.
بيان معاني الآيات الكريمة التي يحتج بها المجسمة على أن الباري سبحانه في السماء باختصار:
قوله تعالى: (ءأمنتم من في السماء).. أي ءأمنتم من العظيم الجليل أن يخسف بكم الأرض.. العرب الذين نزل القرآن بلغتهم إذا أرادوا تعظيم شخص وصفوه بأنه في السماء ولا يعني ذلك أنه هو حقيقة حال في السماء.. قال الشاعر العربي:
علونا السماء مجدنا وجدودنا /// وإنا لنبغي فوق ذلك منزلا
والأشعار في ذلك كثيرة ... فافهم هذا جيدا..
ثم المجسمة الوهابيون لا يقولون بظاهر هذا النص وإنما يفسرون (من في السماء) أي أنه خارج السماء وليس فيها إنما هو فوق العرش .. هكذا يقولون وقولهم باطل من جميع الأوجه .. لأن الله منزه عن المكان وهو خالق للمكان ولا تنطبق عليه قوانين المكان.. وهذه حقيقية لم يستطع للآن أكثر المجسمة أن يقروا بهذا ويقروا بأن الله لا يمكن أن يدرك ولا يُتَخَيَّل ولا أن تصل إليه تصوراتهم القاصرة .. قال تعالى {ولا يحيطون به علما} ... وقوله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} ليس هو فوقهم بالجهة والمكان والحيز بل بالربوبية والسلطان .. كما جاء {وإنا فوقهم قاهرون} .. يعني بالقهر والغلبة والهيمنة .. وقال: {وفوق كل ذي علم عليم} .. فافهم ..
وقوله {سبح اسم ربك الأعلى} يعني الأعلى والمتعالي عن كل التصورات والتخيلات والأوهام الذي هو أكبر وأعلى من كل ما تتصورون .. ومعنى سبح أي سبِّحه أي نزهْهُ عز وجل ..
وقوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر} لا يعني أن الله فوق بالمكان إنما بالمنزلة والمكانة والرتبة والربوبية وكل ما يصدر من الرب إلى العباد فهو تنزيل .. وما يصدر من العباد إلى الرب فهو رفع.. ومنه يقال (رُفِعَ الأمر إلى السلطان أو إلى الدولة أو إلى القاضي) وقال تعالى: {وأنزلنا الحديد} وقال {وأنزلنا من السماء ماء} فالقرآن أنزله الله من اللوح المحفوظ وهو في السماء.. وقال تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق}... فكيف أنزل الأنعام؟! وكيف أنزل المطر وهو ليس في السحاب ولا يعني أنه في السحاب..
افهم وتدبر وتفكر ... {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}؟!
وقوله {تعرج الملائكة والروح إليه} لا يعني أنها تذهب إلى مكان فيه الرب سبحانه وإنما كما قال سيدنا إبراهيم عندما ترك قومه وانتقل إلى بلدة أخرى {إني ذاهب إلى ربي سيهديني} ولم يذهب إلى منطقة فيها الله المتعالي الأعلى عن المكان والزمان وخواطر الإنسان.. والملائكة تعرج إلى أماكنها في السماء.. ولا يعني أن المولى في السماء.. كما لا يعني أن الملائكة تذهب إلى ما فوق العرش وهو جسم تجلس عنده.. وقال الله تعالى عن الظل وحاله في الليل: {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} ولا يعني أن الظل في الليل يذهب إلى الله في مكان هو فيه..
وهناك نصوص ليس معناها ظاهرها المتبادر بسرعة إلى ذهن الظاهري وغير العالم بحقائق الأمور .. مثل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول..} ظاهر هذه الآية محال.. وهو أن الله تعالى يريد أن يفعل كذا وكذا ليعلم .. لأنه هو العالم بالشيء من غير بداية وقبل حصوله وقبل خلق الإنس والجن وسائر المخلوقات .. ومثله قوله تعالى: {إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} ...
فهناك آيات تعرف معناها العرب ولا يراد منها الظاهر الحرفي القريب...
وكذلك قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} الإدراك العقلي الذي نسميه دليل العقل يقول: إننا أدركنا أن الكلم الطيب ليس جسماً يصعد وينزل وإنما هذا الكلام مجاز.. فليس الله جسماً جالساً على كرسي فخم في السماء أو فوق العرش والكلم الطيب يذهب عنده وإنما هذا كناية عن قبول الأعمل.. وأدرك العقل أن الأقوال والأعمال يدونها الملائكة الكتبة وتقدم يوم القيامة للعبد.. فهي تدوَّن في صحائف العباد ولا تذهب إلى مكان فيه الله تعالى والله تعالى يعلمها قبل خلق العباد ولا ينساها {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}...
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/416): [قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول].
فهذا معنى هذه الآيات الكريمة بعيداً عن فكر المجسمة والإسرائيليات والخيالات والتصورات الفاسدة الخرافية!
بيان معاني الآيات الكريمة التي يحتج بها المجسمة على أن الباري سبحانه في السماء
-
الباحث المفكر
- مشاركات: 116
- اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm
