بطلان كلام ابن موهب المالكي في إثبات الجهة والمكان لله تعالى:

عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بطلان كلام ابن موهب المالكي في إثبات الجهة والمكان لله تعالى:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

بطلان كلام ابن موهب المالكي في إثبات الجهة والمكان لله تعالى:

قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(558):
[ ابن موهب (406):
558- قال العلامة أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرحه لرسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد: أما قوله (إنه فوق عرشه المجيد بذاته) فمعنى (فوق) و(على) عند جميع العرب واحد، وفي الكتاب والسنة تصديق ذلك، وهو قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الحديد:4، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}النحل:50، ثمَّ ساق حديث الجارية والمعراج إلى السماء سدرة المنتهى، إلى أن قال: وقد تأتي لفظة (في) في لغة العرب بمعنى فوق، كقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}الملك:15، و {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}طه:71، و {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}الملك:16. قال أهل التأويل: يريد فوقها. وهو قول مالك مما فهمه عمَّن أدرك من التابعين، مما فهموه عن الصحابة مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الله في السماء يعني فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه ثمَّ بيَّنَ أنَّ علوه فوق عرشه إنما هو بذاته، لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته ولا تحويه الأماكـن لأنه أعظم منهـا، وقد كان ولا مكان.
ثمَّ سرد كلاماً طويلاً إلى أن قال: فلمَّا أيقن المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أنَّ الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بوصفه بالاستواء على عرشه، وأنه على الحقيقة لا على المجاز، لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله إذ ليس كمثله شيء].


أقول في بيان بطلان هذا الكلام والرد عليه:

هذا الرجل من مقلدي ومعظِّمي وتلامذة أبن أبي زيد القيرواني القائل بالجهة، ومن المعلوم أن هناك فرقة مالكية كانت تميل إلى التشبيه والتجسيم ومنهم من كان في زمن إمام الحرمين والإمام الغزالي وكانوا يعادونهما ويحرقون كتبهما! ترجمه القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (7/188) فقال: [أبو بكر محمد بن موهب التُّجَيبي الحصَّار المعروف بالقَبْري. قرطبي مشهور، وهو جد القاضي أبو الوليد الباجي (لأمه) كان من العلماء الزهّاد الفضلاء. أخذ ببلده عن أحمد بن ثابت، وابن قطن وأحمد بن هلال، وأبي محمد الباجي وغيرهم. ورحل إلى المشرق فسمع من رجاله، وصحب أبا محمد ابن أبي زيد رحمه الله، واختص به وحمل عنه تواليفه وغير ذلك، وكان القاضي ابن ذكوان يقدمه على فقهاء وقته وعلى نفسه ويرغب دعاءه. وكان الأصيلي يعرف حقه ويثني عليه، وغلب عليه الكلام والجدل على نصرة مذهب أهل السنّة، والتواليف في ذلك، إلا أنه كان يخل بعلمه عدم معرفته اللسان.. وله في العقائد تواليف كثيرة مفيدة وله شرح رسالة شيخه أبي محمد ابن أبي زيد رحمهما الله. ذكر محنته رضي الله عنه كان أبو بكر هذا لتعلقه بهذه العلوم النظرية الغريبة بالأندلس مشوماً عند كثير من الفقهاء بقرطبة، سيما من لم يتعلَّق منهم من العلم بغير الفقه ورواية الحديث، ولم يحضر في شيء من النظر. وكان أبو عون الله شيخ المحدثين في طائفة من أصحابه، منهم أبو عمر الطلمنكي تلميذه، قد أغروا به فجرت بينه وبينهم قصص ومجاوبات في مسألة الكرامات، فإن ابن وهب كان يذهب فيها مذهب شيخه أبي محمد بن أبي زيد رحمه الله، في إنكار الغلو فيه. وكان أولئك يجوزونها ويسعون في رواية أشياء كثيرة منها، وكان يثبت نبوءة النساء ويقول بصحة نبوءة مريم وبإحالة بقاء الخضر عليه السلام أبد الآبدين. فجرت بينهم في هذه المسائل فتن... وتوفي بقرطبة سنة ست وأربعماية].
و كلامه كما ترى مضطرب متناقض فهو مع قوله (فوق عرشه إنما هو بذاته) وقوله: (وأنه على الحقيقة لا على المجاز) يقول: (قد كان ولا مكان) فهذا نوع من التيه والاضطراب! ولم نقف على قول هذا الرجل من كتابه ولا ثقة بما ينقله الذهبي! وقائله ليس من السلف!! وقول السلف ليس من حجج الشرع فما بالك بمن بعدهم من الخلف!! وقد أنكر جماعة من المالكية لفظة (بذاته) كالحافظ ابن عبد البر (463هـ)!! والذهبي نفسه أنكرها هنا في غير ما موضع!! فلا حجة في ذلك!! وقد تقدَّم عن ابن بَطَّال المالكي (ت449هـ) أنه قال في " شرحه على صحيح البخاري "(10/453): [وكذلك لا شبهة لهم فى قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} لأن صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضى كونه فى جهة العلو، لأن البارى تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرف هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة... وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكَلِمَ عَرَضٌ والعَرَض لا يصح أن يَفْعَل؛ لأن من شرط الفاعل كونه حيًا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرف الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به]. وكلام الحافظ ابن بَطَّال مهم جداً في بيان طريقة المالكية المتقدّمين في التنزيه البعيدة عن طريقة ابن أبي زيد وأمثاله من المائلين إلى الجهة والتشبيه! وقال الحافظ ابن حجر الشافعي في "الفتح" (13/416): [قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول]. وقال القرطبي المالكي في "تفسيره" (15/314): [{فأطَّلِعَ إلى إلهِ مُوْسَى} فَأَنْظُرُ إليه نظر مُشْرفٍ عليه. توهم أنه جسم تحويه الأماكن..]. وأنكر ابن عبد البر على نُعَيم بن حماد قوله: ((ينـزل بذاتـه وهو على كرسيه)) فقال هناك في ((التمهيد)) (7/144) عقبها: [ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأنَّ هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً]. فهذه النصوص تبين أن لدى بعضهم اضطراباً في هذه القضية كما تقدم بيان ذلك عن ابن أبي زيد وغيره! وقال العلامة العيني الحنفي في "شرح البخاري" (7/199) عند الكلام على حديث النزول: [احتج به قوم على إثبات الجهة لله تعالى وقالوا هي جهة العلو، وممن قال بذلك ابن قتيبة وابن عبد البر، وحكي أيضاً عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، وأنكر ذلك جمهور العلماء لأن القول بالجهة يؤدي إلى تحيز وإحاطة وقد تعالى الله عن ذلك]. فهذا مما يبين اختلاف علماء المالكية في ذلك العصر في هذه القضية فلا يكون قول ابن موهب حجة! وإنما الحجة هي الضوابط والأسس المذكورة في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الثابتة عنه!
أضف رد جديد

العودة إلى ”عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها“