روى البخاري: [عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان يُحدّث حديثاً لو عَدَّهُ العادُّ لأحصاه.
وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمعني ذلك وكنت أُسَبِّحُ فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم].
رواه البخاري (3568).
ورواه مسلم (2493) بلفظ:
[عن عروة بن الزبير بن العوام قال: كان أبو هريرة يحدّث ويقول اسمعي يا رَبة الحجرة، اسمعي يا ربة الحجرة، وعائشة تصلي، فلما قضت صلاتها قالت: لعروة ألا تسمع إلى هذا ومقالته آنفاً إنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدّث حديثاً لو عدَّه العادُّ لأحصاه].
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/76):
[وأخرج بن سعد في باب أهل العلم والفتوى من الصحابة في طبقاته بإسناد صحيح عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً ماسمعته منه. قال: شغلك عنه يا أمه المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنه شيء].
وفي الموطأ (643) للإمام مالك رحمه الله تعالى:
[وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول: (من أصبح جنباٍ أفطر ذلك اليوم). فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك. فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلّم عليها ثم قال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم. قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع؟ فقال عبد الرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم. قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة. قال: فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا. فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك. فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذاك إنما أخبرنيه مُخْبِر].
وهذا رواه البخاري (1926) في كتاب الصيام ورواه مسلم (1109) أيضاً وهذا لفظ مسلم:
[.. وحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ، فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ، وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ].
وروى الحاكم في المستدرك (4/52/6854):
[عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلتُ على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندي آنفاً رجلت رأسه. فقال لي: كيف تجدين أبا عبد الله؟ قلت: بخير، قال: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً].
قال الحاكم عقبه:
[هذا حديث صحيح الإسناد واهي المتن، فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر والله أعلم].
وفي الصحيحين وهذا لفظ مسلم (2221):
[... عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا عدوى) ويحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يورد ممرض على مصح). قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: (لا عدوى) وأقام على أن (لا يورد ممرض على مصح). قال: فقال الحارث بن أبي ذباب -وهو ابن عم أبي هريرة-: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكت عنه! كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا عدوى)! فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك! وقال: (لا يورد ممرض على مصح) فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، قال أبو هريرة: قلت أبيت، قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا عدوى) فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر...].
وفي رواية لهذا الحديث في البخاري (5771):
[... وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يوردن ممرض على مصح وأنكر أبو هريرة حديث الأول قلنا ألم تحدث أنه لا عدوى فرطن بالحبشية قال أبو سلمة فما رأيته نسي حديثا غيره].
وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/544) [..عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبى هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله ص ولألحقنك بأرض دوس..].
وإسناده صحيح.
وروى الإمام مسلم في كتاب التميز بإسناد صحيح عن بسر بن سعيد -التابعي الثقة الذي هو من رجال الصحيحين وهو تلميذ أبي هريرة- أنه قال: ((اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدِّث عن رسول الله ، ويحدِّثنا عن كعب، ثمَّ يقوم، فأسمع بعض مَنْ كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله )).
فلهذه الأمثلة وغيرها كثير تجعلنا ننظر بعمق في بعض الأحاديث فلا نقبلها إن رأيناها تخالف أصولا مقررة في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثابتة التي لا معارض لها! وليس ذلك طعناً في أبي هريرة رضي الله عنه ولا في غيره إنما هو البحث عن الحقيقة والسبر في أعماق العلوم.
والله أعلم.