بيان بطلان كلام ابن أبي عاصم في استدلاله لمذهب المجسمة:
قال الذهبي في كتابه " العلو"النص رقم(481):
[ ابن أبي عاصم (287):
481- قال الحافظ الإمام قاضي أصبهان وصاحب التصانيف أبو بكر أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم الشيباني: جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلّف الكلام في كيفيتها.
فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش.
سَمِعَتْ عاتكة بنت أبي بكر هذا الكلام من أبيها وكانت فقيهة عالمة وكان أبوها شيخ الظاهرية بأصبهان، كما أنَّ شيخهم بالعراق داود بن علي، روى عن أصحاب شعبة وحماد بن سلمة، وقع لنا جملة من تصانيفه، ومات سنة سبع وثمانين ومائتين، لم يلحق جده أبا عاصم النبيل ولحق جده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي].
أقول في بيان بطلان هذا الكلام و الكشف عنه وبيان القواعد التي ينبغي تحصيلها لنقض مذهب التجسيم:
مما أورده ابن أبي عاصم في كتابه هذا من التخاليط التي يسمونها السنة والعقيدة حديث طويل إسرائيلي فيه ألفاظ شنيعة من حديث أبي رَزِين العُقَيلي لقيط بن عامر بن صَبِرة برقم (636-637) وفيه: [ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّيْحَةُ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ، فَأَصْبَحَ رَبُّكَ يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ،.. فَيَأْخُذُ رَبُّكَ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ، فَيَنْضَحُ بِهِ قِبَلَكُمْ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ قَطْرَةٌ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُخْطَمُ مِثْلُ الْمُخْطَمِ الْأَسْوَدِ] قال ابن أبي عاصم عقبه: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ عِنْدَنَا شَيْخٌ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ كَبِيرَ السِّنِّ صَاحِبَ غَزْوٍ وَخَيْرٍ يُقَالُ لَهُ النَّضْرُ بْنُ طَاهِرٍ أَبُو الْحَجَّاجِ كَتَبْنَا عَنْهُ حَدِيثًا كَثِيرًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَسُلَيْمَانَ وَالنَّاسِ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ دَلْهَمٍ بِطُولِهِ. حَدَّثَنِي بِهِ عَنْ دَلْهَمٍ فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّكَ لَقِيتَ دَلْهَمًا؟ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَنَزَلَ مَوْضِعًا قَدْ سَمَّاهُ فَسَأَلْتُ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَذْكُرُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي شُهْرَتِهِ لَوْ قَدِمَ لَكَتَبَ عَنْهُ النَّاسُ ثُمَّ وَقَفْتُ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ بَعْدَهُ عَلَى الْكَذِبِ وَرَأَيْتُهُ بَعْدَمَا كَفَّ بَصَرُهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَنْ غَيْرِهِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ وَتَتَابَعَ فِي الْكَذِبِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ]. والحديث من الموضوعات الإسرائيلية قطعاً! وانظر كيف يروون عن شيوخ أحاديث كثيرة ويروي عنه الناس ثم يتبين لهم أن هؤلاء الشيوخ من جملة الكذّابين الوضاعين! وبعد هذا كله يقول ابن أبي عاصم: [جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلّف الكلام في كيفيتها]. وبذا يتبين بأن هؤلاء لا يجوز التعويل على كلامهم ورواياتهم وليسوا من حجج الله تعالى على عباده كما يحاول أن يصور ذلك المتعصبون الذين لا يميزون ولا يعرفون حقائق الأمور!
والكلام هنا على هذه الأمور يتعلَّق به عدة قضايا:
الأولـى: أنَّنا يجب علينا أن نعرف بأنَّ الخبر الذي يفيد العلم هو الخبر المتواتر وليس خبر الآحاد، وقد بيَّن ذلك البخاري في صحيحه حيث ذكر أنَّ خبر الواحد إنما يجوز أي يقبل ويعمل به في العمليات!! ومعنى ذلك أنه لا يكون حجة بمفرده في الاعتقاديات!! انظر "فتح الباري" (13/231) كلام البخاري مع شرحه للحافظ ابن حجر!!
الثانيـة: أنَّ مصنف أي كتاب من أولئك الحفاظ والمحدثين - سواء من السلف أو من الخلف - إذا أتى بحديث أو بخبر ونازعناه في الاستدلال به، فإنما يكون التقاضـي بيننا وبينه إلى تحقيق الأمر في ذلك الحديث بدراسة إسناده ومتنـه!! فإن وجدنا أن الحديث ضعيف أو واه من ناحية متنه وإسناده لم نأخذ به ويتبين لنا ساعتئذ أن ذلك الحافظ أو المحدّث مخطىء في اعتقاده بظاهر ذلك الحديث الموضوع أو الضعيف!! فيتبين للمنصف أنَّ قول ذلك المحدّث وما اعتقده ليس هو الحق الذي يجب المصير إليه وخصوصاً مع وجود آلاف بل ملايين المخالفين له من المسلمين ممن هم على غير مشربه!!
الثالـثة: أننا غير مطمئنين لأسانيد تلك الكتب المروية عن بعض الأئمة في ذلك!! فكتاب "السنة" لابن أبي عاصم في سنده بعض مَنْ هو مطعون فيهم مثل أبو بكر محمد بن عبدالله بن شاذان الأعرج!! قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/230) نقلاً عن الذهبي مُقِرَّاً له: [محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان أبو بكر الرازي الصوفي صاحب تلك الحكايات المنكرة روى عنه الشيخ أبو عبد الرحمن أوابد وعجائب وهو متهم طعن فيه الحاكم، وروى عنه أبو نُعَيم وأبو حازم العبدري، قال الحاكم: انتسب الى محمد بن أيوب ومحمد لم يُعَقِّب، قال: أتيته وزجرته فانزجر توفي سنة ست وسبعين وثلاث مائة بنيسابور]. ومثل هذا كتاب "السنة" لابن أحمد فإنَّ في سنده مجاهيل كما يجد ذلك مطالع النسخة المحققة من قبل الدكتور القحطاني حيث صرَّح بأنَّ في سند الكتاب من لم يجد لهم ترجمة!!
ولكن هناك فرق كبير بين كتاب السنة لابن أبي عاصم فهو يُعتبر أحسن حالاً من كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد لأجل ما في كتاب عبد الله بن أحمد من مستشنعات أكثر تقشعر من فظاعتها النفوس والأبدان!! وعلى كل فالكتاب ينبغي دراسة ما فيه من الأحاديث والآثار لنعرف ما هو المقبول وما هو المردود منها، والله المستعان! وقول المصنف في الكتاب إن صح عنه: (جميع ما في كتابنا.. من الأخبار.. يجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلف الكلام في كيفيتها) كلام مردود باطل بل وشنيع! قال الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (100): [وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث،... بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرّجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوامَّ... ثم قلتم في الأحاديث تُحمل على ظاهرها، وظاهر القَدَم الجارحة،... ومن قال: استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات، وينبغي أن لا يُهْمَلَ ما يثبت به الأصل وهو العقل، فإنّا به عرفنا الله تعالى، وحكمنا له بالقِدَم...].
بيان بطلان كلام ابن أبي عاصم في استدلاله لمذهب المجسمة:
عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm
العودة إلى ”عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد