تعليق السيد حسن السقاف على كلام الطحاوي في مسألة عدم خلود أهل الكبائر في النار:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

تعليق السيد حسن السقاف على كلام الطحاوي في مسألة عدم خلود أهل الكبائر في النار:

Post by عود الخيزران »

تعليق السيد حسن السقاف على كلام الطحاوي في مسألة عدم خلود أهل الكبائر في النار:

قال السيد حسن السقاف في كتابه " صحيح شرح العقيدة الطحاوية ":

لا نوافق المصنف على ما يقوله من (أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في نار جهنم بل يخرجون منها)! والكلام في هذه القضية يكون بالأمور التالية:
1- أن فكرة خروج أحد من النار بعد أن يدخلها فكرة لم تأت في القرآن وهي فكرة يهودية جاءت في أحاديث ولم تأت في القرآن! وتقول أئمة آل البيت القدماء والزيدية والمعتزلة والإباضية( 1) عن هذه الأحاديث إنها من جملة الإسرائليات، والقرآن جاء يقرر ويقعِّد أن الذي يدخل في النار لا يخرج منها في أيات كثيرة، واستفدنا من القرآن أن هذه فكرة يهودية رد عليها القرآن الكريم وفندها في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة:80-82، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}آل عمران: 24، فهذه الآيات صريحة في الرد على من زعم أن المكث في النار إنما يكون لمدة معينة.
2- كون المعاصي من الكبائر: والآية السابقة صريحة أيضاً في أن من كسب سيئة وخطيئة والمراد بذلك الكبائر فهو من المخلدين في النار!
ومما يؤكد هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ( 2 ) اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}الجن: 23.
ومما يبين أن المراد بالمعاصي الكبائر: قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا}النساء: 31، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}الشورى: 37.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}الفرقان:68-70، وزعم بعض الناس بأن سبب الخلود في النار في هذه الآية هو الشرك وهو من يدعو مع الله إلهاً آخر!!
والجواب: أن كلاً من الزنا ومن القتل موجب لوحده دخول النار، بصريح قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء: 93، فبطل قولهم بأن سبب الخلود هو الشرك!
3- والأحاديث المعارضة لأحاديث الخروج من النار كثيرة! والتي فيها ذِكْرُ أشخاص لا يدخلون الجنة؛ منها:
أ ـ ما رواه مسلم في الصحيح (2128) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البُخْتِ المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
ب ـ روى البخاري (6056) ومسلم (105) عن سيدنا حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يدخل الجنة قتات)) أي نمام.
جـ ـ روى مسلم (91) وغيره عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر)) قال رَجُل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة قال: ((إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس)).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن مرتكب الكبائر لا يخلد في النار بل يخرج منها ولو بعد طول مكث، قال النووي رحمه الله تعالى في ((شرح صحيح مسلم)) (1/217):
((واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف( 3 ) أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال( 4 )، فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يُحْدِث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يُبْتَلَ بمعصية أصلاً فكل هذا الصِّنْف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً لكنهم يردونها( 5 ) على الخلاف المعروف في الورود( 6 )، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم( 7 ) أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه. وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عَذَّبَهُ القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل( 8 ) كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع مَنْ يُعْتَدُّ به من الأمة على هذه القاعدة( 9 )، وتواترت بذلك نصوص تُحَصِّلُ العلم القطعي فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع)) انتهى كلام النووي.


الحواشي السفلية:

( 1 ) وقد فَصَّل مذهبهم وقولهم من علماء الإباضية فضيلة العلامة مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي في كتابه القيم الفذ ((الحق الدامغ)) فليرجع إليه مَنْ شاء الاطلاع والتوسع.
( 2 ) ومن أول ههنا العصيان بالكفر فقد أبعد النجعة وتكلَّف في التأويل!
( 3 ) في هذا نظر لأن هذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه! فقد خالف في هذا أئمة أهل البيت والزيدية والمعتزلة والإباضية وغيرهم.
( 4 ) من مات موحداً ولكنه مرتكب لجميع الكبائر والموبقات غارقاً في الشهوات والملذات منحلاً من ربقة التكليف نابذاً لأحكام الشريعة أي غير ملتزم لما فرض الله عليه فكيف يقطع على أنه ممن يخل الجنة والله تعالى يقول: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة: 81، ويقول {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}الجن: 23.
( 5 ) بل الناجين الذين سيدخلون الجنة لا يردون النار ولا يقربون منها البتة! قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}الأنبياء: 101، والمراد بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا}مريم:71، الكفار والطغاة والمجرمون، والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}الأنبياء: 98.
( 6 ) أثبت أن فيه خلافاً وهذا أمر جيد يفيد أن أهل السنة غير مجمعين على أن معنى الورود هو المرور على الصراط.
( 7 ) قلت: تقدَّم في الكلام على الصراط أن اعتبار الصراط جسراً ممدوداً على ظهر جهنم غير صحيح لقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا}الأنبياء:101-102، ولأن القرآن ذكر أن الكفار يدخلون نار جهنم من أبوابها في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}الزمر:71، وللبحث تفصيل وقد تقدم.
( 8 ) هذا معارض للنصوص الشرعية من الآيات الكريمة التي ذكرناها.
( 9 ) دعوى الإجماع في هذه المسألة منتقض وغير مُسَلَّم لأن أئمة آل البيت والزيدية والمعتزلة
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”