مسألة: في كون الفطرة لا يصلح الاستدلال بها في أمور القعائدو أن عدها من الأدلة توهم محض:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

مسألة: في كون الفطرة لا يصلح الاستدلال بها في أمور القعائدو أن عدها من الأدلة توهم محض:

Post by عود الخيزران »

مسألة: في كون الفطرة لا يصلح الاستدلال بها في أمور القعائدو أن عدها من الأدلة توهم محض:

قال السيد المحدث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":

يستدّل بعض الناس اليوم وفي السابق بما يسمونه (الفطرة) فيقول أحدهم مثلاً: لا أرغب أن أتعلم علم التوحيد وهذه المسائل التي تعرضونها في كتب العقيدة وعلم الكلام إنما أحب أن أبقى على الفطرة!!
ويستدلّ من يقول بالفطرة بالحديث الصحيح:
((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) رواه البخاري (3/246) ومسلم (4/2047).
فيقولـــون: هذا الحديث يدلُّ على أن المولود يولد على الإسلام لأنه لم يذكر الإسلام فيه فهو الأصل وإنما ذكر تأثير الأبوبين أنهما قد يحرفانه إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية قالوا: فيكون معنى الفطرة هنا: الإسلام.
ونقول لهم: أخطأتم في الاستدلال!! لأن هذا الحديث ورد في رواية أخرى صحيحة في صحيح مسلم (2658) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه ((فإن كانا مسلمين فمسلم))!!
فاتضح بهذه الرواية فساد احتجاج من احتج بحديث الفطرة وقال ما قال
فيه!! وإذا كان الأمر كذلك فينبغي لنا أن نوضح ما هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (يولد على الفطرة) فنقول:
معنى الفطرة هنا أي الخلقة الأصلية التي لم يَشُبْهَا شيء بعدُ، لأن المولود يولد ويخرج من بطن أمه لا علم عنده وخالياً من المعلومات بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}النحل: 78، أي لتكسبوا المعلومات وتَعْقِلوا الحقائق بهذه الحواس، فهذه الآية الكريمة قاطعة للشغب في هذه المسألة قطعاً تاماً والحمد لله.
فمعنى الحديث أن المولود يولد على الخلقة الأصلية السليمة وهي المراد بالفطرة، إذ لا يعتبر هذا المولود مُشَبَّعاً بأي فكر من الأفكار وخاصة أفكار الكفر والإلحاد أو الشرك، فتؤثر فيه بعد ذلك عادات وأحوال واعتقادات المجتمع الذي يعيش فيه فتجعله ينقاد إليها، فإذا بقي كذلك لم يتنبّه إلى عقيدة الإسلام الصحيحة الحقة إلا بمن يُنَبّهه عليها، ولذلك بعث الله تعالى الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين وأمر العلماء والدعاة بل جميع المسلمين بالتبليغ!!
وبعض الناس يقولون كما تقدم: لم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبواه يجعلانه مسلماً ونقول لهم: بل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((فإن كانا مسلمين فمسلم)) فقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة)) لا يعني أن المولود عندما يولد تولد معه معلومات دينية في مختلف النواحي من العقيدة والفقه والحديث والتفسير وغيرها؛ كما لا يعني ذلك ما يقولونه: من إن معرفة الله تعالى أمر مركوز في الفِطَر؛ لقوله تعالى كما تقدم {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}النحل:78!!
حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولدوا ولم تكن معهم معلومات إلا مَنْ أنطقهم الله تعالى في المهد على سبيل المعجزة والعبرة للخلق، ومن ذلك قول الله تعالى {ووجدك ضالاً فهدى} أي: ووجدك لا تعرف ما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها، وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}الشورى:52، {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}النساء: 113!!
وبعضهم يورد مع الحديث الذي تكلمنا عليه وبيّنا معناه قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، وليس معناه ما يتوهَّمون ويوهِمُون!!
فلو كان الناس قد خُلِقُوا وفُطِرُوا وَطُبِعُوا على الإيمان (والتوحيد ومعلومات العلو!!) التي قال الله عنها {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، لم يستطع أحد أن يكفر ويخرج من الإسلام لأنه لا طاقة لمخلوق أن يغيّر ما قال الله تعالى عنه: لا تبديل له، ونحن نرى الأمر في الواقع بخلاف ذلك فنرى من الناس مَنْ يكفر ويرتدّ عن دينه فيبدل الإيمان إلى الكفر!!
فصار إذاً أن لها معنى آخر غير ما خطر ببال المجسمة والمشبهة وأذاعوه!! وهو ما قاله الحذاق من أن الفطرة هنا هي القابلية التي خلقها الله تعالى في الإنسان للنظر في مصنوعات الله تعالى، والإستدلال بها على موجده، فيؤمن به ويتبع شرائعه، لكن قد تَعْرُضُ له عوارض تصرفه عن ذلك كتهويد أبويه له وتنصيرهما وإغوائهما له وإغواء شياطين الإنس والجن {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، أي (لا تبديل لهذه القابلية) من جهة الخالق. أفاده الحافظ أبوحيان الأندلسي في ((البحر المحيط)) (8/389) وعقول المجسمة لا تصل لفهم كتاب الله الكريم ولا لسنة النبي الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم!! فتنبهوا!!
ومَنْ ذهب إلى غير ما قلناه وقررناه هنا لزمه القول بتناقض الآيات وحاشاه من ذلك!!
بل إن الاستدلال بالفطرة التي يزعمونها يستلزم هدم كثير من الآيات والأحاديث!! فالآيات الحاثة على التفكر في خلق السموات والأرض والآيات التي فيها الأمر بالنظر في المخلوقات لا قيمة لها ولا معنى من إيرادها ساعتئذ ما دام أن معرفة الله تعالى والإيمان بوجوده أمر مركوز في الفِطَرِ كما يزعمون، ولماذا أرسل الله تعالى الرسل يثبتون للكفار وجود الله تعالى حتى يؤمنوا به ما دام أن الأمر مركوز في النفوس؟!
ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}البقرة:258، إلى قوله
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}البقرة:258، وقوله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام إن فرعون قال له: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}طه: 49 ـ 50؟!!
فقول مَنْ قال: ((أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان وينشأ عليها المسلم بلا تلقين ولا تعليم( ) من حيث الأصل فكل مَنْ يلقنه المبتدعة بدعتهم ويدرسوه كتبهم فليس من حق أي فرقة أن تدّعيه إلا أهل السنة والجماعة)) انتهى!!!
هو قول متهافت!!! وهو خطأ مجانب لنصوص الكتاب والسنة!! بل هو مجانب للواقع تماماً! فإن الله تعالى أرسل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليعلّموا الناس التوحيد والشرائع ولم يأت في نصٍ واحد أن الله تعالى قال: إذا أردتم أن تعرفوا عقيدة السلف الحقة فعليكم أن تسألوا الأطفال الصغار لأنهم وُلدوا عليها بفطرتهم، كما لم يأت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص واحد يقول ذلك!!
وما فائدة إرسال الرسل حينئذٍ إذا كان الناس يولدون على عقيدة السلف التي يدّعيها هؤلاء؟!! ولماذا إذاً بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة يُعلِّم الناس العقيدة الصحيحة التي أرسله الله تعالى بها ويزرعها ويغرسها في قلوب أصحابه الكرام رضي الله عنهم؟!!
زد على ذلك أن هناك أقواماً كُثُراً كانوا في الجاهلية الجهلاء قبل إرسال الرسل إليهم وآخرين عاشوا في وسط الأدغال ولم يخرجوا على عقيدة السلف ولا على عقيدة الإسلام، وإنما كانوا على عقيدة عبادة العِجْل أو النار أو الأصنام أو الكواكب أو غير ذلك مع أن أهل البدعة لم يلقنوهم ذلك!! وإنما تُرِكُوا بلا تلقين ولا تعليم!! فلعل عقيدة أصحاب الأدغال تلك هي عقيدة المجسمة والمشبهة الذين يحتجون بالفطرة!! وينشرون الاستدلال بها اليوم في المشرق والمغرب!! مستغلين الضحالة العلمية الملموسة عند غالب المسلمين من أهل هذا العصر!!
وبذلك تبين لنا بكل وضوح أن ما يسمونه دليل الفطرة ليس دليلاً شرعياً معتبراً ولا يصح لأي إنسان أن يستدل به لأنه إذا استدل به خالف نصوص الكتاب والسنة كما قدّمنا.

Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”