بطلان كلام ابن عبد البر ونقض ما يتعلق به المجسمة:

عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 484
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بطلان كلام ابن عبد البر ونقض ما يتعلق به المجسمة:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

بطلان كلام ابن عبد البر ونقض ما يتعلق به المجسمة:

قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(546):
[ ابن عبدالبَّـر (368 ـ 463):
546- قال الإمام العلامة حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر النَّمري الأندلسي صاحب ((التمهيد)) و ((الاستذكار)) و ((الاستيعاب)) و ((العلم)) والتصانيف النفيسة لمَّا انتهى إلى شرح حديث النزول من ((الموطأ)): "هذا حديث صحيح لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل أنَّ الله في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة، وهو من حججهم على المعتزلة، وهذا أشهر عند العامة والخاصة، وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم".
وقال أبو عمر أيضاً: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حُمِلَ عنهم التأويلقالوا في تأويل قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}المجادلة:7، هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتجُّ بقوله.
وقال أيضاً: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة، ويزعمون أنَّ من أقرَّ بها مشبه، وهم عند من أقرَّ لها نافون للمعبود.
صدق والله، فإنَّ من تأوَّل سائر الصفات وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام أدّاه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، وإن يُشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مَثَلُ الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة. قيل: لها سعف؟ قالوا: لا. قيل: فلها كرب؟ قالوا: لا. قيل: لها رطب وقنو؟ قالوا: لا. قيل: فلها: فلها ساق؟ قالوا: لا. قيل: فما في داركم نخلة.
قلت: كذلك هؤلاء النفاة. قالوا: إلهنا الله تعالى وهو لا في زمان ولا مكان ولا يُرى ولا يُسمع ولا يُبصر ولا يتكلَّم ولا يرضى ولا يريد ولا ولا...
وقالوا: سبحان المنزَّه عن الصفات، بل نقول: سبحان الله العلي العظيم السميع البصير المريد، الذي كلَّم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً ويُرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله، المنزَّه عن سمات المخلوقين وعن جحد الجاحدين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ولقد كان أبو عمر بن عبدالبر من بحور العلم ومن أئمة الأثر، قلَّ أن ترى العيون مثله، وكان عالي الإسناد، لقي أصحاب ابن الأعرابي وإسماعيل الصفار، وروى المصنَّفات الكبار، واشتهر فضله في الأقطار، مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن ستٍ وتسعين سنة].


أقول في بيان بطلان هذا الكلام:

قال الحافظ العراقي الشافعي في "طرح التثريب شرح التقريب" (2/382): [.. هذا كلام ابن عبد البر وهو أحد القائلين بالجهة فاحذره وإنما ذكرته لأُنَبِّهَ عليه لئلا يغتر به].
ثم إن في الكلام كما يظهر تغيير وحذف وتقديم وتأخير فارجع إليه في ((التمهيد)) قال ابن عبد البر في "التمهيد" (7/128-134) أثناء الكلام على حديث النزول: [هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ... وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ فوق سبع سموات كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوهُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}... وَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا وَاضِحَاتٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُمُ الْمَجَازَ فِي الِاسْتِوَاءِ وَقَوْلُهُمْ فِي تَأْوِيلِ اسْتَوَى اسْتَوْلَى فَلَا مَعْنَى لَهُ لأنه غير ظَاهرٍ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ الْمُغَالَبَةُ وَاللَّهُ لَا يُغَالِبُهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَدٌ وَهُوَ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ وَمِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ... وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ وَمَفْهُومٌ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِقْرَارُ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ... قَالَ أَبُو عُمَرَ: الِاسْتِوَاءُ الِاسْتِقْرَارُ فِي الْعُلُوِّ وَبِهَذَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْه} وَقَالَ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}... وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضاً فِي أنه عز وجل على العرش فوق السموات السَّبْعِ أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْرٌ أَوْ نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ رَفَعُوا وُجُوهَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَغِيثُونَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ حِكَايَتِهِ لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُؤَنِّبْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ].
وقال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي المُنَزِّه في "صيد الخاطر" ص (61) مبيناً فساد ما قاله ابن عبد البر: [عجبتُ من أقوامٍ يدَّعون العلمَ! ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها،.... ولقد عجبتُ لرجلٍ أندلسيٍّ يُقال له ابن عبد البر صنَّف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال: (هذا يدل على أن الله تعالى على العرش لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى)، وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام فقاس صفة الحق عليه! فأين هؤلاء واتِّباع الأثر؟ ولقد تكلَّموا بأقبح ما يتكلَّم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين].
وتقدَّم أن العلامة الحافظ ابن بَطَّال المالكي (ت449هـ) في شرحه على صحيح البخاري (10/453): [وكذلك لا شبهة لهم فى قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} لأن صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضى كونه فى جهة العلو، لأن البارى تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرف هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة... وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكلم عَرَضٌ والعَرَض لا يصح أن يفعل؛ لأن من شرط الفاعل كونه حيًا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرف الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به].
وكلام الحافظ ابن بَطَّال مهم جداً في بيان طريقة المالكية المتقدِّمين في التنزيه البعيدة عن طريقة ابن عبد البر وأمثاله من المائلين إلى الجهة والتشبيه! وقال الحافظ ابن حجر الشافعي في "الفتح" (13/416): ((قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول)).
وقال القرطبي المالكي في "تفسيره" (15/314): [{فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}غافر:37، فَأَنْظُرُ إليه نظر مشرفٍ عليه. توهم أنه جسم تحويه الأماكن. وكان فرعون يدعي الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف... {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}غافر:37، أي: وإني لأظن موسى كاذباً في ادِّعائه إلهاً دوني، وإنما أفعل ما أفعل لإزاحة العِلَّة. وهذا يوجب شك فرعون في أمر الله]. وابن عبد البر له كلمات جيدة أخرى بعضها يناقض هذا الذي نقله الذهبي عنه هنا والمذكور في كتابه "التمهيد"، فإنه نفى الإقعاد الذي طنطن به الحنابلة في تفسير المقام المحمود! قال ابن عبد البر في "التمهيد" (19/64): [وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنْ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ أَنْ يُقْعِدَهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَرْشِ! وَهَذَا عِنْدَهُمْ مُنْكَرٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الْمُقَامُ الَّذِي يَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ إِجْمَاعًا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسَّنَةِ]. وأنكر ابن عبد البر على نُعَيم بن حماد قوله: ((ينـزل بذاتـه وهو على كرسيه)) فقال هناك في ((التمهيد)) (7/144) عقبها: [ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأنَّ هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً]. وهذه النصوص منه تبين أنَّ مراده بالعلو علو المكانـة لا المكان!! أو هو مضطرب في الاعتقاد! أو دس عليه كما دس على القرطبي كما سيأتي في الكلام على القرطبي إن شاء الله تعالى!
ويظهر من هذا الكلام أن التأويل أمر مستساغ وهو مما جاءنا عن الصحابة والتابعين وحمل عنهم!! فإذا كان الأمر هكذا فلماذا ينكره هؤلاء ويصفون المؤوِّلة بالضلال والتحريف؟!

وقوله:" وما خالفهم أحد يحتج به ... " في الهامش أيضاً بخط الناسخ (ابن ناصر الدين) لفظة (يعتدُّ) فكأنها بدل (يحتجُّ)!!
وقوله أن أهل السنة على الإقرار بالصفات ونفي المجاز عنها فهذا الكلام في "التمهيد" (7/145) وقوله على الحقيقة لا على المجاز رده أهل الفهم من أهل العلم ممن عاصره وكان متقدّماً عليه في الوفاة! فقد تقدَّم أن العلامة الحافظ ابن بَطَّال المالكي (ت449هـ) في شرحه على صحيح البخاري (10/453) أنكر قولهم (على الحقيقة) فقال: [..لأن البارى تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرف هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة]! وقال الذهبي أيضاً في ترجمة القصَّاب (النص رقم 535) عن قول بعضهم عن مثل صفة اليد والعين: [فإذا قلنا بعد ذلك (صفة حقيقة) وليست بمجاز كان هذا كلاماً ركيكاً نبطياً مُغَلِّثاً للنفوس فليهدر]. فكيف يعول على تلك الكلمات الشاذة المردودة بأن القول بأنها (على الحقيقة) كلام ينبغي أن يُهْدَر لأنه يُغَلِّثُ النفوس أي يقتلها ويسممها في التوحيد والعقيدة!

وأود هنا أن أذكر بعض الملاحظات:
(الأولى):
أنَّ ابـن عبدالبر ذكر في كتابـه هـذا ((التمهيد)) الذي ينقل منه الذهبي أنَّ خبر الواحد لا يفيد العلم وإنما يوجب العمل!! وهذا خلاف ما يدّعيه بعض أهل الحديث ومن قلدهم من المتمسلفين ممن يقولون بذلك ويَدْعُون إليه!! قال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/7): [وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ هَلْ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا أَمْ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى اللَّهِ وَقَطَعَ الْعُذْرُ بِمَجِيئِهِ قَطْعًا وَلَا خلاف فيه، وَقَالَ قَوْمٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ وَبَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ إِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ خوازبنداذ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَخْرُجُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الَّذِي نَقُولُ بِهِ إِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ].

(والثانية):
أنَّ ابن عبدالبر أنكر خلال هذه الفقرات التي نقلها الذهبي عنه قول نُعَيم بن حماد: ((ينـزل بذاتـه وهو على كرسيه)) فقال هناك في ((التمهيد)) (7/144) عقبها: ((ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأنَّ هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً)). وبه يتبين أنَّ مراده بالعلو علو المكانـة لا المكان!!
(والثالثة):
أنَّ الحافظ ابن الجوزي قال في كتاب ((صيد الخاطر)) ص (61): ((ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له: ابن عبد البر! صنَّف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال: (هذا يدلُّ على أنَّ الله تعالى على العرش لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينـزل معنـى) وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عزَّ وجل، لأنَّ هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام فقاس صفة الخلق عليه فأين هؤلاء واتباع الأثر...)). ومن هذا الذي نقله ابن الجوزي عنه يتبين أن ابن عبد البر قد لا يقول بعلو المكانة أو أنه تخبَّط في هذه المسألة! كما قدَّمنا قبل حاشيتين أو ثلاثة.

و النتيجة التي خرج بها الذهبي أن القول بالمجاز يقود إلى القول بإعدام الرب جل جلاله فهذا من فلسفات الذهبي المتهاوية! وقد تقدّم النقل عن الحافظ ابن حجر من ((لسان الميزان)) (5/129) على قول الذهبي الذي تراجع عنه الذهبي فيما بعد فقال: ((وقوله (قال له النافي ساويت ربك بالشيء المعدوم إذ المعدوم لا حدَّ له) نازل (أي قول ساقط)، فإنَّا لا نسلِّم أنَّ القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوده)). ومعنى قوله (نازل) أي ساقط وباطل فاسد!! ثم لا توجد فرقة تؤول سائر الصفات وتحملها على المجاز.. سواء مَنْ يطلقون عليهم الجهمية ولا المعطلة ولا المعتزلة ولا الأشعرية ولا غيرهم!
وقوله:" كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مَثَلُ الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة ..." هذا رواه ابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (برقم34) قال: [حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ..] به. وعبد الله بن سليمان هو أبو بكر بن أبي داود السجستاني وهو كذاب كما تقدم في ترجمته برقم (111) مفصلاً كذَّبه أبوه وقال ابن صاعد: (كفانا ما قال أبوه فيه)! وأقول أيضاً: مثل النخلة هذا لا ينطبق على الله تعالى الذي لا يشبه النخلة والأجسام و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}الشورى:11!! قال الله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}النحل: 74!!
وقوله :" قلت: كذلك هؤلاء النفاة. قالوا: إلهنا الله تعالى وهو لا في زمان ولا مكان ولا يُرى ولا يُسمع ولا يُبصر ولا يتكلَّم ولا يرضى ولا يريد ولا ولا " ، هذا كلام ليس بصحيح!! أما الزمان والمكان فالله تعالى منزَّه عنهما لأنه خالقهما!! وأما قوله بأنَّ النفاة لا يقولون بإثبات السمع والبصر والكلام والرضى والإرادة فغير صحيح لأنَّ الأشاعرة والمعتزلة يثبتونها!! وبعضهم ردَّ الرضى إلى الإرادة!!
وقوله:" وقالوا: سبحان المنزَّه عن الصفات"، نقول فيه : لو قال أحد بذلك فمعناه أن صفات الله هي عين الذات ولا فرق فإن الله تعالى ليس مركباً من ذات وصفات كما يتوهم القاصرون! وقد قال ابن حزم إن لفظ (الصفات) لم يأت في القرآن الكريم ولا في السنة الصحيحة إلا في حديثٍ حَكَمَ هو بعدم صحته ونص على أن الرواة اختلفوا في لفظه! وهذه المسألة بسطناها في شرحنا على الجوهرة الذي صنفناه بعد هذا الكتاب بدهر، ثم ألحقنا هذه الزيادة هنا! ولم يقل أحد بأن الله سبحانه غير موصوف بأنه قادر وعالم وحي وغير ذلك من الصفات المتفق عليها البتة!! بل قالوا ما قال الله تعالى في كتابه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}الصافات:180!!

وقوله:" ولقد كان أبو عمر بن عبدالبر من بحور العلم ومن أئمة الأثر" فنقول :
ومن العجيب أنهم وافقوه في ما قاله في هذه القضية في "التمهيد"!! ولم يوافقوه في أشياء أخرى قالها في التمهيد مثل خبر الواحد وإنكار بذاته! كما ولم يوافقوه فيما ذكره في كتابه "الاستيعاب" في قضايا الصحابة!! كما لم يوافقوه في عَدِّهِ الأئمة الفقهاء ثلاثة ولم يَـعُـدَّ منهم أحمد بن حنبل في كتابه "الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء"!!
أضف رد جديد

العودة إلى ”عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها“