صفحة 1 من 1

نقد حديث الجارية بلفظ (أين الله؟) بما لم أسبق إليه بهذا التتبع فيما أعتقد والله أعلم:

مرسل: السبت نوفمبر 16, 2024 3:20 pm
بواسطة عود الخيزران
نقد حديث الجارية بلفظ (أين الله؟) بما لم أسبق إليه بهذا التتبع فيما أعتقد والله أعلم:

هذا الحديث شاذ مردود منكر.
وهو مذكور في "صحيح مسلم" المطبوع ونفى البيهقي وجوده في صحيح مسلم. وذلك لأن حديث معاوية بن الحكم السلمي رويَ في صحيح مسلم (537) المطبوع من طريقين:

إحداهما: (حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ..). والثانية: من طريق (يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ).
وزيادة قصة الجارية إنما أتت في حديث (هلال بن علي وهو ابن أبي ميمونة)! والظاهر أنها أدخلت فيما بعد على صحيح مسلم وألحقت به من بعض الرواة أو الناسخين.

فالبيهقي –كما تقدَّم- أنكر رواية قصة الجارية في صحيح مسلم.
قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/327):
[أخرجه مسلم مقطعاً من حديث الأوزاعي، وحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث].

وقال البيهقي في "سننه الكبرى" (10/57):
[أخرجه مسلم فى الصحيح من حديث الأوزاعى دون قصة الجارية].

أقول: وله علتان: وهما ضعف هلال واختلاف الرواة في لفظه!
فهلال ابن أبي ميمونة وهو هلال بن علي بن أسامة قال عنه أبو حاتم: (شيخ) أي ضعيف، قال المزي في "تهذيب الكمال" (30/344): [قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس به بأس].
وقد ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديـل" (6/109) أنَّ لفـظ (الشيخ) عند أبيه هو: الضعيف!! قـال الذهبـي في "سير أعلام النبلاء" (6/360):
[قلت: قد علمت بالاستقراء التام أنَّ أبا حاتم الرازي إذا قال في رجل: يُكْتَبُ حديثه أنه عنده ليس بحجة].
ووصف (لا بأس به) عند النسائي يقتضي التضعيف أيضاً كما بينته في التعليق الجديد على "العلو" ترجمة حماد بن سلمة برقم (9) قبل النص رقم (348) مباشرة.

أما اختلاف لفظه فمن جهتين:
الأولى: أنه روي من طريق هلال بن علي وليس فيه لفظ (أين الله؟)! فروى المحاملي (235-330هـ) في أماليه ص (166حديث رقم319) رواية ابن مهدي بنفس إسناد مسلم دون لفظة (أين الله)! ولفظه: [...لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رسول الله أعتقها؟ قال: ((ايتني بها)). فأتيته بها فقال: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))].
وليس فيه كما ترون لفظ (أين الله؟).

وجهة الاختلاف الثانية في لفظه: أن جماعة من أئمة الحفاظ رووه بلفظ (أتشهدين أن لا إله إلا الله..). رواه الإمام مالك في الموطأ (1512) وأحمد في "المسند" (3/452) وعبد الرزاق في المصنَّف (9/175) وابن أبي شيبة (11/20) والبزار (1/14كشف) والدارمي (2/187) والبيهقي (10/57) والطبرانـي (12/27) وابـن الجـارود في "المنتقى" (931) وغيرهم.

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/244):
[رجاله رجـال الصحيح].

وقال الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (9/114):
[ظاهره الإرسال لكنه محمول على الاتصال للقاء عبيدالله جماعة من الصحابة].

وقال ابن كثير في تفسيره (1/547): [إسناده صحيح وجهالة الصحابي لا تضرُّه].

وعليه فإننا نحكم بضعـف الحديث!!
وهو منكر لأن هلالاً (شيخ) عند أبي حاتم، ولمعارضته ما صحَّ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بـدل (أيـن الله): (أتشهدين أن لا إله إلا الله)، ولمعارضته قواعد الكتاب والسنة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان!

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/221):
[فإن إدراك العقول لاسرار الربوبيه قاصر فلا يتوجه على حُكْمه لم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث].

فتدبر، والله تعالى أعلم