بطلان حديث جابر الذي جاء فيه: (مَنْ هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرَّك له العرش؟):

أحاديث العقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بطلان حديث جابر الذي جاء فيه: (مَنْ هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرَّك له العرش؟):

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

بطلان حديث جابر الذي جاء فيه: (مَنْ هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرَّك له العرش؟):

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[ حديث الليث بن سعد، حدثني مُعَاذُ بنُ رِفَاعَة عن جابر قال: جاء جبريل إلى رسول الله  فقال: ((مَنْ هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرَّك له العرش؟)) قال فخرج رسول الله  فإذا سعد، قال فجلس على قبره.. وذكر الحديث
أخرجه النَّسائي من طريق محمد بن عمرو عن ابن الهادي وغيره عن معاذ].


أقول في بيان بطلان هذا الحديث:

ضعيف منكر، حديث اهتزاز العرش من طريق معاذ بن رِفَاعَة عن جابر لا يصح لأن رِفَاعَة لم يسمعه من جابر كما نص على ذلك الحفاظ من أهل العلل كما سيأتي، والعرش الذي اهتز هو سرير الموتى الذي حمل عليه سيدنا سعد بن عبادة لا أن لله تعالى سريراً فوق السموات السبع وقد تحرَّك واهتزَّ! كما مر قبل قليل في تخريج النص رقم (171).
وهو بهذا الإسناد واللفظ رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (10/116) كما سيأتي، وإنما رواه معاذ بن رفاعة عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر. فقد رويَ في "مسند أحمد" في موضعين (3/360و377) عن معاذ عن محمود بن عبد الرحمن، وإليكم ذلك من "المسند" (3/377): [حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني معاذ بن رِفَاعَة، عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر بن عبد الله قال: لما دُفِنَ سعد ونحن مع رسول الله F سبَّح رسول الله فسبَّح الناس معه طويلاً، ثم كبَّر فكبَّر الناس، ثم قالوا: يا رسول الله مم سبَّحْتَ قال: ((لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله عز وجل عنه))]. واختصر الحافظ ابن حجر حال معاذ بن رِفَاعَة ومحمود بن الجموح في "تعجيل المنفعة" (برقم1014) فقال: [وأما محمود فجاءت الرواية عند ابن إسحاق من روايته عن معاذ بن رِفَاعة عنه، ومعاذ ضعيف روى عن جابر في دفن سعد بن معاذ روى عنه معاذ بن رفاعة الأنصاري فيه نظر]. يعني ضعيف ولا يثبت. وقال الحافظ الحسيني (715-765هـ) في "الإكمال" (برقم822) في ترجمة ابن الجموح الراوي عن جابر: [فيه نظر]. أي أنه ضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (10/172) في ترجمة معاذ بن رِفَاعَة: [قصة معاذ بن جبل مرسل... وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: حكى أبو الفتح الأزدي عن عباس الدوري عن ابن مَعِين أنه قال فيه: ضعيف. قال الأزدي: ولا يحتج بحديثه]. فعليه لا تصح روايته في قضية سعد بن معاذ، كما لا تصح ضمة القبر والتشديد والتضييق فيه عليه!
فقد ورد في بعض رواياته أن القبر (تضايق على هذا الرجل.. قبره) كما في "مسند أحمد" (3/377).
وفي رواية أخرى (شَدَّدَ الله عليه في قبره) وفي بعضها (شُدِّدَ عليه في قبره) كما في "تهذيب الآثار" للطبري (2/380) والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/81)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (10/116) قال الطحاوي: [حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني ابن الهاد، عن معاذ بن رِفَاعَة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؟! فُتِحَتْ له أبواب السماء وتحرَّك له العرش؟ قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا سعد بن معاذ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبره وهو يُدفن فبينما هو جالس إذ قال: سبحان الله، مرَّتين. فسبَّح القوم ثم قال: ((والله أكبر الله أكبر)) فكبَّر القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لهذا العبد الصالح شدَّد الله عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج عنه]. وهذا الذي ساقه الطحاوي هو الذي ذكره الذهبي هنا في الأعلى وهو مرسل منقطع لأن ابن رِفَاعَة لم يسمعه من جابر رضي الله عنه! قال (شُعَيب الأرنأووط) أو المعلقون على مسند أحمد (3/327): [صحيح لغيره وهذا إسناد فيه انقطاع فإن معاذ بن رِفَاعَة لم يسمعه من جابر بل رواه عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر]. قلت: ليس هو صحيح لغيره بل باطل منكر وإسناده ضعيف وفيه نظر!
والألباني المتناقض ضعَّف هذا في ضعيفته (11/741/5438) فقال: [أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (3/ 271): حدثني معاذ بن رِفَاعَة الزرقي قال: حدثني من شئت من رجال قومي: إن جبريل... الحديث. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة شيخ معاذ بن رِفَاعَة على أن هذا نفسه فيه نظر؛ فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، وحكى أبو الفتح الأزدي عن عباس الدوري عن ابن مَعِين أنه قال فيه: "ضعيف". قال الأزدي: "ولا يحتج بحديثه"؛ كما في "التهذيب". وقد روى عنه جمع، ولم يذكر فيه البخاري في "التاريخ" وابن أبي حاتم في كتابه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال؛ إن لم يكن ضعيفاً... وجملة القول: أن حديث الترجمة ضعيف عندي؛ للجهالة، والضعف الذي في بعض رواته، ومخالفة ابن إسحاق لابن الهاد في إسناده ومتنه..]. مع أنه جاء في "سؤالات أبي داود لأحمد" (برقم295): [سَمِعت أَحْمد سُئِلَ عَن معَاذ بن رِفَاعَة قَالَ: لم يكن بِهِ بَأْس]. وهذا ليس توثيقاً وإنما يُنْظَرُ في حديثه. مع أن الألباني تناقض فأورده في "مختصر العلو" وتحايل في إيهام أن سنده جيد!
والحديث رواه النسائي في "الكبرى" (5/63) فقال: [أخبرنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن أسامة وهو بن الهاد، عن معاذ بن رِفَاعَة بن رافع، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد وهو يدفن: ((إن هذا العبد الصالح تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء))]. وكذا الحاكم في "المستدرك" (3/227) وليس فيه ذِكْرُ التشديد وضيق القبر وضمته! وإنما هي زيادات منكرة! وسيأتي أن لهذه الزيادات طرقاً أخرى ولا تصح! وقد روى البخاري ومسلم حديث اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما مرَّ وليس فيه ذكر للضمة ولا للضيق والتشديد عليه! أي أنهما حذفاها من قصة الحديث لأنها لا تصح عندهما!
ومما ينبغي أن نذكره هنا ونبين عدم صحته وأنه من الأكاذيب في قصة سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه أنه رويَ في سبب التضييق والتشديد وضم القبر عليه هو أنه كان يُقَصِّرُ في الاستنجاء من البول أي أنه كان لا يستنزه من البول! وهذا كلام مردود باطل لا يثبت فيمن قيل فيه إن العرش اهتز لموته ونزل في تشييعه سبعون ألف مَلَك:
(بيان عدم صحة رواية أن ضمة القبر كانت لسعد بن معاذ لأنه كان لا يحسن طهوره ويقصر في الاستنجاء من البول): قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (4/127): [وقد ذكر البيهقي رحمه الله بعد روايته ضمة سعد رضي الله عنه في القبر أثراً غريباً فقال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن ابن اسحاق، حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول الله F في هذا؟ فقالوا: ذُكِرَ لنا أن رسول الله F سئل عن ذلك فقال: كان يُقَصِّرُ في بعض الطهور من البول]. أقول: هذا رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (4/84/برقم1380) وفي إثبات عذاب القبر (برقم96).
أما (أحمد بن عبد الجبار) الذي في إسناده، فقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (1/45): [قال ابن أبي حاتم كتبت عنه وأمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مُطَيَّن: كان يكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، تركه ابن عُقْدة. وقال ابن عَدِي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضَعْفِهِ، وكان ابن عقدة لا يُحَدِّث عنه، وذكر أن عنده عنه قمطراً على أنه لا يتورَّع أن يُحَدِّث عن كل أحد... وفي سؤالات الحاكم للدارقطني: اختلف فيه شيوخنا ولم يكن من أهل الحديث].
وأما (يونس بن بكير) أبو بكر الشيباني (ت199هـ)، فقال الذهبي في "الكاشف" (برقم6464): [قال ابن مَعِين: صدوق. وقال أبو داود: ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث]. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (13/490): [وقال النسائي: ليس بالقوي،.. وقال النَّسائي في مكان آخر: ضعيف]. والذي قاله ابن مَعِين في تاريخه رواية الدوري (3/521/برقم2545) هو: [كان صدوقاً وكان يتبع السلطان وكان مرجئاً]. وقال العجلي في "معرفة الثقات" (2/377): [يونس بن بكير الشيباني وكان على مظالم جعفر بن برمك ضعيف الحديث].
وشيخه هنا لا نعلم من هو على التحقيق! فيحتمل أنه (محمد بن إسحاق) صاحب السيرة كما في المطبوع من "دلائل النبوة" للبيهقي (1380)، ويحتمل أنه (أبو إسحاق إبراهيم بن يزيد الكوفي) كما في المطبوع من "إثبات عذاب القبر" للبيهقي (برقم96) وقد ذكروا في ترجمة يونس بن بكير أنه روى عن كلٍ منهما، فأما (أبو إسحاق الكوفي) فقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1/126): [إبراهيم بن يزيد أبو إسحاق الكوفي عن أبي نضرة عن أبي سعيد حديث: ((طوبى لم رآني)) وعنه عثام بن علي ويونس بن بكير، ذكره البخاري في "التاريخ" ونقل الدارقطني عن ابن المَدِيني: مجهول].
وأما (أمية بن عبد الله) فيحتمل رجلين:
أحدهما: أمية بن عبد الله بن خالد (ت87هـ) قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/325): [أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي المكي روى عن ابن عمر وعنه: عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبو إسحاق والزهري.. وقال الزبير بن بكار: استعمله عبد الملك بن مروان على خراسان. وقال خليفة مات في ولاية عبد الملك. وقال المدائني مات سنة 87. قلت: وقال ابن حبان في "الثقات" مات سنة 86 وروى عنه أبو إسحاق فقلب اسمه! قال: أمية بن خالد بن عبد الله وأرسل حديثه].
والثاني: أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان (ت130هـ) قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل" (2/301): [أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان روى عن عكرمة وأبيه وعمر بن عبد العزيز روى عنه ابن إسحاق ويحيى بن سليم الطائفي سمعت أبى يقول ذلك وسئل عنه فقال ما بحديثه بأس].
وعليه فهذا سند مجهول واهٍ لا قيمة له وهذه القصة ملفَّقة مكذوبة.
وأظن أن سبب هذا الاتهام والتشويه لصورة سيدنا سعد بن معاذ أنه حكم على اليهود بأن يُقْتَل مقاتليهم! فقد روى البخاري (4121) ومسلم (1768) وهذا لفظ البخاري عن: [..أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: ((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)) أَوْ ((خَيْرِكُمْ)) فَقَالَ: ((هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ)) فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ. قَالَ: ((قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ)) وَرُبَّمَا قَالَ: ((بِحُكْمِ الْمَلِكِ))]. أقول: لأجل ذلك خطط أهل الباطل أن يشوِّهوا صورته وأن يقولوا فيه ما قيل من ضمَّة القبر والتشديد عليه وأنه كان لا يحسن الطهور رضي الله عنه وأرضاه.

أضف رد جديد

العودة إلى ”أحاديث العقائد“