وردت أحاديث تنص على أن الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً (أي غير مختونين)!! وأحاديث تفيد أنهم يبعثون كاسين ؛ وإليكم بيان ذلك:
روى البخاري (11/377) ومسلم (4/2194) عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يُحْشَر الناس يوم القيامة حفاة عُرَاة غُرْلاً)) قلت: يا رسول الله النساء والرجال!! جميعاً!! ينظر بعضهم إلى بعض!! فقال: ((يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض))، ورواه أيضاً البخاري (11/377) ومسلم (4/ 2194) عن ابن عباس.
ووردت أحاديث أخرى تبين أن الناس يُبْعَثُونَ بثيابهم فمنها:
1- ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
((إن الميت يُبْعَثُ في ثيابه التي يموت فيها)).
رواه أبو داود (3/190) وابن حبان في ((الصحيح)) (16/307) والحاكم (1/340) والبيهقي (3/384) وغيرهم وسنده صحيح على شرط مسلم.
2- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم حدثني: ((أن الناس يحشرون يوم القيامة ثلاثة أفواج ؛ فوج راكبين طاعمين كاسين ؛ وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النار ؛ وفوج يمشون ويسعون...)) الحديث رواه النَّسَائي (4/116) والحاكم (4/564) وهو صحيح ؛ وصححه أبو حاتم في ((العلل)) (2/225).
ومن المعلوم أيضاً أن الله تعالى حَيِيٌّ سِتِّير أمر بالسَّتْر ؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله رجل فقال له: يا رسول الله! عوراتنا ما نبقي منها وما نذر ؟! فقال:
((احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك)) فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن كنتُ خالياً ؟! فقال: ((إن الله أحق أن يُسْتَحْياً منه)) رواه أبو داود (4/41) وغيره وهو صحيح.
وقد كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة!! ويزعمون أن الله تبارك وتعالى أمرهم بذلك!! فأنزل سبحانه وتعالى قوله { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل أن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون } الأعراف: 28.
قال الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (5/8/154): ((فتأويل الكلام إذاً: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء قبيحاً من الفعل وهو الفاحشة وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت ؛ وتجردهم له فَعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه قالوا: وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا فنحن نفعل مثلما كانوا يفعلون ونقتدي بهديهم ونَسْتَنُّ بسنتهم والله أمرنا به ؛ فنحن نتبع أمره فيه!! يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قل يا محمد لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء ؛ يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها ؛ أتقولون أيها الناس على الله مالا تعلمون ؛ أَتَرَون عن الله أنه أمركم بالتعري والتجرد من الثياب واللباس للطواف وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك)) انتهى.
قلت: فالشريعة أمرت بالستر. قال الحافظ في ((الفتح)) (11/383):
[قوله (عراة) قال البيهقي: وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جُدُدٍ فلبسها وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن الميت يُبْعَثُ في ثيابه التي يموت فيها)) ويُجْمَعُ بينهما في أن بعضهم يُحْشَرُ عارياً وبعضهم كاسياً ؛ أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء....] انتهى.
قوله (أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء) رأي غير صحيح بنظرنا والأول هو الصواب إن شاء الله تعالى.
وقال الحافظ السيوطي في ((الحاوي)) (2/196):
((مسألة: أحاديث الحشر عراة عارضها أحاديث أُخَرُ صُرِّح فيها بأن الناس يحشرون في أكفانهم ؛ واختلف العلماء في ذلك ؛ فمنهم من سلك مسلك الترجيح فرجَّح أحاديث الحشر في الأكفان على أحاديث الحشر عراة ؛ وهذا رأي القليل ؛ والأكثرون سلكوا مسلك الجمع فجمعوا بين الأحاديث بأن أحاديث الحشر في الأكفان خاصة بالشهداء ؛ وأحاديث الحشر عراة في غيرهم هكذا نقله القرطبي ؛ وجمع البيهقي بأن بعض الناس يُحْشَر عارياً وبعضهم يحشر في أكفانه ولم يُعَيِّنْ شهداء ولا غيرهم)).
وقد ذكر ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي في ((حاشيته على شرح الإيضاح في المناسك)) ص (58) في أول الكتاب في الخصلة الثامنة والعشرين من آداب السفر حيث قال هناك:
((لأن ما صح أن الخلق يُحْشرون حفاة عُرَاة ليس على عمومه كما صرَّح به البيهقي وغيره ؛ فإن من المؤمنين مَنْ يُبْعَث في أكفانه كما ورد في عدة أحاديث ؛ وورد من طرق أنه دعا لأم سلمة بأن الله تعالى يستر عورتها يومئذ لـمَّا سألته في ذلك...)) انتهى.
وأما قوله تعالى { كما بدأنا أول خلق نعيده } الأنبياء: 104، فمعناه: كما في ((تفسير الجلالين)) وهو الصواب باختصار: (({ كما بدأنا أول خلق } عن عدم { نعيده } بعد إعدامه)) أي: ثانياً، وليس في الآية أية دلالة على إرجاعه أقلف أو إرجاع كل شعرة أو كل ظفر قصه في الدنيا إلى جسمه، وإنما المعنى العام كما يُفْهَمُ عند كل عربي بداهة وسليقة هو: أننا نعيده حياً بعدما أمتناه ؛ كما أحييناه في المرة الأولى، والحمد لله تعالى.
وبعد هذا أقول: الصحيح عندنا أن الناس يُبْعَثون يوم القيامة كاسين للآية وللأحاديث الموافقة لها والتي تنص على أنهم يبعثون كاسين، وما ورد في بعض الأحاديث أن سيدنا إبراهيم عليه السلام أول مَنْ يُكْسَى يوم القيامة ؛ فمعناه: أول مَنْ يُكْسى مِنْ حُلَلِ الجنة.
والله تعالى أعلم.
_________________________________
(مسألة): هل يُبْعَثُ الناسُ عراة يوم القيامة أم كاسين ؟
مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد