صفحة 1 من 1

الرد على الأستاذ علي منصور الكيالي في قضية عذاب القبر:

مرسل: الأحد نوفمبر 12, 2023 11:20 am
بواسطة cisayman3
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله ومن والاه، وبعد: فتعليقاً على ما قاله الأستاذ علي منصور الكيالي في فيديو عن عذاب القبر على اليوتيوب بعنوان (عذاب القبر - الحلقة 30 - فليفرحوا - علي منصور كيالي) أقول:
نعيم أو عذاب ما بعد الموت وقبل قيام الساعة وهو المسمى (بنعيم أو عذاب البرزخ أو القبر) ثابت بقطعي الدلالة والثبوت وليس بالظني من الأدلة، لكن اختلف العلماء ومنهم علماء أهل السنة هل يحصل ذلك على البدن والروح معاً أم على الروح كما يقول البخاري وابن حزم والغزالي ؟ والراجح عندنا أن النعيم للمتقين وعباد الله الصالحين والتعذيب للمجرمين والكفار يحصل في عالم البرزخ على الروح، وليس على البدن، لقوله تعالى: { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون }، ولأن الأجسام نراها أمامنا لا تنعَّم ولا تُعذّب.
وبعد معرفة ثبوت هذا الأمر شرعاً وهو ما صرحنا به في كتبنا ومؤلفاتنا بكل وضوح، نقول: دخل على هذه القضية حكايات وقصص وأحاديث موضوعة، وأحاديث صحيحة الأسانيد شاذة المتون منكرة، وأقوال باطلة لبعض أهل العلم، واستغل ذلك القصاصون و (الحكواتية) من الوعاظ وأمثالهم وتجار الكتب والكاتبين للقصص الخرافية فأدخلوا الرعب والخوف على الناس بهذه الأمور.
فالأستاذ (علي منصور كيالي) معه الحق في إنكاره على التخويف والأهوال وغيرها من أفلام الرعب التي ينشرها بعض العلماء والوعاظ والجهلاء في هذه القضية، ولكننا لسنا معه في إنكاره للنعيم والعذاب جملة واحدة من أساس القضية، وسأجيبه عن بعض ما طرحه في محاضرته تلك التي ألقاها.
والأصل ذلك عندنا في هذه القضية في النعيم لعباد الله المتقين قوله تعالى: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } النحل: 32، وقوله تعالى في ذلك الرجل الذي دعا قومه للإيمان فقتلوه: { قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين، وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين } يس: 26. وفي العذاب للمجرمين والكفار الجاحدين قوله تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } الأنعام: 93، وقوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } الأنفال: 50.
فالظالمون في غمرات الموت والملائكة يقولون لهم: اليوم تجزون عذاب الهون ويضربون وجوههم وأدبارهم، فقد بدأ عذابهم على ما فعلوه من جرائم وكفر بربهم من لحظة وفاتهم.
وكنا قد تكلمنا على هذا الموضوع بتوسع وإسهاب قبل نحو (25) سنة في كتابنا (صحيح شرح العقيدة الطحاوية) وبينا بعد ثبوت هذا الأمر أن ما نسجوه من سكرات الموت وما فيها من الألم والعذاب لا أساس له من الصحة وكذلك خرافة ضمة القبر، وكثيراً من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع هي من جملة الإسرائيليات الباطلة والأساطير، وأن الأصل هو دخول الفرح والرحمة والسرور على المؤمن من ساعة وفاته وخروج روحه، قال تعالى { ولا تحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } آل عمران: 170. وقد عقدنا في ذلك الكتاب فصلاً بعنوان (معالجة الخوف المتولد من التفكر بالموت والإنكار على الكتب والأشخاص الذين يعطون صوراً مخطئة عن هذا الموضوع).
وقد أنكر علينا يومئذ كثير من الجهلاء والمتعصبين المتشبثين بما في كتب التراث بعجره وبجره دون غربلة وتنقية وتصحيح، وكان نتيجة إصرار كثير من المشايخ المتعصبين لما لم يثبت في هذه القضية من الترهات أن وجد اليوم من ينكر ذلك جملة وينتشر الإلحاد الذي لن يستطيعوا الإجابة على إشكالات أصحابه إلا التشبث المغلوط الخاطىء لعصمة بعض ما في الصحيحين وكتب التراث التي فيها الغث والسمين.
وعلى كل حال فأنا ههنا أجيب الأستاذ (كيالي) على ما أورده من إشكالات في هذه القضية، ومع احترامي لشخصه فهو غير متخصص للإلمام بهذا الأمر والإفتاء في المسائل الشرعية، لأن ذلك يحتاج لإحاطة ومعرفة بالنصوص الشرعية والقواعد الأصولية وكيفية الاستنباط.
أما قوله (هناك عشرات الآيات أنه لا عذاب قبل الحساب).
فنقول: بل إن آيات القرآن الكريم تقول بأن هناك أقواماً كثر أرسل الله عليهم العذاب في الدنيا لكفرهم فأخذتهم الصاعقة أو الرجفة أو الريح الصرصر في سبع ليال وثمانية أيام حسوماً أو الغرق أو غير ذلك وعذبهم الله بذلك قبل أن يقيم عليهم الحساب يوم القيامة قبل دخولهم النار، والقرآن مليء بإثبات مثل ذلك. فبطل قوله هذا.
وأما قوله: (عذاب القبر والأهوال ظني الثبوت).
فنقول: بل إن النعيم والعذاب بعد الموت وقبل قيام الساعة قطعي الثبوت في كتاب الله تعالى، وما ذكرناه هنا من الآيات كاف في إثبات ذلك. لكننا معك ـ يا أستاذ كيالي ـ في بطلان توجيه الكلام إلى الناس بالعذاب دون النعيم وبالأهوال دون التبشير والكرم وأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وإن حصر العذاب على الأجساد في القبر باطل من القول.
وأما قوله (لم ينته سجل الميت.. السجل لم يغلق.. إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم).
فنقول: نعم. لم ينته السجل فيلحقه بعد موته ما سنَّه قبل موته من أثر كولد صالح وأعمال بر وخير فعلها وكذا أعمال شر شرعها وسنها. وهذا لا يمنع أنه يثاب ويكرّم أو يعذب على ما فعله في حياته وما ختم حياته به من إيمان أو كفر.
وأما قوله (بأن هناك من يموت فيلقى في البحر وتأكله الأسماك).
فنقول: من المعلوم أن كل من مات ينال ما يستحقه سواء دفن وقبر أم لم يقبر ولم يدفن، ولو حرق أو رمي في البحر فأكله السمك أو غير ذلك فإن روحه هي المنعمة أو المعذبة في عالم البرزخ.
وأما قوله (لماذا هذا التخويف حتى للأطفال.. كلها أساطير.. شجاع أقرع وثعبان).
فنقول: نعم هذه التي ذكرتها من الشجاع الأقرع والثعبان وغيرها كالضمة من الأساطير، ونحن نوافقك في ذلك، وتخويف الأطفال والكبار والصغار والنساء والصبيان وترويعهم بالأهوال للمؤمنين وتلك المنكرات يجب أن ينتهي ويتبدل هذا الأسلوب، وينبغي أن يشطب ما في كتاب أهوال القبور للحافظ ابن رجب الحنبلي وأمثاله من الكتب التي احتوت في الغالب على القصص الخرافية والأساطير والحكايات الباطلة والموضوعات والإسرائيليات.
وأما قوله (الشعراوي أول من قال لا يوجد عذاب في القبر).
فنقول: الشعراوي رحمه الله تعالى لم ينكر نعيم وعذاب القبر فيما نعلم، وإذا قال ـ ولا أعلم إن قال ذلك ـ أنه ليس في القبر عذاب، فإذا كان قصده أن العذاب والنعيم لا يتمان في القبر وإنما يتمان في البرزخ حيث شاء الله، فهو مصيب وصادق، فعليك أن تأتينا بنصه الذي قال فيه ذلك، ومع ذلك لو ثبت عنه لا حجة فيه، لأن الحجة في نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، لا في قول فلان وفلان.
وأما احتجاج (الأستاذ كيالي) بقوله تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا } مريم: 98.
فنقول: لا دلالة في الآية الكريمة لما يريد. وأهل الدنيا لا يحسون ولا يسمعون بما يجري في البرزخ.
وأما قوله بما معناه: (بأن إبليس أسعد المخلوقات لأنه يعيش إلى قيام الساعة فتكون مدة العذاب عليه أقصر من غيره من المجرمين الذين ماتوا قبله بآلاف السنين).
فنقول: هذه حجة داحضة باطلة لأن كيفية العذاب ومدته وقوته خارجة عن إدراكنا.
وأما احتجاجه بقوله تعالى في سورة يس: { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } يس: 52.
فنقول: لا دلالة فيها على ما يريد بعد ثبوت الآيات التي ذكرناها، والجمع بين الأدلة واجب لئلا نأخذ بنصوص ونهدر نصوص فنضرب بها عرض الحائط، وتفسير هذه الآية التي أوردها من سورة يس هو: أن المجرم عندما يؤتى به إلى السجن أو نحوه يقول يا ويلتاه ما الذي أتى بي إلى هنا، وما الذي فعلته حتى أتي بي إلى هنا، وهو يعلم ما فعل ولم يكن غافلاً عنه، فالمشركون والعتاة والكفار عندما يقومون يوم القيامة يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ـ وهم يعلمون أن الله هو الذي بعثهم ـ لو بقينا في العذاب الأدنى وبقيت أجسادنا مضطجعة في القبور ولم نصل للعذاب الأكبر لكان خيراً لنا، قال تعالى: { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } المرة الأولى في حياتهم الدنيا حيث أرسل الله عليهم العذاب، والثانية بعد موتهم في البرزخ، والعذاب العظيم في الآخرة. وبذلك بطل احتجاج الأستاذ.
وهنا نبشر المؤمنين فنقول لهم: المؤمن لا يدخل عليه فزع حتى عند قيام الساعة (الفزع الأكبر) وفي أرض المحشر وفي كل وقت بعد خروجهم من هذه الدنيا، لأن الحزن في الدنيا فقط. قال تعالى: { لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } الأنبياء: 103، وقال تعالى: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } النمل: 89. وقال تعالى: { أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون } وقال تعالى: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} الجاثية: 21.
وربما نضع لكم هنا مسألة (نعيم البرزخ وعذابه) من كتابي (صحيح شرح العقيدة الطحاوية) لتزال هذه الغمة عن كثير ممن غرر به من هذه الأمة وتنكشف هذه القضية أكثر.
نسأل الله تعالى الروح والريحان، والرحمة والمغفرة والرضوان، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

______________________________