قال الماوردي في الحاوي (2/460):
[وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سجود التلاوة اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ عَلَى طَهَارَةٍ ، وَكَبَّرَ وَسَجَدَ ، وَسَبَّحَ فِي سُجُودِهِ كَتَسْبِيحِهِ فِي صَلَاتِهِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} قَالَ : اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا دعاء سجود التلاوة ، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا ، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا ، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ دَاوُدَ ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا بِلَا تَشَهُّدٍ ، وَلَا سَلَامٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَشَهُّدٍ ، وَسَلَامٍ كَالصَّلَوَاتِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ يُسَلِّمُ ، وَلَا يَتَشَهَّدُ كَصَلَاةِ].
قال النووي في شرح المهذب (4/58):
[قال اصحابنا رحمهم الله: إذا سجد للتلاوة في غير الصلاة نوى وكبر للاحرام ويرفع يديه في هذه التكبيرة حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام في الصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى من غير رفع اليد. قال أصحابنا: تكبير الهوى مستحب ليس بشرط وفى تكبيرة الاحرام أوجه (الصحيح) المشهور أنها شرط ....
وهل يستحب لمن أراد السجود أن يقوم فيستوى قائماً ثم يكبر للإحرام ثم يهوى للسجود بالتكبيرة الثانية؟ فيه وجهان:
(أحدهما): يستحب قاله الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوى والمتولي وتابعهم الرافعي. والثاني: وهو الأصح لا يستحب، وهذا اختيار امام الحرمين والمحققين، قال الإمام: ولم أر لهذا القيام ذكراً ولا أصلاً. (قلت): ولم يذكر الشافعي وجمهور الأصحاب هذا القيام ولا ثبت فيه شيء يعتمد مما يحتج به فالاختيار تركه، لأنه من جملة المحدثات وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن المحدثات. وأما ما رواه البيهقى بإسناده عن أم سلمة الأزدية قالت: "رأيت عائشة تقرأ في المصحف فإذا مرت بسجدة قامت فسجدت" فهو ضعيف، أم سلمة هذه مجهولة والله أعلم.
قال أصحابنا: ويستحب أن يقول في سجوده ما ذكره المصنف وهو قوله سجد وجهي إلى آخره، وسجود الشجرة أيضاً، ولو قال ما يقوله في سجود الصلاة جاز وكان حسناً، وسواء فيه التسبيح والدعاء، ونقل الأستاذ إسماعيل الضرير في تفسيره أن اختيار الشافعي رحمه الله أن يقول في سجود التلاوة: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} وظاهر القرآن يقتضى مدح هذا فهو حسن.
وصفة هذا السجود صفة سجود الصلاة في كشف الجبهة ووضع اليدين والركبتين والقدمين والأنف ومجافاة المرفقين عن الجنبين وإقلال البطن عن الفخذين ورفع أسافله على أعاليه وتوجيه أصابعه إلى القبلة وغير ذلك مما سبق في باب صفة الصلاة، فالمباشرة بالجبهة شرط ووضع الأنف مستحب، وكذا مجافاة المرفق وإقلال البطن وتوجيه الأصابع، وفى اشتراط وضع اليدين والركبتين والقدمين القولان السابقان هناك بفروعهما وحكم رفع الأسافل على ما سبق هناك، والطمأنينة ركن لا بُدَّ منها، والذكر مستحب ليس بركن، ثم يرفع رأسه مكبراً وهذا التكبير مستحب على المذهب وبه قطع الجمهور، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن أبي جعفر الترمذي أنه لا يستحب والصواب الأول...
وهل يفتقر إلى السلام ويشترط لصحة سجوده؟ فيه قولان مشهوران نقلهما البويطى والمزنى كما حكاه المنصف، أصحهما عند الأصحاب: اشتراطه، ممن صححه الشيخ أبو حامد والقاضى أبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون. فإن قلنا لا يشترط السلام لم يشترط التشهد، وإن شرطنا السلام ففى اشتراط التشهد الوجهان اللذان ذكرهما المصنف الصحيح منهما لا يشترط ....
الصحيح عند الاصحاب اشتراط السلام كما قدمناه والله أعلم].
وقوله بأن القيام لهذا السجود (الاختيار تركه، لأنه من جملة المحدثات..) الخ لا نوافقه عليه، بل نقول باستحبابه، لعموم قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وهو نوع صلاة، ولأنه أشبه بصلاة النفل ويسن لها القيام.
والله تعالى أعلم.