ليس كل ما في الصحيحين صحيح بالقول الصريح أو المفهوم عند جماعات من أكابر علماء أهل السنة أيضاً من المشتغلين بعلم الحديث ومن الأصوليين وكذا عند ساداتنا الغمارية رضي الله عنهم وغيرهم، مما يجعل الإجماع الذي يدعيه البعض على صحة كل ما فيهما هباء منثورا!!
قال الحافظ الجهبذ السيد أحمد ابن الصديق الغماري رحمه الله تعالى في أواخر كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" ص (137):
[فكم من حديث صححه الحفاظ وهو باطل بالنظر إلى معناه ومعارضته للقرآن أو السنة الصحيحة، أو مخالفة الواقع والتاريخ، وذلك لدخول الوهم والغلط فيه على المعروف بالعدالة، بل قد يتعمَّد الكذب، فإنَّ الشهرة بالعدالة لا تفيد القطع في الواقع، ومنها أحاديث الصحيحين فإنَّ فيها ما هو مقطوع ببطلانه، فلا تغترَّ بذلك، ولا تتهيب الحكم عليه بالوضع لما يذكرونه من الإجماع على صحة ما فيهما، فإنها دعوى فارغة، لا تثبت عند البحث والتمحيص، فإنَّ الإجماع على صحة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع، ولتقرير ذلك موضع آخر، وليس معنى هذا أنَّ أحاديثهما ضعيفة أو باطلة أو يوجد فيها ذلك بكثرة كغيرهما من المصنَّفات في الحديث، بل المراد أنه يوجد فيهما أحاديث غير صحيحة لمخالفتها للواقع وإن كان سندها صحيحاً على شرطهما].
والحافظ السيد أحمد ابن الصديق الغماري له نحو (250) مؤلفا بعضه مجلدات وأكثرها في الحديث والسنة والدفاع عن سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:
وقال الإمام الغزالي في "المستصفى" ص (344) من طبعة دار الكتب العلمية الواقعة في مجلد واحد عند الكلام على الاجتهاد والكلام على الحدود التي ينبغي أن يلم بها من ينبغي أن تتوفر فيه صفات عدم التقليد في التصحيح والتضعيف ومعرفة عدالة الرواة:
[والعدالة إنما تعرف بالخبرة والمشاهدة أو بتواتر الخبر، فما نزل عنه فهو تقليد وذلك بأن يقلد البخاري ومسلما في أخبار الصحيحين وأنهما ما رووها إلا عمن عرفوا عدالته فهذا مجرد تقليد، وإنما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم ثم ينظر في سيرهم أنها تقتضي العدالة أم لا، وذلك طويل وهو في زماننا مع كثرة الوسائط عسير].
وأورد سيدي الإمام عبدالله ابن الصديق الغماري أعلى الله درجته - وهو شقيق السيد أحمد والسيد عبد العزيز وقد بلغت مؤلفاته نحو مائة وخمسين كتابا - في كتابه "الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة" عدة أحاديث في الصحيحين واعتبرها من الشاذ المرود منها حديث أن أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار ومنها حديث الجارية بلفظ أين الله ومنها حديث (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). ومن أراد أن يطلع على ذلك فليراجع الكتاب المذكور بتحقيق العبد الفقير إلى الله تعالى.
وقال السيد المحدث عبد العزيز الغماري - شقيق السيد أحمد ابن الصديق والسيد عبدالله - في كتابه "الباحث في علل الطعن بالحارث" وخاصة في إطنابه ص (34) وما بعدها في ترجمة ابن أبي أويس وحريز، ومن ذلك قوله ص (6) في الكتاب المذكور:
[ومعاذ الله أن يكون الكتاب الذي فيه حديث حريز ابن عثمان وعمران بن حطان من الكتب المقتصرة الصحيح، ولو أجمع على ذلك الجن كما أجمع عليه البشر، ومن رجع إلى ترجمة حريز بن عثمان يعرف ما نقول، ويتحقق أنَّ حديث الملعون ينبغي أن يُذْكَــر في الموضوعات لابن الجوزي ولكن هذا ما شـاء الله].
وقال ابن كثير في تفسيره (1/99طبعة الشعب) عن حديث التربة الذي في صحيح مسلم:
(هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلَّم عليه ابن المديني وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأنَّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعاً).
أي أنهم لا يوافقون مسلما في كونه من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم أن البخاري أنكره أيضا، واعترف بذلك ابن تيمية الحَراني كما في "مجموع الفتاوى" (1/256) حيث قال:
[وكذلك روى مسلم خلق الله التربة يوم السبت ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى ابن معين والبخارى وغيرهما فبينوا أن هذا غلط ليس هذا من كلام النبى والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السموات والأرض فى ستة أيام وأن آخر ما خلقه هو آدم وكان خلقه يوم الجمعة وهذا الحديث المختلف فيه يقتضى أنه خلق ذلك فى الأيام السبعة].
فاستفدنا من النصوص السابقة هنا أن ابن المديني ويحيى بن معين والبخاري نفسه والغزالي وابن تيمية وابن كثير و(السادة الثلاثة الغماريون الحافظ السيد أحمد والمفيد السيد عبدالله والمحدث السيد عبد العزيز رضي الله عنهم وأرضاهم) كلهم يضعفون ويجوزون دخول الضعيف أو المردود على أحاديث الصحيحين!
وقال الألباني المتناقض في سلسلته الصحيحة (6/39):
[فأقول: هذا الشذوذ في هذا الحديث مثال من عشرات الأمثلة التي تدل على جهل بعض الناشئين الذي يتعصبون لـ " صحيح البخاري "، وكذا لـ " صحيح مسلم " تعصبا أعمى، ويقطعون بأن كل ما فيهما صحيح!].
______________(تعليقات مفيدة)________
قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إن الأمة تلقت الكتابين بالقبول، إن أراد كل الأمة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنما صنفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة المذاهب المتبعة، ورؤوس حفاظ الأخبار ونقاد الآثار المتكلمين في الطرق والرجال المميزين بين الصحيح والسقيم، وإن أراد بالأمة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأمة، فلا يستقيم له دليله الذي قرره من تلقي الأمة وثبوت العصمة لهم،