بعدما صالح سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه معاوية.. لأن سيدنا الحسن رضي الله عنه خشي أن يقتل في حرب معاوية الآلاف من المؤمنين وأن يباد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والهاشميين عن بكرة أبيهم ولأن الناس تخاذلوا عن نصرة الحق صالح سيدنا الحسن معاوية بشرط أن تكون له الخلافة بعده، فقبل معاوية وسارع لقتل سيدنا الحسن بشربة مسمومة ليتخلص منه ولتبقى الإمارة في بني أمية، فعهد معاوية بالإمارة بعد قتل سيدنا الحسن رضي الله عنه لابنه السكير المجرم يزيد، وفي عهد يزيد غزت جيوش يزيد بوصية من معاوية مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في واقعة يطلق عليها (واقعة الحَرَّة) انظر أيها القارى كتب التاريخ والويكيبيديا على النت – وتأكدوا من معلوماتها - لتعرف كيف استبيحت مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قُتل بالمدينة من الصحابة وأبناء الصحابة وغير ذلك من الجرائم والموبقات.
ومن عجائب العبر: أننا رأينا في عصرنا هذا كيف ينافح ويدافع بعض الناس المتعصبين عن بعض طغاة العصر الجبارين الذين قتلوا الألوف من الناس وحرقوا الأخضر واليابس بكل وقاحة ولا ينظرون إليهم بميزان القرآن الكريم والسنة المطهرة الآمرَين بالعدل والرحمة ونبذ الظلم وقهر العباد .....
روى ابن عساكر في تاريخه (13/275) بإسناده قال:
[قال لما كان زمن ورد معاوية الكوفة واجتمع الناس عليه وتابعه الحسن بن علي قال قال أصحاب معاوية لمعاوية عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وامثالها من اصحابه أن الحسن بن علي مرتفع في انفس الناس لقرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانه حديث السن عيي فمره فليخطب فانه سيعيى في الخطبة فيسقط من انفس الناس فابى عليهم فلم يزالوا به حتى آمره فقام الحسن بن علي على المنبر دون معاوية فحمد الله واثنى عليه ثم قال والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابلس رجلا جده نبي غيري وغير اخي لم تجدوه وأنا قد اعطينا بيعتنا معاوية وارينا أن حقن دماء المسلمين خير فما اهراقها " والله ما ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " قال واشار بيده إلى معاوية قال فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عيية فاحشة ثم نزل وقال ما اردت بقولك فتنة لكم ومتاع إلى حين قال اردت بها ما أراد الله بها].
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/158):
[عن خالد بن معدان ، قال : وفد المقدام بن معدي كرب ، وعمرو بن الأسود ، ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية ،
فقال معاوية للمقدام : توفي الحسن ! فاسْتَرْجَع ـ المقدام ـ .
فقال ـ معاوية ـ : أتراها مصيبة ؟ قال : ولم لا ؟! وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجره وقال : هذا مني ، وحسين من علي.
فقال للأسدي : ما تقول أنت ؟ قال : جمرة أُطفئت .
فقال المقدام: أنشدك الله ! هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن لُبْس الذهب والحرير ؟ وعن جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم .
قال : فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك .
فقال معاوية : عرفت أني لا أنجو منك].
إسناده قوي..].
وذكرالذهبي في "السير" (2/9-10) مسألة متاجرة معاوية بالخمر فقال ما نصه :
[ يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه :
أن عبادة بن الصامت مرت عليه قِطَارة وهو بالشام تحمل الخمر ، فقال : ما هذه ؟
أزيت ؟! قيل : لا بل خمر يباع لفلان – أخفوا هنا اسم معاوية وسيأتني أنه هو في نفس هذا النص - فأخذ شفرة من السوق ؛ فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها .
وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة ؟! أما بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا .
قال : فأتاه أبو هريرة فقال : يا عبادة مالك ولمعاوية ذره وما حمل.
فقال عبادة: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألا يأخذنا في الله لومة لائم ، فسكت أبو هريرة وكتب فلان إلى عثمان إن عبادة قد أفسد عليَّ الشام ].
وقد أنكر عبادة على معاوية أشياء كثيرة مُحَرَّمة شرعاً كالتعامل بالربا كما ثبت في صحيح مسلم (1587) وسنن النسائي (7/275برقم4562) وغيرها .
قال الله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه }.
وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن )) رواه البخاري (2475) .
والأحاديث في ذم شارب الخمر كثيرة ومشهورة بل إن تحريم شرب الخمر معلوم بالضرورة كما يعرف ذلك العالم والجاهل .
روى أحمد بن حنبل في مسنده (5/347) عن عبد الله بن بُرَيدة قال : دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ، ثم أتينا بالطعام فأكلنا ، ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال :
ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/42) : (رجاله رجال الصحيح).
فهل كل هؤلاء الأئمة والعلماء الذين حكوا لنا هذا ورووه وذكروه في كتبهم خالفوا قاعدة (لا يجوز الخوض....) الخ .
وروى الترمذي في السنن (5/444/3350) عن القاسم بن الفضل الحُدَّاني عن الثقة يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية فقال : سوَّدت وجوه المؤمنين أو يا مسوِّد وجوه المؤمنين فقال : لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُرِيَ بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت : { إنا أعطيناك الكوثر } يا محمد يعني نهراً في الجنة ، ونزلت : { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } يملكها بعدك بنو أمية يا محمد ، قال القاسم : فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص .
فمن هذا يتبين أن سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه صالح معاوية على أن يكون أمر الخلافة له بعده فسمه معاوية وسعى في قتله وورَّث ذلك ليزيد المجرم الذي استباح مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه من معاوية قبل موته، وأن سيدنا الحسن غير راض عن معاوية كما في القصة التي سقناها عند ابن عساكر وكما في حديث الترمذي وذلك في ظروف خاصة خفيت على بعض المترسمين بالعلم، منها أنه علم بأن هؤلاء القوم سيبيدون أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، كما فعلت الأمم السابقة في سعيها في قتل سيدنا عيسى وذبح سيدنا يحيى عليهما السلام وغيرهما، وصلح سيدنا الحسن له لا يغير واقع معاوية وما يفعله ويكيده حسب موازين الكتاب والسنة عند كل عاقل متأمل يفهم من كتاب الله تعالى الحق والباطل ويميز بينهما.
نسأل الله التوفيق والهداية، قال تعالى:
{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه}
قال العلامة المحدث المناوي في "فيض القدير" (6/355):
[قال القرطبي: وغير خاف ما صدر عن بني أمية وحَجَّاجهم من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغيرهما . قال : وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية المصطفى في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا نسلهم وسبيهم وسبهم فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض قصده وأمنيته ! فيا خجلهم إذا التقوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه].
والله تعالى أعلم.