الجواب عن بعض الإشكالات المتعلقة بقصة الإسراء والمعراج:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

الجواب عن بعض الإشكالات المتعلقة بقصة الإسراء والمعراج:

Post by عود الخيزران »

الجواب عن بعض الإشكالات المتعلقة بقصة الإسراء والمعراج:

قال سماحة السيد حسن السقاف:

بعض الإشكالات المتعلقة بقصة الإسراء والمعراج( 1 ) من ناحية التجسيم الذي يتبناه المتمسلفون اليوم أنقله من كتابنا ((تنقيح الفهوم العالية بما ثبت وما لم يثبت من حديث الجارية)) ص (59) وبالله تعالى التوفيق:
لقد استدل المجسمة المتمسلفون من حديث الإسراء على أن الله تعالى في السماء!! ولا بد أن نزيِّف استدلالهم ونبطل كلامهم في ذلك فنقول:
هذا الحديث ليس فيه أي استدلال لما يريدون من كون معبودهم في السماء أو فوق السماء!! ومن تأمَّل أوائل سورة الإسراء عرف ذلك وفهمه جيداً، فقد افتتح سبحانه هذه السورة الكريمة بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}الإسراء:1.
استفتح سبحانه هذه الآية الكريمة بالتسبيح فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}الإسراء:1، والتسبيح هو التنزيه؛ فكأنه يشير إلى ما قد يخطر في الأذهان من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب لمكان فيه رب العالمين فقطع هذا الخيال ونزَّهَ نفسه عنه فقال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى}الإسراء:1، أي: تَنَزَّه عن المكان.
ثمَّ بَيَّنَ سبحانه أنه أسرى بعبده ليس ليراه ويَقْرُب منه بالمكان، وإنما قال سبحانه {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}الإسراء:1، وقال تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}النجم:18، وآياته تعالى هي مخلوقاته وعجائب مصنوعاته، فسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أُسْرِيَ وعُرِجَ به ليريه الله سبحانه ملكوت السموات والأرض والجنة والنار وما إلى ذلك مما ذكر في الإسراء، وليس ليذهب إلى مكان فيه رب العزة سبحانه المنزه عن الزمان والمكان!!
فإن قيل: وكيف كلَّمه ورآه وفرض عليه الصلوات الخمس ألا يدل ذلك على أنه ذهب إليه؛ أي إلى مكان هو فيه؟!!
قلنا: ليس كذلك!! فإنه سبحانه كما كلَّم سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فوق السماء عند سدرة المنتهى فقد كلَّم سيدنا موسى عليه السلام في الواد المقدس طوى بجانب الطور وذلك في أرض فلسطين، ولا يعني ذلك أن الله سبحانه كان هناك، فكما أنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن المكان لما خاطب سيدنا موسى بجانب الطور فهو أيضاً منزه عن المكان لما خاطب سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في السماء أو فوقها.
والسماء والأرض والأكوان والعوالم مخلوقة لله تعالى وهو منزه عن الحلول فيها {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}آل عمران:109، والدليل على أن الله كلم سيدنا موسى في الوادي مع تنزيهنا لله تعالى عن أن يكون في الوادي قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَامُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}طه: 11-14.
فانظروا كيف خاطبه سبحانه وفرض عليه الصلاة أي - سيدنا موسى - في الأرض!! كما خاطب سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وفرض عليه الصلاة وهو في السماء أو فوقها!! فكما أنه منزه عن أن يكون في الأرض فهو منزه أيضاً عن أن يكون في السماء وكذا في البقعة التي خاطب سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيها!!
وقال تعالى أيضاً {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ}القصص:29-31.
فهذه الآية فيها قرائن كثيرة يوهم ظاهرها على أن الله تعالى كان في تلك البقعة عندما كلم سيدنا موسى والسياق يفيد ذلك مع أننا نؤوله ولا نقول بظاهره!!
فأولاً: نحن ننزه الله تعالى أن يكون ناراً!! لأن سيدنا موسى رأى ناراً فذهب إليها فكلَّمه الحق سبحانه!!
وثانياً: ننزه الله تعالى أن يكون بجانب الطور!! أي ننزهه أن يكون قد حَلَّ في منطقة في الأرض.
وثالثاً: ننزهه سبحانه عن أن يكون في شاطىء الواد الأيمن!! وفي البقعة المباركة وعن أن يكون في الشجرة!!
ورابعاً: قد يقول قائل إن قوله: {أَقْبِلْ وَلا تَخَف}القصص:31، قرينة أيضاً على أنه سبحانه كان في ذلك المكان أو تلك البقعة أو ذلك الوادي!! ونحن نقول كل ذلك لا يجوز على الحق سبحانه وهو مُنَزَّه عنه!!
فكما أننا لا نأخذ من قصة سيدنا موسى أن الله تعالى كان في الواد المقدس طوى وفي الشجرة باتفاق فكذلك لا نأخذ من قصة الإسراء والمعراج أن الله في السماء أو فوقها كما تقول المجسمة!!
وأما رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله تعالى في تلك الليلة فهي محل خلاف بين العلماء وغالب المجسمة ينفونها ويقولون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرَ الله تعالى تلك الليلة؛ هذا مع قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}الشورى: 51.
وفي صحيح مسلم (1/161) عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل رأيت ربك؛ قال: ((نور أنى أراه))( 2 ).
وفي البخاري (8/606) ومسلم (1/159) عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت!! أين أنت من ثلاث من حدثكهُنَّ فقد كذب: مَنْ حدَّثَكَ أن محمداً رأى ربه فقد كذب. ثم قرأت {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}الأنعام:103، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}الشورى:51....الخ.
وذكر بعض العلماء أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا تفضلوني على يُونُس بن متى))( 3 ) معناه:إياكم أن تظنوا بأنني قَرُبت من الله تعالى بالمسافة أكثر من النبي يونس الذي كان في جوف الحوت في قعر البحر، وإلا فما مناسبة ذكر سيدنا يونس هنا؟!! مع اعتقادنا جميعاً بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من سيدنا يونس بلا خلاف والله تعالى يقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}البقرة:253،!! وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}الإسراء:55!!
قال المحدث الزَّبِيْدِي ((في إتحاف السادة المتقين)) (2/105):
[ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المُنَيِّر الإسكندري المالكي في كتابه ((المنتقى في شرف المصطفى)) لما تكلَّم على الجهة وقرر نفيها، قال: ولهذا أشار الإمام مالك رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا تفضِّلوني على يونُس بن متى)) فقال مالك: إنما خُصَّ يونس بالتنبيه على التنزيه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رُفِعَ إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة؛ ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل؛ ولَمَا نهى عن ذلك)) انتهى. أي لَمَا نهى عن ذلك التفضيل.
وبقيَ أمر أخير لا بُدَّ من إيضاحه في قصة الإسراء وهو أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان في تلك الليلة بعدما فرض الله عليه الصلاة وعاد فوصل إلى سيدنا موسى في السماء السادسة كان يقول له سيدنا موسى ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فما هو معنى ذلك؟!
وأقول: معناه إن صح( 4 ): أي ارجع إلى المكان الذي خاطبت فيه رب العزة وكلَّمك عنده واسأله أن يخفف عن أمتك؛ فالله تعالى شاء أن يقع الكلام بينه وبين سيدنا محمد في بقعة ومنطقة مُعَيَّنَة فوق السماء السادسة، كما كان سيدنا موسى يكلِّم الله تعالى ويكلمه الله في منطقة معينة بجانب الطور ولم يكن رب العالمين ثَمَّ هناك في تلك المنطقة!! إذ لا يجوز عليه المكان فتنبه!!
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}الأعراف:143، وقال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}طه:83-84، فظاهر هذا أن سيدنا موسى سبق قومه إلى الله بالمسافة فوصل إلى البقعة التي كان يخاطب الله تعالى ويكلمه فيها قبل قومه وكانوا هم خلفه على أثره، لأن الله واعدهم مرة كما كان يواعد سيدنا موسى في الجانب الأيمن من الطور وقد أخبرنا سبحانه عن ذلك إذ قال: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ}طه:80، ومثل هذا قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي}الصافات:99.
وبذلك يتضح لنا أن قصة الإسراء والمعراج ثابتة قطعاً فيجب الإيمان بها، وأن فيها معجزة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تفاصيل القصة الواردة في الحديث غير قطعية، وأنه لا دليل للمجسمة في هذه القصة على أن الله تعالى في السماء أو فوق السماء بذاته والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.


الحواشي السفلية:

( 1 ) وقع في بعض روايات حديث الإسراء والمعراج وخاصة رواية شَرِيك بن أبي نَمِر ألفاظ
منكرة! قال الحافظ ابن الجوزي في ((دفع شبه التشبيه)) ص (136): ((فإن قيل: فقد أُخرج في الصحيحين عن شَرِيك بن عبد الله بن أبي نَمِر عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه ذكر المعراج فقال فيه: (فعلا به إلى الجبار تعالى) فقال (وهو في مكانه يا رب خفف عنا) فالجواب: أن أبا سليمان الخطَّابي قال: هذه لفظة تفرَّد بها شريك، ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرُّد بمناكير الألفاظ، والمكان لا يضاف إلى الله عز وجل...)).
وأقول: لقد نصَّ على هذا أيضاً الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (13/137) حيث قال هناك: ((قال الخطَّابي: ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل...)) وقال الحافظ هناك أيضاً عن شريك: ((هو مختلف فيه فإذا تفرَّد عُدَّ ما ينفرد به شاذاً وكذا منكراً....)) الخ ما قال ونقلته في التعليق على ((دفع الشبه)) ص (137) وقد ذكر الحافظ في الفتح (13/485) أن شريكاً خالف الحفاظ في عشرة أشياء في هذا الحديث (يعني حديث الإسراء والمعراج)، فينبغي التنبه لذلك والتوسع فيه بالمراجعة.
( 2 ) مع ملاحظة أن الله سبحانه وتعالى ليس نوراً بمعنى الضوء، وإنما معنى اسمه سبحانه النور أي الهادي كما فسَّره بذلك الصحابة وسيدنا ابن عباس منهم وهو ترجمان القرآن وهذا هو الموافق للمنقول والمعقول، وفي الحديث نفي الرؤية ليلة الإسراء وعدم ثبوتها وهو المعتمد عندنا لأن الله تعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
( 3 ) وأصل الحديث في صحيح البخاري (6/451) ومسلم (4/1846) بلفظ: ((لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى)).
( 4 ) مع علمنا بأنه في الصحيحين لكنه منكر.
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”