بيان بطلان حديث سلمان الفارسي الذي جاء بلفظ:( إنَّ ربكم حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صِفْرَاً ليس فيهما شيء):
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث أبي عمران النهدي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنَّ ربكم حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صِفْرَاً ليس فيهما شيء))
هذا حديث مشهور رواه عن النبي أيضاً علي بن أبي طالب وابن عمر وسلمان الفارسي وأنس وغيرهم].
أقول في بيان بطلان هذا الحديث:
موضوع إسرائيلي ظاهر إسناده الصحة وكنت أظنه صحيحاً ثمَّ تبين لي أنه مما نقله سيدنا سلمان رضي الله عنه من التوراة كما رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (90). ورواه أحمد (5/438) وغيره موقوفاً على سيدنا سلمان رضي الله عنه. ومرفوعاً: أبوداود (2/78/1488)، والترمذي (3556) وقال عقبه: ((هذا حديث حسن غريب ورواه بعضهم ولم يرفعه)). والحاكم (1/497) وابن ماجه (2/1271/3865)، وابن حِبَّان (3/160/876) وغيرهم. ورواه البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (90) من حديث أبي عثمان النهدي عن سلمان أنه قال: ((أجد في التوراة أنَّ الله حييٌ كريم يستحي أن يرد يدين خائبتين سئل بهما خيراً)). فهذا ما أراده الترمذي فيتبين به أن الصواب أنه موقوف من جهة روايته عن سيدنا سلمان وأنه مما نقله من التوراة. وعلى تسليم صحته نقول فيه ما ذكرته في مقدمة كتاب ((دفع شبه التشبيه)) ص (68) حيث قلت هناك: [وأما قول بعضهم: (إنَّ من أدلة أنَّ الله في السماء أننا نرفع أيدينا في الدعاء لجهة السمـاء)!! فجوابه كالتالي: إنَّ العبد إذا مدَّ يديه في الدعاء فإنه يجعلهما على شكل وعاء فكأنه يقول متذللاً: يا رب قد سألتك وطلبتُ منك وجعلتُ يدي وعاءً لعطائك فلا تَرُدَّني خائباً،.... فمد اليد بهذا الشكل عند الدعاء هي رمز للتذلل لله تعالى لا أكثر، ألا ترى الإنسان الفقير السائل إذا طلب من إنسان آخر صدقة فإنه كذلك يرفع يده مثل رفعها في الدعاء ولا يجعل راحتيه تلقاء وجه من يطلب منـه، وكان اللازم عليه حسب رأي من يستدل برفعهما على وجود الله في السماء أن يجعل السائل راحتي يديه تلقاء وجه من يسأله الحسنة أو الصدقة ومنه تعلم سخافة استدلال المجسمة المهاترين].
قول الذهبي:( هذا حديث مشهور رواه عن النبي أيضاً علي بن أبي طالب وابن عمر وسلمان الفارسي وأنس وغيرهم)، فأقول:
أما حديث سيدنا علي عليه السلام فلم أقف عليه، وأما حديث ابن عمر فرواه ابن عَدِي في ((الكامل في الضعفاء)) (2/595) وفي سنده الجارود بن يزيد وهو ليس بشيء. فحديثه تالف. وأما حديث أنس بن مالك فرواه الحاكم (1/497) وقال: ((صحيح على شرط الشيخين)) واعترض عليه الحافظ المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/480) فقال: ((وفي ذلك نظر)). قلت: في السند: عامر بن يساف. قال ابن حجر في "لسان الميزان" (4/378): [قال ابن عَدِي: منكر الحديث عن الثقات حدث عنه بشر بن الوليد، وَغيره... ثم قال ابن عَدِي: ومع ضعفه يكتب حديثه. انتهى.. وقال أبو داود: ليس به بأس رجل صالح. وقال العجلي: يكتب حديثه وفيه ضعف. وَقَال الدُّورِيُّ عن ابن مَعِين: ليس بشيء. وقال البرقي عن ابن مَعِين: ثقة. وذَكَره ابن حِبَّان في "الثقات"]. وخلاصة الأمر أنه ضعيف منكر الحديث.
ووجدته أيضاً من حديث جابر بن عبد الله رواه أبو يعلى (3/391/1867) والطبراني في "الأوسط" كما في ((مجمع البحرين)) (8/11/4624) و ((مجمع الزوائد)) (10/149) وهو في "الأوسط" (5/31) وفي السند يونس بن محمد بن المنكدر قال النسائي في "الضعفاء" (618): [متروك الحديث شامي]. وقال ابن حِبَّان في "المجروحين" (3/136): [روى عنه أهل العراق يروي عن أبيه ما ليس من حديثه من المناكير التي لا يشك عوام أصحاب الحديث أنها مقلوبة وكان يوسف شيخاً صالحاً ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الحفظ والإتقان فكان يأتي بالشيء على التوهم فبطل الاحتجاج به على الأحوال كلها]. وقال الدولابي: متروك. انظر ترجمته في ((تهذيب الكمال)) (32/456) ورواه البغوي في ((شرح السنة)) (5/186) وفي سنده أبان ابن أبي عياش متفق على ضعفه أيضاً. وعليه فلا تعويل على هذه الطرق ولا تكسبه الشهرة وحالها كما بينَّا، والله الهادي.
بيان بطلان حديث سلمان الفارسي الذي جاء بلفظ:( إنَّ ربكم حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صِفْر
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm