كتب سماحة السيد حسن السقاف على صفحته الرسمية فيسبوك:
بسم الله الرحمن الرحيم ..... أنقل لكم: ردَّ السيد عبد الله ابن الصديق الغماري رضي الله عنه على الألباني – المتناقض - في قول الألباني أن صيغة التشهد في الصلاة تنتقل من لفظ الخطاب وهو (السلام عليك أيها النبي) إلى خطاب الغيبة وهو (السلام على النبي..) وبيان فساد ذلك:
قال الإمام المحدث الشريف سيدي عبد الله ابن الصديق الغماري أعلى الله منزلته وتغمده بالرحمة والرضوان:
[ومن أخطائه – الألباني - الدالة على قلة فهمه، وضعفه في قواعد الاستنباط: أنه اختار للمصلي أن يقول في تشهده: (السلام على النبي) ولا يقول: (السلام عليك أيها النبي)، مع أن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت فيها التشهد بلفظ الخطاب.
ففي الصحيحين (البخاري831، 835، 1202، 6265ومسلم402) عن ابن مسعود قال: ((أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي، وعلَّمني التشهد كما يعلمني سورة من القرآن))، قال ((قل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)). رواه بقية الستة كذلك.
وفي صحيح مسلم (403) والأربعة عن ابن عباس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن)) فذكر مثل تشهد ابن مسعود.
ورواه مسلم (404) والأربعة إلا الترمذي عن أبي موسى قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين لنا..... وعلمنا صلاتنا فقال: ((إذ صليتم وكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)) الحديث.
وهكذا ثبت التشهد بخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السلام عليه من حديث ابن عمر وجابر، وسلمان الفارسي، وابن الزبير، وعائشة، وأبي سعيد الخدري وغيرهم وهو تواتر، وواظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو سنة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، وأخذ به الشافعية فقالوا بوجوب الخطاب في السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ثبت في صحيح البخاري بعد روايته للحديث عن ابن مسعود قوله: ((بين ظهرانينا فلما قبض، قلنا: السلام يعني على النبي)).
قال الحافظ في "فتح الباري": [كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، والسراج والجوزقي، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ: ((فلما قبض قلنا: السلام على النبي)) بحذف لفظ ((يعني))، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم. قال السبكي في ((شرح المنهاج)) بعد أن ذكر هذه الرواية عن أبي عوانة وحده: ((إن صح هذا عن الصحابة، دل على أن الخطاب في السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير واجب، فيقال: السلام على النبي، قلت: قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعاً قوياً، قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء: أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح)) اهـ كلام الحافظ.
قلت: كلام عطاء هذا، عنعنه ابن جريج كما في ((مصنف عبد الرزاق)) (2/204) وابن جريج مدلس، فلا يقبل ما عنعنه.
قال الألباني: [ وقول ابن مسعود: ((فقلنا السلام على النبي)) يعني أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي في التشهد، والنبي حي بينهم، فلما مات عدلوا عن ذلك وقالوا: السلام على النبي، ولا بد أن يكون بتوقيف منه، ويؤيده أن عائشة رضي الله عنها كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة، السلام على النبي، رواه السراج في مسنده والمخلص في فوائده بسندين صحيحين عنها ] اهـ.
وهذا الكلام يدل على جهل عريض وقد أغرب بعزو أثر عائشة إلى السراج، والمخلص: خلَّص الله الألباني من جهله، مع أنه في مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق.
وجهل الألباني بما قاله يتبين بوجوه:
الأول: أن قول ابن مسعود: ((فلما قبض قلنا: السلام على النبي))، ليس عن توقيف بل هو اجتهاد منه وممن وافقه، استناداً منهم إلى أن الوفاة تناسبها الغيبة، وهو خطأ، لما سيأتي.
الثاني: لو كان عند ابن مسعود توقيف بذلك، لصرَّح به بأن يقول: فلما قبض قلنا بأمره أو بإرشاده، ولما لم يقل دل على أنه رأي له محض.
الثالث: أن التشهد يتعلق بالصلاة التي هي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وكان الصحابة يتعلمونه، كما يتعلمون السورة من القرآن، فلو أن عندهم توقيف، لنقلوه إلينا كما نقلوا ألفاظ التشهد، لأنه قيد متمم لها، وهم يعرفون أن نقل المقيد بدون قيده لا يجوز.
الرابع: أنه ثبت بالأسانيد الصحيحة في "الموطأ" (204) و"(مصنف ابن أبي شيبة" و "مصنف عبد الرزاق" وغيرها عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر رضي الله عنه يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: ((قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته... الخ)). هكذا عَلَّم عمر التشهد على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحضرة المهاجرين والأنصار، ولو كان توقيف بتغيير صيغة السلام، لما خفي على عمر، ولو خفي عليه، لنبَّهه بعض الصحابة الذين سمعوا تعليمه.
ومثل هذا ما رواه الطحاوي في "معاني الآثار" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان أبو بكر رضي الله عنه يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان الكتاب))، ثم ذكر مثل تشهد ابن مسعود رضي الله عنه لكن في سنده زيد العمي، ومثله ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عياش عن حريز بن عثمان عن راشد بن سعد عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر: ((التحيات لله والصلوات والطيبات)) فذكر مثل تشهد ابن مسعود.
الخامس: روى الطبراني بإسناد صحيح عن الشعبي قال: ((كان ابن مسعود يقول بعد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته: السلام علينا من ربنا))، فهذه الجملة زادها ابن مسعود اجتهاداً منه، فكذلك تغيير صيغة السلام من الخطاب إلى الغيبة، اجتهاداً منه أيضاً.
السادس: أن البيهقي روى في سننه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((هذا تشهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التحيات لله... إلى آخره))، مثل تشهد ابن مسعود، قال النووي في ((الخلاصة)): ((إسناده جيد، وهو يفيد أن تشهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل تشهدنا، وهي فائدة حسنة)) اهـ.
السابع: روى أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال: سئل عطاء وأنا أسمع عن التشهد ؟ فقال: التحيات لله... وذكر تشهد ابن عباس، ثم قال: لقد سمعت عبد الله بن الزبير يقولهن على المنبر، يعلمهن الناس، ولقد سمعت عبد الله بن عباس يقول مثل ما سمعت ابن الزبير يقول، قلت: فلم يختلف ابن الزبير وابن عباس ؟ فقال: لا، أخرجه الطحاوي، ووقع هذا الأثر في مصنف عبد الرزاق بصيغة الغيبة، وما هنا أرجح، لأنه أحال على تشهد ابن عباس، والسلام فيه بصيغة الخطاب.
الثامن: أن المسلمين المقيمين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة واليمن وأطراف الجزيرة العربية، كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تشهد الصلاة بصيغة الخطاب ولم يأمرهم بتغيير صيغة السلام، لكونهم غائبين عنه.
التاسع: أن وفاته صلى الله عليه وآله وسلم لا تستوجب تغيير السلام من الخطاب إلى الغيبة، لأن سلامنا عليه يبلغه حيث كنا. روى أحمد والنسائي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)) صححه ابن حبان، وللحديث طرق كثيرة.
العاشر: قال ابن حزم أثناء الرد على من زعم أن رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنتهي بانتقاله، ما نصه: ((وكذلك ما أجمع الناس عليه، وجاء به النص، من قول كل مصل فرضاً نافلة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)) اهـ من كتاب ((الفصل)) (1 /89)، ولابن القيم قريب من هذا المعنى في كتاب ((الروح)).
وقال ابن تيمية في ((الجواب الباهر)): [والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم قد شرع للمسلمين إذا دخل أحدهم المسجد أي مسجد كان، فالنوع الأول كل مصل صلاة يقول المصلي السلام عليك أيها النبي و رحمة الله وبركاته] اهـ.
وقال – ابن تيمية - في موضع آخر من هذا الكتاب: ((وهم يقولون في الصلاة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،كما كانوا يقولون ذلك في حياته)) اهـ.
الحادي عشر: أن قول ابن مسعود: ((فلما قبض قلنا السلام على النبي))، لا يجوز أن يكون نسخاً لما علَّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التشهد للصحابة كما يعلمهم السورة من القرآن، لأن النسخ لا يثبت إلا بوحي ولا وحي بعده صلى الله عليه وآله وسلم ولا يثبت بقول الصحابي كما تقرر في الأصول، بل غاية ما يفيد قول ابن مسعود أن يكون قرينة على أن الخطاب غير واجب، فلو قال مصلٍّ في بعض الأحيان: السلام على النبي، صحت صلاته.
وقال الشافعية: تبطل لأن الخطاب عندهم واجب. وهم أسعد بالدليل، وأحق بموافقة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
وعهدنا بالألباني، يظهر الحرص على التمسك بالوارد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما بالنا نراه في هذه المسألة يحيد عن اللفظ النبوي المتواتر والمتوارث بين الأمة جيلاً عن جيل. ثم يختار لفظاً يزعم أنه عن توقيف ؟!
ولا غرابة في ذلك، فإنه يتكلم على فقه الحديث وهو لا يعرف الأصول، ولا يحسن قواعد الاستنباط، فيخبط خبط عشواء ويتيه في ضلالة عمياء، يجعل المحكم منسوخاً والمخصوص عاماً، والموقوف مرفوعاً كما هنا، ولو أنه اقتصر على الكلام في سند الحديث – على تخليط له فيه – لكان خيراً له وأفضل، وأستر لحاله وأجمل، على أنه كثيراً ما يضعف الحديث بالهوى والعصبية، متعامياً عن المتابعات والشواهد، ويريد إحياء أقوال ميتة كقول ابن العربي لا يجوز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال ويزعم أن إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمر يفيد استحبابه، وعلى هذا فالسلام على المصلي يستحب، وأكل الضب مستحب، وتارة يرمي بقاعدة أصولية في غير موضعها، فيؤكد بذلك جهله بعلم الأصول، فقد استعمل في كتاب الجنائز قول الأصوليين: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فضحكنا من حسن استعماله لهذه القاعدة !! وتارة يتحمس للتغليظ في حكم، فيؤدي به الحماس إلى الزيادة على الشارع.
ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((اعفوا اللحى خالفوا المجوس))، اشتمل الحديث على الأمر بإعفاء اللحى وتعليله بمخالفة المجوس، لأنهم يحلقون لحاهم، فلم يقف الألباني عند هذا التعليل واعتبره غير كافٍ في الزجر عن حلق اللحى، فعلله بعلتين أخريين ذكرهما في رسالة "أداب الزفاف"، وهما تغيير خلق الله والتشبه بالنساء وزيادة هاتين العلتين تعتبر استدراكاً على الشارع، والاستدراك على الشارع لا يجوز، لأنه لا ينسى فَيُذَكَّر ولا يغفل فيُنَبَّه.
وبالجملة فللألباني في استنباطاته وغيرها سقطات عظيمة يتحمل وزرها ووزر من يقلده فيها، لإقدامه على الخوض في مالا يحسنه، وقد أخطأ من زعمه وهابياً بل هو أعمق من الوهابيين تعصباً وأشد منهم تعنتاً، وأجمد على بعض النصوص بغير فهم وأكثر ظاهرية من ابن حزم مع سلاطة في اللسان وصلابة في العناد لا تخطر بخلد إنسان، وهذا شعار أدعياء السنة والسلفية في هذا الزمان].
انتهى كلام سيدي الإمام عبد الله ابن الصديق الغماري رحمه الله تعالى من كتابه "القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع".
والله الموفق.
والحمد لله رب العالمين.
رد السيد عبدالله بن الصديق الغماري على الألباني في مسألة صيغة التشهد
-
- مشاركات: 943
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm