بطلان ما جاء عن القادر بالله العباسيّ صاحب خط الانحراف الثالث في تاريخ الأمّة:
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(540):
[ القادر بالله أمير المؤمنين (335 ـ 422):
540- له معتقد مشهور قرئ ببغداد بمشهد من علمائها وأئمتها، وأنه قول أهل السنة والجماعة، وفيه أشياء حسنة، من ذلك:
((وأنه خلق العرش لا لحاجة واستوى عليه كيف شاء لا استواء راحة، وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقية لا صفة مجاز، وكلام الله غير مخلوق أنزله على رسوله)) ، توفي القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وله سبع وثمانون سنة، وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر].
أقول في بيان حقيقة هذا الرجل ونقض كلامه:
هذا الاعتقاد ليس للقادر وإنما هو للقصاب كما تقدَّم في قول القصاب!! لاحظوا أنه هنا عندما نقل عقيدة القادر قال: (واستوى عليه كيف شاء لا استواء راحة) وعندما نقلها في ترجمة القصاب هناك قال: (فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة) كما في ترجمة القصاب (برقم140النص رقم535).
وبه يظهر أنهم يتلاعبون في الأقوال والنصوص ويحرّفون فيها كيفما شاءوا! والخليفة القادر ليس من أهل المعرفة والعلم الذين يعول على كلامهم! فهو ليس بذاك! إنما يمثِّل إرادة سياسية لها مصالحها ومآربها! وهو صاحب ثالث انحراف أثَّرَ على الأمة! الأول: معاوية، والثاني: المتوكل، والقادر هو: الانحراف الثالث!! فَحَشْرُ اسمه هنا من الفضول الذي لا معنى له!! وإذا كان الأمر كذلك فالمأمون وغيره ممن كان قبله وبعده من سلف القادر كانوا من علماء السلف الصالح وهم قائلون بخلق القرآن خلافاً لهؤلاء المحدثين الجامدين!! إذن فالسلف لم يتفقوا على كون القرآن قديماً وفيهم من خالف في هذه المسألة ومسألة العلو، وقد أجاب في مسألة القرآن ووافق المأمون جماعة من كبار علماء السلف ووافقوه! منهم يحيى بن معين الذي بينَّا أنَّ ما نقله الذهبي عنه لم يصح وهو محض تلفيق!! انظر ترجمة يحيى بن معين رقم (64)!! وتأمَّل!!
أما هذا القادر فلا بد من أن نطَّلع على نبذة من ترجمته وإليكم ذلك: قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (4/37): [أحمد أمير المؤمنين القادر بالله، ابن إسحاق، ابن جعفر المقتدر بالله، ابن أحمد المعتضد بالله، ابن أبى أحمد الواثق بالله، ابن جعفر المتوكل على الله، ابن محمد المعتصم بالله، ابن هارون الرشيد... يكنى أبا العباس، تقلد الأمر وبويع له بالخلافة بعد أن قبض على الطائع لله. فحدثني الحسن بن أبى بكر قال: وُلِدَ القادر بالله في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة في صفر أو شهر ربيع الأول.. وتقلد القادر بالله يعني الخلافة.. سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة... وكان من الستر والديانة وادامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه وعرف بها عند كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد وكان صنف كتاباً في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يُقْرَأُ كلّ جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الناس سماعه. وتوفى القادر بالله في ليلة الإثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ودفن ليلة الثلاثاء.... فكان مبلغ عمر القادر بالله ستاً وثمانين سنة وعشرة أشهر وإحدى وعشرين يوماً وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر ولم يبلغ هذا القدر في الخلافة غيره]. ومن قرأ تلك المهازل وما حصل من المجون والفسق والأمور التي كانت تحصل في عهد المتوكل إلى عهد القادر بالله في مثل "تاريخ الخلفاء" (1/405) للحافظ السيوطي وغيره، فإنه سيرى العجب العجاب! يسمون أنفسهم: (الطائع لله) و(المتوكل على الله) و(القادر بالله) وهم من أفسق خلق الله! وأضلهم وأكثرهم معصية وتعالياً بالباطل! فهذا القادر بالله يُصَنِّفُ أو يُصَنِّفُ له المصنِّفون كتاباً يُكفِّر فيه المعتزلة ومن يقول بخلق القرآن مع أن المأمون قبله بدهر وهو من أسلافه يصنف ويأمر بعكس ذلك فينصر المعتزلة والقول بخلق القرآن، فالمأمون يسجن من يخالف مقصده ويقتله، والقادر بالله يفعل بعكس تلك العقيدة فيأمر بحبس وقتل من يقول بخلق القرآن أو من ينصر آراء التنزيه أو الاعتزال! فالدِّين لعبة بأيديهم حسب مصالحهم وأمانيهم وأهوائهم! ولا تتوقعوا من المؤرخين أن يُظْهروا مذامهم ويفصِّلوا بل الغالب تصويرهم بأحسن الصور والسِّيَر خاصة الخطيب الذي كان في عصرهم! وقد تقدَّم أن ابن الجوزي قال في "المنتظم" (15/125): [وفى هذه السنة (408هـ) استتاب القادر المبتدعة... وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود (بن سبكتكين) أمر أمير المؤمنين، واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإيعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام]. وقد خفف الذهبي هذه الجريمة فلطَّف العبارة في "سير أعلام النبلاء" (15/135) إذ قال: [وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر، فبث السنة بممالكه، وتهدد بقتل الرافضة والإسماعيلية والقرامطة، والمشبهة والجهمية والمعتزلة. ولعنوا على المنابر]. فاقتصر فيها على التوعد بالقتل لا القتل وبالاكتفاء باللعن على المنابر! وكل ذلك من القادر بالله لأجل وجود خصوم سياسيين له في مصر والشام والحجاز وهم العبيديون المعز والحاكم، الذي أمر القادر بتشويه صورتهم وإنكار نسبهم والطعن فيه! كما أثبت الذهبي ذلك في "السير" (15/132) ومنه قوله: [وفي هذا الوقت انبثت دعاة الحاكم في الأطراف، فأمر القادر بعمل محضر يتضمن القدح في نسب العبيدية، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي]. فما فعله القادر بالله من بث عقائد الحنابلة المجسمة واعتماد مذهبهم والتنكيل بمخالفيهم من شعبه هو لمقابلة خصومه السياسيين في مصر وزجر الناس عن اتِّبَاعهم! ووصف الخطيب والذهبي له بالعلم والديانة لا ينجيه من بوائق أفعاله! ويؤكِّد لنا حقيقة القادر بالله واعوجاجه الفكري قول الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/90) في ترجمة أبي يعلى: [وجمع كتاب "إبطال تأويل الصفات"، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل إلى القادر كتاب "إبطال التأويل"، فأعجبه، وجرت أمور وفتن نسأل الله العافية..]. وهذا يعطينا فكرة واسعة عن اعتقاد القادر العباسي وتفكيره عليه من الله ما يستحق.
بطلان ما جاء عن القادر بالله العباسيّ صاحب خط الانحراف الثالث في تاريخ الأمّة:
-
- Posts: 902
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm