
ولمّا كان النظر في ذات الله تعالى وصفاته خطراً من هذا الوجه اقتضى أدب الشرع وصلاح الخلق أنْ لا يتعرض لمجاري الفكر فيه، لكنا نعدل إلى:
(2) (المقام الثاني) وهو: صفـــة الوجــود
وهو النظر في أفعال ومجاري قدره وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه فإنها تدل عليه وعلى جلاله وكبريائه وتقدّسه وتعاليه، وتدل على كمال علمه وحكمته وعلى نفاذ مشيئته وقدرته، فينظرون إلى صفاته من آثار صفاته.
واعلم أنَّ كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه، وهو دال على وجوده، كما قال أحدهم:

فواعجباً كيف يعصى الإله
أمْ كيف يجحده الجاحدُ

وفي كلِّ شيء له آية
تدل على أنه الواحدُ

فوجود الله تعالى أشهر من أنْ ندلَّ عليه كما قال القائل:
وليس يَصِحُّ في الأذهان شيءٌ
إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

فكل ذرة من ذرات هذا الوجود، ناطقة بوجود الله تعالى، بما فيها من العجائب والغرائب التي تُظهر حكمة الله تعالى وقدرته.


الحواشي السفلية:

( 1 ) هذه القضية وما بعدها منقولة من كلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في ((الإحياء)).
( 2 ) رواه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) ص (283) عن ابن عباس موقوفاً، وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (13/283): ((موقوف وسنده جيد)) وأخطأ المتناقض الذي صححه مرفوعاً!!
( 3 ) وهذا يَرُدُّ على الأشعري وبعض من يسلك طريقته من الأشاعرة وعلى مثل القشيري في الرسالة حيث أثبتوا العين واليدين والوجه ونحوها تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً! ويبين أن مذهب الغزالي رحمه الله تعالى وكذا مذهب إمام الحرمين كما في "الإرشاد" بخلاف ما عليه الأشعري وبعض من يتابعه في إثبات العينين واليدين والوجه تعالى الله عن ذلك علواً! وقد قال السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (5/192) في ترجمة إمام الحرمين: [والإمام لا يتقيَّد لا بالأشعري ولا بالشافعي، لا سيما في البرهان، وإنما يتكلم على حسب تأدية نظره واجتهاده، وربما خالف الأشعري وأتى بعبارة عالية على عادة فصاحته، تأدية نظره واجتهاده، فلا تحتمل المغاربة أن يقال مثلها في حق الأشعري، وقد حكينا كثيراً من ذلك في شرحنا على مختصر ابن الحاجب].
( 4 ) أي ضعيفاً: والزَمِنُ المريض الضعيف.
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”