القول بظاهر النصوص في الأسماء والصفات عقيدة خطيرة تؤدِّي إلى التشبيه والتجسيم:

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

القول بظاهر النصوص في الأسماء والصفات عقيدة خطيرة تؤدِّي إلى التشبيه والتجسيم:

مشاركة بواسطة cisayman3 »

يقول هؤلاء الذين يدَّعون بأن نصوص الصفات تؤخذ على ظاهرها وحقيقتها وكذلك بعض الذين يدَّعون أنهم يأخذون بمذهب التفويض:
نحن نثبت لله تعالى اليد ـ مثلاً ـ من ظاهر قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ص: 75، والأصل في النصوص أنها تجرى على ظواهرها ما لم تصرفها قرينة عن ظاهرها، فما هي القرينة التي صرفت اليد في مثل هذه الآية عن ظاهرها ؟
قلنا له: ما معنى ظاهرها ؟ فاليد مثلاً أو اليدان في مثل قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ص: 75، ما معنى قولك على ظاهر اليد ؟ أي: ما هو ظاهر اليد عندك ؟ نحن نعرف أن ظاهر اليد الجارحة فهل تقول بذلك ؟ إن ما تقول به ليس من المعاني اللغوية للكلمة!
ثم إن اليد لها عدّة معان في اللغة وهي مثلاً: الجارحة والقدرة والنعمة والقوة.. الخ! كل هذه المعاني للفظة اليد ظاهر اللغة ـ أي ظاهرة واضحة في اللغة ـ فما هو معنى اليد عندك من تلك المعاني اللغوية الظاهرة ؟
أم أنهم ينفون جميع تلك المعاني اللغوية ويقولون بمعنى آخر غامض غير مفهوم لغة وشرعاً ؟ والقرآن إنما نزل باللسان العربي المبين الذي يعني أحد معاني لفظة اليد المعروفة عند العرب!
على أن القرائن التي صرفت المعنى من أن يكون باليد التي هي الجارحة قرائن شرعية وعقلية منها: قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وقوله تعالى:
{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }.
وقد قال ابن الجوزي في ((دفع شبه التشبيه)) ص (102) عائباً على مجسمة الحنابلة:
((إنهم قالوا: إن هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم قالوا: نحملها على ظواهرها، فواعجباً! ما لا يعلمه إلا الله أيُّ ظاهرٍ له..؟! فهل ظاهر الاستواء إلا القعود، وظاهر النزول إلا الانتقال..)).
وقال ص (102):
((ثم قلتم في الأحاديث، تُحمل على ظاهرها، وظاهر القَدَم الجارحة)).
وقال ص (100):
((ثم لـمّا أثبتوا أنها صفات ذات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بِرٍّ ولطف، وساق على شدة، بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرّجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوامَّ)).
وكنت قد قلت في مقدمتي لكتاب ((الإبانة)): إن من العقائد الخطيرة السيئة أو الفاسدة غير المقبولة الأخذ بالظاهر في ما يُسَمَّى بالأسماء والصفات، حيث يمرون نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها مع منع التأويل والترهيب من بيان المقصود من النص والكلمات لتتشكل في ذهن السامع والقارىء صورة إنسان ذو أعضاء للمولى سبحانه وتعالى عما يصفون.

____________(تعليقات مفيدة)_____________
بِهَا كُبرَاء المُجَسِّمَة وساداتُهم، فما إنْ خالَفَ ظَاهِرُ آيَةٍ إحْدى عقائِدِهِم التَّجسيمية، حتَّى يبادروا إلَى تعْطيلِهَا، فَيَصرفُون الآيَة عن ظاهِرِهَا، كَما لا يخْفَى عليْكم، ثُمَّ يُنكِرونَ ذلكَ.
فمثَلاً ابْنُ عُثيمين -عفَا الله عنه-، في قولِهِ تعالى: [وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً]
قال: [المراد بالعمى في الآية عمى البصيرة يعني فمن كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق لا يبصره ولا يلتفت إليه ولا يقبل عليه]
وهذا صَرْفٌ واضِحٌ لظاهِر الآيَةِ.
وفي قَوْلِهِ تعالَى: [وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ]، وقوْلِهِ: [وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ]
قال: [المراد بالقرب في هذا الآية قرب ملائكته]، وقال: [تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفا للكلام عن ظاهره لمن تدبره]
وَهُو صرْفٌ واضِح بيِّنٌ جَليٌّ، لا يَخْفَى على أحَدٍ، لكِنَّ ابن عُثَيْمين أنكَرَهُ، وَقلَّدَ ابنَ تيميَّة -عفَا الله عنه- في ذلكَ، إذْ قالَ: [فإن المراد بقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أي بملائكتنا في الآيتين].
وقد فَعَلُوا ذلِكَ بادَّعاء القرينَة التي هِيَ تكْمِلَة الآيَةِ عنْدَهُمْ، وأنَّهُ يَلزَمُ منْهُ ما لا يليقُ بالله عز وجلَّ، فقال ابنُ عثيمين: [لأننا لو قلنا إن المراد قرب ذات الله لكان قريباً من الكافر وقريباً من المؤمن....إلى أنْ قَالَ: وهذا غير لائق، بل الكافر عدو لله]
------------------------
وَهَذا تماماً ما نَفْعَلُهُ -أَهْلَ التَّنزيهِ- في مَا يُسمُّونَه آياتِ الصَّفات، فمثلاً قوْلُهُ تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ] وقوْلُهُ: [بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ]
جاءَتَا على مِنْوالِ قَوْلِهِ تعالَى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ]، وقولِهِ: [وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ].
فلاعلَاقَةَ لهَذِهِ الآيَاتِ بجارِحَةِ [اليد] التي هي ظاهِرُ الآيَةِ.
وهوُ مجازٌ دَالٌّ علَى البُخْلِ والكَرَمِ، والعاقِلُ يَرَى أنَّ صِياغَةَ الآيَةِ جاريَةٌ على لِسَان العرَب، ولا يجُوزُ إفرَاد لفظَة [اليد] منْهَا لتُبْنَى عليهَا أحكامٌ مُنفَصِلَةٌ دُونَ سيَاقِهَا.
وقدْ وَرَدَتْ آيَاتٌ فيها لفظَةُ [اليَدِ] مَعَ [البَسْط] تخْتلِفُ باختِلافِ المقصودِ.
كقَوْلِهِ: [إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ]
وقَوْلِهِ: [وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ]
وقولِهِ: [لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي]
وقولِهِ: [مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ]
فبَسْطُ اليَدِ هُنَا غير البسْط الأَوَّلِ الدَّالِّ علَى صِفَةِ السَّخَاء والكَرَم، فمعنَاهُ هُناَ الأَذَى والشَّرُّ.
وهَكَذا لفْظُةُ [اليَدِ] تَخْتَلِفُ باخْتِلَافِ المقْصُودِ والمُرادِ فَهْمُهُ من الآيةِ.
كقَوْلِهِ: [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ] فجَاءَت بمعْنَى الشُّحُِ والبُخْلِ والإمْساكِ.
وقَوْلِهِ: [وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا] فجاءَتْ بمَعْنَى يُفيد النَّدَم والحَسْرَة.
واستقصاءُ لفظَةِ [اليد] كثيرٌ جدَّا في القرآنِ الكريمِ، فنَقُولُ كمَا قال ابنُ عثيمين في تأويلِهِ لما يُوافِقُ معتَقَدَه، فَنحْنُ -أهْلَ التَّنزيهِ- نَصرفُ اللَّفْظَ عنْ ظاهِرِه جَرياً على لسان العرب، وعلَى مُرادِ اللهِ في الآية، لئلَّا يُوهِمَ اللَّفْظُ أنَّ المقصودَ به اليدُ الجارِحَةُ، تنزيهاً لهُ عن المثِلِ والشبيهِ.
-----------
وقدْ تبيَّنَ لَنَا أنَّ تذبذُب القومِ في أمر التَّجْسيمِ واستنْكافَهُم من الاعْتِراف بوُقوعِهِم فيه، وإنكَارَهُمْ لِذَلِكَ كُلِّهِ مع وضُوحِهِ في لازِمِ كلامِهِم جُمْلَةً، هُوَ عدَمُ تجرُّئِهِم على ردِّ الأحاديثِ المدسوسَة الإسرائيليَّة الصُّنْعِ، وإنْ كانتْ صحيحةَ السَّنَد.
وقدْ فضَحَ اليَهُودي المُهتَدي الذي أسْلَمَ، المُسمَّى [أبَا محمَّد عبد الحقِّ الإسلامي المغربي السبتي] المتوفَّى في القرنِ الثَّامِن، في كتابِهِ [الحسام الممدود في الردِّ على اليهود] قومَهُ من اليَهُودِ المُجَسِّمة، فعقدَ باباً في كتابِهِ سمَّاهُ [في بيان تجسيم اليهود لعنهم الله وشركهم بالله تعالى].
فَتَقْريباً مُعْظَمُ ما ذَكره من آياتِ التوْراةِ التَّجْسيميَّة، يقولُ به مُجَسِّمَة اليَوْمِ، وينسبُونَهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وآلهِ وسلَّم، وذَلِكَ بإيمَانِهِم بالنُّسْخَة المُشابِهة له منَ الأحادِيث المَدْخُولَة على الإسْلام، فأحَال المؤلِّفُ على مواضعِهَا في التَّوراةِ، فبيَّنَ:
تشبيهمُ الله تعالى بآدَمَ عليه السَّلام صُورَةً، وهو الحديث المشهور عندنَا، وقال إنَّ التأويلَ فيه بعيدٌ بلْ هو كُفرٌ بالله، ونسبَتَهُم الشَّمَّ للهِ، ونسبَتَهم النَّدَمَ له، والقوْلَ بهبوطِهِ إلَى الأرضِ، ونسبَتَهم الأبنَاء والزَّوجَة إليه، ونسبَتهم الجُلوس والسَّاق والقبَّة إليهِ، تعالَى اللَّه عن ذلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كبِيراً.
وهَذَا يجْعلُ الشَّكَّ يتطرَّق حتَّى إلى أحاديث عذابِ القبْرِ الصَّحيحة، حتَّى وإنْ قال بها المعتَزلَة وسائرُ الفرَقِ، فالأمرُ كُلُّهُ لا يعدو كوْنَهُ ظنّيَّ الثبوت لمجيئهِ من طريقِ الآحاد، فلقدْ وَجَدْتُ نصًّا لـِ George Sale المستشرِق الإنجليزيِّ المتوفّى سنة 1149 هـ /1736م، يتَّهِمِ فيه النبيَّ الأكْرَم صلى الله عليه وآلهِ وسلَّم، بأنَّهُ سَرَقَ عقيدَة عذَاب القبْرِ من اليَهُودِ وحاشاهُ، وذكرَ أنَّ اسمَهَا عندَهُم [هَبوت هَقبْرَايْ] أيْ ضَربُ القَبْرِ، وأنَّ من ماتَ منهمْ ليلَةَ السَّبْتِ فهُوَ ناجٍ مِنْهُ، وعِنْدَنَا أنَّ من ماتَ ليلَة الجُمُعَة ينْجُو من ذلكَ كما في بعضِ الأحاديثِ.
فيَظَهَر لي -واللَهُ أعْلَم- أنَّ هذا من بقايَا اليهُوديَّة في دينِنَا كما أنَّ هُناكَ بقايَا أخْرَى في غيرِ الأمور العقَديَّة من أمورِ التَّشريعِ كشريعَة الرَّجْمِ القاسِيَة.
وحبَّذا شيْخَنا أنْ تُفيدَنا أكْثَر في هذه المواضيعِ، جَزاكُم اللهُ كلَّ خيْرِ، وزادَكُم علماً وفْهماً ورشداً.
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“