بطلان أثر ابن عباس الذي جاء فيه حول تفسيره لقوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى}، أنه قال: دنا منه ربه عزَّ وجل مرتين):
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[ قال يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: دنا منه ربه عزَّ وجل مرتين].
أقول في بطلان هذا الأثر:
باطـل مردود! ليس هناك أثر بهذا اللفظ وإنما الوارد (رأى ربه مرتين) وليس (دنا من ربه مرتين). وأثر التدلي هو ما رواه ابن أبي عاصم في سنته (438) بسند واهٍٍ فقال: [حدثنا محمد بن يحيى أبو عمر الباهلي، ثنا يعقوب، ثنا حاتم بن اسماعيل، عن شريك، عن جابر بن يزيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: {دنى فتدلى} قال: هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم دنا فتدلى إلى ربه عز وجل]. قال الألباني في التعليق عليه في سنة ابن أبي عاصم: [إسناده ضعيف شريك هو ابن عبد الله القاضي ضعيف سيء الحفظ، وجابر بن يزيد وهو الجعفي أضعف منه، ومحمد بن يحيى أبو عمر الباهلي لم أجد له ترجمة، ويحتمل على بعد أن يكون هو محمد بن يحيى بن عبد الله أبو عبد الله الذهلي النيسابوري الحافظ الإمام من شيوخ البخاري]. ورواه الطبراني في "الكبير" (11/150/11328) فقال: [حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن عثمان الأودي، ثنا عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة وعطاء، عن ابن عباس: {ثم دنا فتدلى} قال: هو محمد صلى الله عليه و سلم دنى فتدلى إلى ربه عز وجل]. عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي قال أبو حاتم: واهي الحديث، كما في "الجرح والتعديل" (5/244)، وأبوه شريك النخعي ضعيف مشهور، وعطاء بن السائب اختلط وعليه فإن هذا سند واهٍ ومتن باطل! قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/464): [قوله: (دنا فتدلى) المعني به جبريل عليه السلام تدلى من مقامه الذي جعل له في الأفق الأعلى فاستوى، أي وقف وقفة (ثم دنا فتدلى) أي نزل حتى كان بينه وبين المصعد الذي رفع إليه محمد F قاب قوسين أو أدنى فيما يراه الرائي ويُقَدِّرُهُ المُقَدِّرُ].
وأما هذا الذي ساق الذهبي إسناده عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس فهو ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (22/513) قال: [حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس، في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قال: {دنا} ربه {فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى}; قال: قال ابن عباس قد رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم]. ورواه ابن أبي عاصم في سنته (برقم439) فقال: [حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رأى ربه تبارك وتعالى]. ورواية ابن أبي عاصم ليس فيها: (دنا ربه فتدلى) تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً! وفي إسناد كل من الروايتين محمد بن عمرو بن علقمة وهو ضعيف مُتَكَلَّم فيه، وجاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/334): قال يحيى بن سعيد: ليس هو ممّن تريد.. وكذا قال مالك رحمه الله تعالى.. وقال الجوزاني: ليس بقوي الحديث.. وقال ابن حِبَّان في "الثقات" (7/377): يخطىء.. وقال يعقوب بن شيبة : هو وسط وإلى الضعف ما هو.. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يستضعف.. قلت: وأحاديثه عن أبي سلمة خاصة متكلّم فيها، قال الحافظ في "التهذيب" (9/334): [قال ابن أبي خيثمة سئل ابن مَعِين عن محمد بن عمرو فقال: ما زال الناس يتَّقون حديثه، قيل له: وما علّة ذلك؟ قال: كان يحدّث مرّة عن أبي سلمة بالشيء من روايته، ثم يحدّث به مرّة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة] اهـ. وقد روى البخاري (7517) من طريق شريك بن عبد الله النخعي عن أنس بن مالك حديث الإسراء وفيه: (حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى..) قال الحافظ ابن رجب في "شرح البخاري" (3/56): [وقد تفرَّد شريك بهذه الألفاظ في هذا الحديث، وهي مما أُنْكِرَتْ عليه فيه]. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/483): [قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَاب يَعْنِي صَحِيح الْبُخَارِيّ حَدِيث أَشْنَع ظَاهِراً وَلَا أَشْنَع مَذَاقاً مِنْ هَذَا الْفَصْل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَحْدِيد الْمَسَافَة بَيْن أَحَد الْمَذْكُورَيْنِ وَبَيْن الْآخَر وَتَمْيِيز مَكَان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا، هَذَا إِلَى مَا فِي التَّدَلِّي مِنْ التَّشْبِيه وَالتَّمْثِيل لَهُ بِالشَّيْءِ الَّذِي تَعَلَّقَ مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَل.. وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من المخالفة مسلم في صحيحه فإنه قال بعد أن ساق سنده وبعض المتن ثم قال فقدَّم وأخَّر وزاد ونقص وسبق بن حزم أيضاً إلى الكلام في شريك أبو سليمان الخطَّابي كما قدَّمته، وقال فيه النَّسائي وأبو محمد بن الجارود: ليس بالقوي، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدِّث عنه، نعم قال محمد بن سعد وأبو داود ثقة فهو مختلف فيه، فإذا تفرَّد عُدَّ ما ينفرد به شاذاً وكذا منكراً على رأي من يقول المنكر والشاذ شيء واحد والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره والجواب عنها إما بدفع تفرده وإما بتأويله على وفاق الجماعة ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك]. وروى البخاري (3235) عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَيْنَ قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}؟! قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الْأُفُقَ. وفي رواية صحيح مسلم (177) أنها قالت: [أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله F فقال: ((إنما هو جبريل))]. وفي مسلم (175) أيضاً عن أبي هريرة قال: (رأى جبريل). وكذلك روى البخاري (3232و4856) ومسلم (174) عن عبد الله ابن مسعود قال: (رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح). وكل ذلك يَدُكُّ ما رواه شريك عن أنس وما رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس ويجعله في أدراج الرياح
بطلان أثر ابن عباس الذي جاء فيه حول تفسيره لقوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى}، أنه قال: دنا منه ربه عزَّ وجل مرتين):
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm