بيان معنى الفطرة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة" :

شرح الحديث
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 901
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

بيان معنى الفطرة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة" :

Post by عود الخيزران »

بيان معنى الفطرة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة" :

قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح الطحاوية":

((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) رواه البخاري (3/246) ومسلم (4/2047).
فيقولـــون: هذا الحديث يدلُّ على أن المولود يولد على الإسلام لأنه لم يذكر الإسلام فيه فهو الأصل وإنما ذكر تأثير الأبوبين أنهما قد يحرفانه إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية قالوا: فيكون معنى الفطرة هنا: الإسلام.
ونقول لهم: أخطأتم في الاستدلال!! لأن هذا الحديث ورد في رواية أخرى صحيحة في صحيح مسلم (2658) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه ((فإن كانا مسلمين فمسلم))!!
فاتضح بهذه الرواية فساد احتجاج من احتج بحديث الفطرة وقال ما قال
فيه!! وإذا كان الأمر كذلك فينبغي لنا أن نوضح ما هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (يولد على الفطرة) فنقول:
معنى الفطرة هنا أي الخلقة الأصلية التي لم يَشُبْهَا شيء بعدُ، لأن المولود يولد ويخرج من بطن أمه لا علم عنده وخالياً من المعلومات بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}النحل: 78، أي لتكسبوا المعلومات وتَعْقِلوا الحقائق بهذه الحواس، فهذه الآية الكريمة قاطعة للشغب في هذه المسألة قطعاً تاماً والحمد لله.
فمعنى الحديث أن المولود يولد على الخلقة الأصلية السليمة وهي المراد بالفطرة، إذ لا يعتبر هذا المولود مُشَبَّعاً بأي فكر من الأفكار وخاصة أفكار الكفر والإلحاد أو الشرك، فتؤثر فيه بعد ذلك عادات وأحوال واعتقادات المجتمع الذي يعيش فيه فتجعله ينقاد إليها، فإذا بقي كذلك لم يتنبّه إلى عقيدة الإسلام الصحيحة الحقة إلا بمن يُنَبّهه عليها، ولذلك بعث الله تعالى الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين وأمر العلماء والدعاة بل جميع المسلمين بالتبليغ!!
وبعض الناس يقولون كما تقدم: لم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبواه يجعلانه مسلماً ونقول لهم: بل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((فإن كانا مسلمين فمسلم)) فقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة)) لا يعني أن المولود عندما يولد تولد معه معلومات دينية في مختلف النواحي من العقيدة والفقه والحديث والتفسير وغيرها؛ كما لا يعني ذلك ما يقولونه: من إن معرفة الله تعالى أمر مركوز في الفِطَر؛ لقوله تعالى كما تقدم {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}النحل:78!!
حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولدوا ولم تكن معهم معلومات إلا مَنْ أنطقهم الله تعالى في المهد على سبيل المعجزة والعبرة للخلق، ومن ذلك قول الله تعالى {ووجدك ضالاً فهدى} أي: ووجدك لا تعرف ما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها، وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}الشورى:52، {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}النساء: 113!!
وبعضهم يورد مع الحديث الذي تكلمنا عليه وبيّنا معناه قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، وليس معناه ما يتوهَّمون ويوهِمُون!!
فلو كان الناس قد خُلِقُوا وفُطِرُوا وَطُبِعُوا على الإيمان (والتوحيد ومعلومات العلو!!) التي قال الله عنها {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، لم يستطع أحد أن يكفر ويخرج من الإسلام لأنه لا طاقة لمخلوق أن يغيّر ما قال الله تعالى عنه: لا تبديل له، ونحن نرى الأمر في الواقع بخلاف ذلك فنرى من الناس مَنْ يكفر ويرتدّ عن دينه فيبدل الإيمان إلى الكفر!!
فصار إذاً أن لها معنى آخر غير ما خطر ببال المجسمة والمشبهة وأذاعوه!! وهو ما قاله الحذاق من أن الفطرة هنا هي القابلية التي خلقها الله تعالى في الإنسان للنظر في مصنوعات الله تعالى، والإستدلال بها على موجده، فيؤمن به ويتبع شرائعه، لكن قد تَعْرُضُ له عوارض تصرفه عن ذلك كتهويد أبويه له وتنصيرهما وإغوائهما له وإغواء شياطين الإنس والجن {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}الروم:30، أي (لا تبديل لهذه القابلية) من جهة الخالق. أفاده الحافظ أبوحيان الأندلسي في ((البحر المحيط)) (8/389) وعقول المجسمة لا تصل لفهم كتاب الله الكريم ولا لسنة النبي الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم!! فتنبهوا!!
ومَنْ ذهب إلى غير ما قلناه وقررناه هنا لزمه القول بتناقض الآيات وحاشاه من ذلك!!
Post Reply

Return to “شرح الحديث”