نصوص عقائدية في التأويل وأسسه للشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى ليتبين أن دعوى من يقول بأن عقيدة السيد أحمد ابن الصديق الغماري رحمه الله تعالى كانت عقيدة الصوفية وابن عربي وأنها بعيدة عن التأويل دعوى غير صحيحة، إنما هي قائمة على التأويل الذي يحاول أن يشوه صورته بعض المكابرين في قوله إنه عقيدة المعتزلة، مع أن عقيدة المعتزلة في الصفات هي عين الحق أيضاً:
قال الشيخ الشعراني في "اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر" ص (193):
[وقال - الشيخ محي الدين - في الباب الثالث منها أيضاً:
اعلم أنه ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل (يعني أهل التأويل الفاسد) على حسب ما يسبق إلى الأفهام من غير نظر فيما يجب لله عز وجل من التنزيه، فقادهم ذلك إلى الجهل الصريح ولو أنهم طلبوا السلامة وتركوا الآيات والأخبار على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شيء البتة ووكلوا علم ذلك إلى الله ورسوله لأفلحوا، وكان يكفيهم {ليس كمثله شيء} فمتى جاءهم حديث ظاهر التشبيه قالوا: إن الله تعالى قد نفى عن نفسه التشبيه بـ {ليس كمثله شيء} فما بقي إلا أن لذلك الخبر وجهاً من وجوه التنزيه، وجيء بذلك لفهم العربي الذي نزل القرآن بلسانه، على أنك لا تجد قط لفظة في كتاب ولا سنة تكون نصاً في التشبيه أبداً، وإنما تجدها عند العرب تحتمل وجوهاً منها ما يؤدي ظاهره إلى توهم التشبيه ومنها ما يؤدي إلى التنزيه فحمل المتأول ذلك اللفظ على الوجه الذي يؤدي إلى التشبيه ثم إنه يأخذ بعد ذلك في تأويله جور على ذلك اللفظ، إذ لم يوفه حقه بما يعطيه وضعه في اللسان مع ما في ذلك أيضاً من التعدي على صفات الله تعالى حيث حمل عليه ما لا يليق بجلاله.
قال: ونحن نورد لك بعض أحاديث وردت يعطي ظاهرها التشبيه وليست بنص فيه، لتقيس عليها ما لم أذكره لك. فمن ذلك حديث: ((قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن)). نظر العقل بما يقتضيه الوضع من الحقيقة والمجاز فوجد الأصبع لفظاً مشتركاً يطلق على الجارحة وعلى النعمة، تقول العرب: ما أحسن أصبع فلان على ماله، فإذا كان الأصبع يطلق على الجارحة وعلى النعمة والأثر الحسن فبأي وجه يُحمل الأصبع على الجارحة كأنه نص في ذلك ويترك وجه التنزيه، فإما أن يؤول العبد ذلك على ما يليق بالتنزيه وإما أن يسكت ويكل علم ذلك إلى الله وإلى من عرّفه الحق ذلك من نبي أو ولي ملهم لكن بشرط نفي الجارحة ولا بد، اللهــــــــم إلا أن يقـــــــوم لنــــــــا بدعـــــــــي فـــــــــلا يحـــــل لنــــــا السكــــــوت بــــــل يجــــــــب علينــــــــا أن نبيــــــن ما يحتملــــــه ذلك اللفظ من التنزيـــــــه، حتى ندحض حجته، كما يقع لنا مع القائلين بالتجسيم، فعلم أن معنى الحديث على مذهب أهل الحق من هذا التقرير قلب المؤمن بين نعمتين من نعم الرحمن، وهما نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد والله أعلم. ومن ذلك القبضة واليمين في قوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} نظر العقل بما يقتضيه الوضع فعرف من وضع اللسان العربي أن معنى الآية: أن الوجود كله في قبضته يعني تحت تصريفه، كما يقال: فلان في قبضة يدي، يريد أنه تحت حكمى وليس في يد جارحته منه شيء البتة، وإنما أمره وحكمه ماض فيه لا غير، مثل حكمه على ما ملكته يده حساً وقبضت عليه، فلما استحالت الجارحة على الله تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو أن عالم الدنيا والأخرة في قبضة تصريف الحق تعالى.
وأما قوله {بيمينه} فإنما ذكرها لأن اليمين محل التصريف المطلق القوي، إذ اليسار لا تقوى في العادة قوة اليمين، فكنّى باليمين عن التمكن من الطي، فهو إشارة إلى تمكن القدرة من الفعل، فوصل المعنى إلى أفهام العرب بألفاظ يعرفونها وتسارع قلوبهم إلى التلقي لها بالقبول والله أعلم.
ومن ذلك التعجب والضحك والفرح والغضب، نظر العقل فرأى التعجب لا يقع إلا من موجود ورد عن المتعجب لم يكن له به علم قبل ذلك، وهناك يصح له التعجب منه، وكذلك القول في الضحك والفرح، ومعلوم أن ذلك محال على الله... فرجع المعنى إلى أن مثل ذلك إنما هو تنزل للعقول ليظهر لأصحابها شرف صاحب تلك الصفة التي وقع التعجب منها... وأما الغضب فهو كناية عن وقوع ذلك العبد الذي غضب عليه في النهي وذلك ليعرف العبد أن الانتقام يعقب الغضب، إذ هو أثر فيخاف العبد ويستغفر ربه ويتوب من ذلك الأمر الذي وقع فيه، وقال بعضهم المراد بالغضب الإلهي هو إقامة الحدود والتعزيرات على العباد في هذه الدار، ولا يصح حمله على ما يتبادر إلى الأذهان فإن ذلك محال على الحق،... وأما الغضب الأخروي فيكون على أهل النار خاصة..].
فمن تأمل في هذا أدرك التأويل الصريح الذي يقول به الشيخ محي الدين وأن هذه هي عقيدة هؤلاء الصوفية رضي الله عن كل صالح صادق صحيح العقيدة.