لقد نصَّ كبار العلماء على أن الأخذ بالظاهر في نصوص ما يسمونه بالصفات خطأ عظيم وخطر جسيم يؤدِّي إلى التشبيه والتجسيم!
فمن ذلك: قول السبكي في ((الطبقات)) (5/192): [إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإصرار() على الظاهر والاعتقاد أنه المراد].
وقال ابن الجوزي في ((دفع شبه التشبيه)) ص (102): [ثم قلتم في الأحاديث: تُحمل على ظاهرها! وظاهر القَدَم الجارحة.... فلو أنكم قلتم: نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها على الظاهر
قبيح].
وقال الأشعري في ((المقالات)) (1/345): [وأن له عينين بلا كيف كما قال { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} القمر: 14]. وقد شهد ابن حزم بأن الظاهر الذي يقول به الأشعري يعتبر من التجسيم والتشبيه! فعلَّق على هذا ابن حزم فقال في
((الفصل في الملل والنحل)) (2/127):
[وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مُدْخِلٌ في قول المجسمة]!! وقد قال الأشعري في الإبانة بأن ذلك على ظاهره وعلى حقيقته!!
وقال ابن حجر العسقلاني في ((فتح الباري)) (13/432) عند شرح الحديث رقم (7444): [فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله مُنَزَّهٌ عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يُكَذِّب نَقَلَتها وإما أن يُؤَوِّلها].
وذَكَر الحافظ في ((الفتح)) (1/225) أيضاً إن بعض السلف العقلاء كرهوا التحديث بأحاديث الصفات لئلا يعتقد الناس ظاهرها وبالتالي فإن الأخذ بالظاهر شيء مرفوض فقال: ((وممن كرَّه التحديث ببعض دون بعض..... مالك في أحاديث الصفات.... وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند مَنْ يُخْشَى عليه الأخذ بظاهره مطلوب)).
وقال العلامة ابن جماعة الأشعري في ((إيضاح الدليل)) ص (54): [أما ترك هذه النصوص على ظاهرها دون تأويل سواء كان إجمالياً أو تفصيلياً فهو غير جائز وهو شيء لم يجنح إليه سلف ولا خلف].
وقال الإمام الغزالي في كتابه ((روضة الطالبين وعمدة السالكين))() ص (130) ما نصه: [واعلم أن الإعراض عن تأويل المتشابه خوفاً من الوقوع في محظور من الاعتقاد يجرُّ إلى الشك والإيهام واستزلال العوام وتطريق الشبهات إلى أصول الدين وتعريض بعض آيات كتاب الله العزيز إلى رجم الظنون..].
وقال الشهرستاني في ((الملل والنحل)) (1/92): [فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها وما ورد به الخبر فافترقوا فرقتين: فمنهم من أوَّلَه على وجه يحتمل اللفظ ذلك، ومنهم من توقف في التأويل وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك، إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه مثل قوله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه: 5، ومثل قوله { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: 75، ومثل قوله { وَجَاءَ رَبُّكَ } الفجر: 22، إلى غير ذلك، ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له وليس كمثله شيء وذلك قد أثبتناه يقيناً، ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف فقالوا: لا بد من إجرائها على ظاهرها فوقعوا في التشبيه الصرف وذلك على خلاف ما اعتقده السلف].
وقال الزبيدي في ((شرح الإحياء)) (2/109): [قال ابن القشيري:.. وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استزلالهم العوام بما يقرب من أفهامهم ويتصور في أوهامهم لأجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم، يقولون: نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيهاً والأخبار المقتضية حدَّاً وعضواً على الظاهر، ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شيء من ذلك، ويتمسكون بقول الله تعالى { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ } آل عمران: 7، وهؤلاء والذي أرواحنا بيده أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، لأن ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون، وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون، فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات، فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات....] اهـ.
ولذلك اعتبر الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى كتاب ((التوحيد وإثبات صفات الرب)) الذي ألَّفه ابن خزيمة بأنه كتاب الشرك كما صرح بذلك في ((تفسيره)) (14/27/151) حيث قال: [واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد! وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: ((نحن نثبت لله وجهاً ونقول: إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره...))...].
تعالى مولانا جلَّ وعزَّ عن ذلك علواً كبيراً!!