عدم صحة نظرية: (إذا روى بعض الثقات الحديث مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم برفعه):
مرسل: السبت نوفمبر 16, 2024 3:12 pm
عدم صحة نظرية: (إذا روى بعض الثقات الحديث مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم برفعه):
هذه النظرية جعلها بعض العلماء كالنووي رحمه الله تعالى قاعدة وظن أن هذا هو الصواب! فلو روى ثلاثة من الثقات حديثاً موقوفاً وجاء ثقة رابع فرفع الحديث فإن مثل النووي رحمه الله تعالى يعتبر هذا زيادة ثقة ويحكم بأنه حديث مرفوع! وهذا خطأ! ولا بد من التنبيه والكلام عليه في النقاط التالية:
أن أهل المصطلح مختلفون في ذلك! ونقل الخطيب البغدادي عن أكثر المحدثين أنهم على خلاف ما ذهب إليه النووي وأنهم يحكمون بالوقف:
قال النووي رحمه الله تعالى نفسه في متن "التقريب" في المصطلح:
[الرابع: إذا روى بعض الثقاة الضابطين الحديث مرسلاً، وبعضهم متصلاً، أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر؛ لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. ومنهم من قال: الحكم لمن أرسله أو وقفه. قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين، وعند بعضهم الحكم للأكثر، وبعضهم للأحفظ، وعلى هذا لو ارسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة رواية، وقيل يقدح فيه وصله ما أرسل الحفاظ، والله أعلم].
فأنت ترى بوضوح بأن الخطيب – وهو من الحفاظ الذين يفوقون الإمام النووي بكثير في معرفة الحديث كما هو معلوم – يقول بأن أكثر المحدثين يقولون بأن الحديث المختلف في رفعه ووقفه أنه عندهم موقوف وليس مرفوعاً!
أن هذا من باب الشاذ لمخالفة الثقة للثقات. وقد وقع ذلك في أحاديث كحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب مرفوعاً في الرؤية في الجنة في تفسير قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وقد خالف حمادَ بن زيد:
حمادُ بن زيد وحمادُ بن واقد وسليمانُ بن المغيرة!
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/17) : [هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما : لم يروه هكذا مرفوعاً عن ثابت غير حماد بن سلمة ، ورواه سليمان ابن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذكر صهيب].
ثمَّ ذكر النووي هناك أن الرفع والوصل زيادة ثقة وهي مقبولة !! وهذا خطأ من النووي لا يُتابَعُ عليه لأنَّ هذا من باب الشاذ المردود لا سيما وحماد فيه كلام كثير.
وأورد الحديث الذهبي في "الميزان" (1/593) في ترجمة حماد بن سلمة على أنه من منكراته؛ وقد تبع الذهبيُ في ذلك ابنَ عَدي في "الكامل" (2/676).
ولذا ذكر الترمذي في السنن (3030) علة هذا الحديث فقال:
[حديث حماد ابن سلمة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة مرفوعاً، وروى سليمان بن المغيرة هذا الحديث عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله ولم يذكر فيه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
وقد ذكر الحافظ الدَّارَقُطني هذا الحديث في كتابه "التتبع" ص (210) على أنه موقوف فقال:
[وأخرج مسلم حديث حماد عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب: {للذين أحسنوا الحسنى} مرفوعاً. ورواه حماد بن زيد عن ثابت عن أبي ليلى قوله].
أن الحفاظ الأولين من أصحاب العلل كانوا يعللون الحديث بأن (فلاناً قد رواه موقوفاً). وكتبُ العللِ مليئة بذلك! ويستطيع اليوم أي إنسان يفهم طريقة البحث أن يبحث على الشاملة مثلاً في كتب العلل كعلل ابن أبي حاتم وعلل الدارقطني باستعمال كلمة (موقوف) عن الأحاديث التي اختلف الرواة في رفعها ووقفها وينظر كيف عللها أولئك الحفاظ بأنها موقوفة!
أن سبب تساهل أمثال الإمام النووي والفقهاء في الحكم على تلك الأحاديث بالرفع هو اعتناؤهم بالفقهيات ليستدلوا بها على مسائل الفروع الفقهية! وهذا أمر سهل! أما تتبع أحاديث العقائد وما وقع في كثير منها من ألفاظ شنيعة مردودة ومنكرة فإنهم لم ينتبهوا لها ولم يشتغلوا بها!
فهم تساهلوا بذلك في الفقهيات والفروع، وأما فيما يتعلق بالتوحيد وأصول الدين وصفات الله تعالى فإنه لا يجوز التساهل في ذلك ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/201):
[ولهذا الوجه من الاحتمال ترك أهل النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى، إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع، واشتغلوا بتأويله].
فهم لم يحتجوا إذا بها فأولوها لأن أكثرهم ما كان يعرف طريقة النقد وتتبع الطرق والأسانيد والألفاظ وكشف الاختلاف فيما بينها!
وللموضوع بقية والله الموفق.
هذه النظرية جعلها بعض العلماء كالنووي رحمه الله تعالى قاعدة وظن أن هذا هو الصواب! فلو روى ثلاثة من الثقات حديثاً موقوفاً وجاء ثقة رابع فرفع الحديث فإن مثل النووي رحمه الله تعالى يعتبر هذا زيادة ثقة ويحكم بأنه حديث مرفوع! وهذا خطأ! ولا بد من التنبيه والكلام عليه في النقاط التالية:
أن أهل المصطلح مختلفون في ذلك! ونقل الخطيب البغدادي عن أكثر المحدثين أنهم على خلاف ما ذهب إليه النووي وأنهم يحكمون بالوقف:
قال النووي رحمه الله تعالى نفسه في متن "التقريب" في المصطلح:
[الرابع: إذا روى بعض الثقاة الضابطين الحديث مرسلاً، وبعضهم متصلاً، أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر؛ لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. ومنهم من قال: الحكم لمن أرسله أو وقفه. قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين، وعند بعضهم الحكم للأكثر، وبعضهم للأحفظ، وعلى هذا لو ارسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة رواية، وقيل يقدح فيه وصله ما أرسل الحفاظ، والله أعلم].
فأنت ترى بوضوح بأن الخطيب – وهو من الحفاظ الذين يفوقون الإمام النووي بكثير في معرفة الحديث كما هو معلوم – يقول بأن أكثر المحدثين يقولون بأن الحديث المختلف في رفعه ووقفه أنه عندهم موقوف وليس مرفوعاً!
أن هذا من باب الشاذ لمخالفة الثقة للثقات. وقد وقع ذلك في أحاديث كحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب مرفوعاً في الرؤية في الجنة في تفسير قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وقد خالف حمادَ بن زيد:
حمادُ بن زيد وحمادُ بن واقد وسليمانُ بن المغيرة!
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/17) : [هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما : لم يروه هكذا مرفوعاً عن ثابت غير حماد بن سلمة ، ورواه سليمان ابن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذكر صهيب].
ثمَّ ذكر النووي هناك أن الرفع والوصل زيادة ثقة وهي مقبولة !! وهذا خطأ من النووي لا يُتابَعُ عليه لأنَّ هذا من باب الشاذ المردود لا سيما وحماد فيه كلام كثير.
وأورد الحديث الذهبي في "الميزان" (1/593) في ترجمة حماد بن سلمة على أنه من منكراته؛ وقد تبع الذهبيُ في ذلك ابنَ عَدي في "الكامل" (2/676).
ولذا ذكر الترمذي في السنن (3030) علة هذا الحديث فقال:
[حديث حماد ابن سلمة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة مرفوعاً، وروى سليمان بن المغيرة هذا الحديث عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله ولم يذكر فيه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
وقد ذكر الحافظ الدَّارَقُطني هذا الحديث في كتابه "التتبع" ص (210) على أنه موقوف فقال:
[وأخرج مسلم حديث حماد عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب: {للذين أحسنوا الحسنى} مرفوعاً. ورواه حماد بن زيد عن ثابت عن أبي ليلى قوله].
أن الحفاظ الأولين من أصحاب العلل كانوا يعللون الحديث بأن (فلاناً قد رواه موقوفاً). وكتبُ العللِ مليئة بذلك! ويستطيع اليوم أي إنسان يفهم طريقة البحث أن يبحث على الشاملة مثلاً في كتب العلل كعلل ابن أبي حاتم وعلل الدارقطني باستعمال كلمة (موقوف) عن الأحاديث التي اختلف الرواة في رفعها ووقفها وينظر كيف عللها أولئك الحفاظ بأنها موقوفة!
أن سبب تساهل أمثال الإمام النووي والفقهاء في الحكم على تلك الأحاديث بالرفع هو اعتناؤهم بالفقهيات ليستدلوا بها على مسائل الفروع الفقهية! وهذا أمر سهل! أما تتبع أحاديث العقائد وما وقع في كثير منها من ألفاظ شنيعة مردودة ومنكرة فإنهم لم ينتبهوا لها ولم يشتغلوا بها!
فهم تساهلوا بذلك في الفقهيات والفروع، وأما فيما يتعلق بالتوحيد وأصول الدين وصفات الله تعالى فإنه لا يجوز التساهل في ذلك ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/201):
[ولهذا الوجه من الاحتمال ترك أهل النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى، إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع، واشتغلوا بتأويله].
فهم لم يحتجوا إذا بها فأولوها لأن أكثرهم ما كان يعرف طريقة النقد وتتبع الطرق والأسانيد والألفاظ وكشف الاختلاف فيما بينها!
وللموضوع بقية والله الموفق.