تفسير قوله تعالى:{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وبيان مافيها من دقائق عقائدية:
قال الحافظ أبو حيان (٦٥٤-٧٤٥هـ) في "البحر المحيط" (٣١٦/١) : [ وظاهر الآية يدل على أن الله تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له: كن، تبينه الآية الأخرى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، وقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ}. لكن دليل العقل صَدَّ عن اعتقاد مخاطبة المعدوم، وَصَدَّ عن أن يكون الله تعالى محلاً للحوادث، لأن لفظة كن محدثة، ومن يعقل مدلول اللفظ وكونه يسبق بعض حروفه بعضاً لم يدخله شك في حدوثه، وإذا كان كذلك فلا خطاب ولا قول لفظيا، وإنما ذلك عبارة عن سرعة الإيجاد وعدم اعتياصه، فهو من مجاز التمثيل. وقال الحافظ الخطيب البغدادي (٣۹۲ - ٤٦٣هـ ) في كتابه "الفقيه والمتفقه" (۱۳۲/۱) باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد: وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور: أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ والثالث: يخالف الإجماع فَيُسْتَدَلُّ على أنه منسوخ أو لا أصل له......
وقال الإمام الغزالي (٤٥٠-٥٠٥هـ) في "المستصفى" (۱۳۲/۲): [ اعْلَمْ أَنَّ الْمُهِمَّ الأَوَّلَ مَعْرِفَةُ مَحَلَّ التَّعَارُضِ، فَتَقُولُ كُلُّ مَا دَلَّ الْعَقْلُ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ مَجَالٌ إِذْ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهَا، وَتَكَاذُبُهَا، فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى خِلافِ الْعَقْلِ فَإِمَّا أَنْ لا يَكُونَ مُتَوَاتِراً فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، فَيَكُونُ مُؤَوَّلاً ، وَلا يَكُونُ مُتَعَارِضًا. وَأَمَّا نَضٌ مُتَوَاتِرٌ لا يَحْتَمِلُ الْخَطَأ، وَالتَّأْوِيلَ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلِ الْعَقْلِ فَذَلِكَ مُحَالٌ ؛ لأنَّ دَلِيلَ الْعَقْل لا يَقْبَلُ النَّسْحَ، وَالْبُطْلانَ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمُؤَوَّلُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ قَوْله تَعَالَى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ إِذْ خَرَجَ بِدَلِيل الْعَقْلِ ذَاتُ الْقَدِيمِ وَصِفَاتُهُ].
وكذا قال الفخر الرازي (٥٤٤-٦٠٦هـ) في "المحصول" (٤٠٦/١). وقال العضد الإيجي (٦٨٠-٧٥٦هـ) في كتابه "المواقف" (۲۰۷/۱) [.. لا بدَّ من العلم بعدم المعارض العقلي الدال على نقيض ما دل عليه الدليل النقلي إذ لو وجد ذلك المعارض لقدم على الدليل النقلي قطعاً بأن يؤول الدليل النقلي عن معناه إلى معنى آخر مثاله قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء بالاستيلاء أو يجعل الجلوس على العرش كناية عن الملك وإنما قدم المعارض العقلي على الدليل النقلي إذ لا يمكن العمل بهما بأن يحكم بثبوت مقتضى كل منهما لاستلزامه اجتماع النقيضين ....
وقال الآمدي (٥٥١-٦٣١هـ) في "الإحكام في أصول الأحكام" (۳/ ۱۷۲): [ وكذلك أيضاً لو تعارضت آية ودليل عقلي فإن الدليل العقلي يكون حاكماً عليها ]. وهذا المعنى قرره كثير من العلماء والأئمة].
تفسير قوله تعالى:{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }:
-
- Posts: 921
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm