صفحة 1 من 1

نماذج من النقل الخطأ/ والنقل غير الموثق/ والاعتماد على قول بعض العلماء دون تحقق - بقلم حسن السقاف -

مرسل: الأحد نوفمبر 12, 2023 11:30 am
بواسطة cisayman3
وتشويه صورة المخالفين بباطل القول وبالاتهامات والافتراء:
أحياناً يقول عالم كبير قولاً فيه أخطاء علمية أو فكرية فيتابعه الناس (من الناس علماء وطلبة علم) على أغلاطه وأخطائه، ومن المعلوم عند العقلاء - وليس عند الأغبياء - أنه مهما بلغت رتبة هذا العالم الكبير فإنه غير معصوم من الوقوع في الغلط سواء في قول ارتآه أو في نسبة قولٍ لفرقةٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ وهي لا تقول بذلك القول، وكما هو معلوم (أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم) الذي لا ينطق عن الهوى.
وإليكم مثالاً على ذلك الخطأ:
قال العلامة المتولي الشافعي رحمه الله تعالى (426 - 478 هـ) (وهو العلامة شيخ الشافعية أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون المعروف بالمتولي الفقيه الشافعي النيسابوري، أحد أصحاب الوجوه في المذهب، كان جامعاً بين العلم والدين وحسن السيرة وتحقيق المناظرة، له يد قوية في الأصول والفقه والخلاف، وكان فقيهاً محققاً، وحبراً مدققاًَ) في كتابه في العقيدة المسمى (الغنية في أصول الدين) قال:
[عذاب القبر ومُساءلةُ منكرٍ ونكيرٍ حقٌ ثابتٌ. وأنكرت المعتزلة ذلك وقالوا: لا عذاب في القبر..].
وهذا الكلام مردود على الإمام المتولي رحمه الله تعالى، لأن المعتزلة صرحوا في كتبهم بثبوت عذاب القبر، وأقر بذلك علماء الأشاعرة العقلاء الذين يتحققون من ثبوت الأقوال عن أصحابها.
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي الشافعي إمام المعتزلة في وقته (المتوفى سنة 415هـ) - أي قبل العلامة المتولي الشافعي – في كتابه (شرح الأصول الخمسة) وهو عمدة المعتزلة ص (730):
[فصل في عذاب القبر: وجملة ذلك أنه لا خلاف فيه بين الأمة، إلا شي يحكى عن ضرار بن عمرو وكان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة، ولهذا ترى ابن الراوندي يشنع علينا، ويقول: إن المعتزلة ينكرون عذاب القبر ولا يقرّون به].
ومن هذه البابة ما أخطأ به ابن المنير في كتابه "الانتصاف على الكشاف" (1/449): حيث ادَّعى أيضاً بأن المعتزلة ينكرون عذاب القبر فقال هناك:
[هذا كما ترى صريح في اعتقاده ـ أي الزمخشري المعتزلي ـ حصول بعضها قبل يوم القيامة وهو المراد بما يكون في القبر من نعيم وعذاب، ولقد أحسن الزمخشري في مخالفة أصحابه في هذه العقيدة، فإنهم يجحدون عذاب القبر، وها هو قد اعترف به، والله الموفق].
فالزمخشري رحمه الله يقول بثبوت نعيم القبر وعذابه وصاحبنا ابن المنير يعترف أن الزمخشري يثبته لكن يصر على نفيه عند باقي المعتزلة!
يا ابن المنير إذا كان إمام المعتزلة القاضي عبد الجبار الشافعي والإمام الزمخشري المعتزلي الحنفي يثبتان لك عذاب القبر ويقولان لك لا خلاف فيه بين الأمة فلماذا الإصرار والعناد والتنطع والتهويش ؟!
وبالمناسبة ومما ينبغي أن تعلموه أن "ابن الراوندي" الذي ذكره القاضي عبد الجبار هو الذي أشاع هذه الإشاعة الكاذبة على المعتزلة، حكم عليه أهل السنة والمعتزلة أنه من أهل الإلحاد! (يصدقون الملحد) انظروا إلى كلام الحافظ الذهبي فيه في سير أعلام النبلاء حيث يقول هناك في ترجمته (14/59):
[الريوندي الملحد، عدو الدين، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الريوندي، صاحب التصانيف في الحط على الملة، وكان يلازم.. الملاحدة، فإذا عوتب قال: إنما أريد أن أعرف أقوالهم. ثم إنه كاشف وناظر، وأبرز الشبه والشكوك. قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم، حتى رأيت له ما لم يخطر على قلب، ورأيت له كتاب " نعت الحكمة "، وكتاب " قضيب الذهب "، وكتاب " الزمردة "، وكتاب " الدامغ " الذي نقضه عليه الجبائي، ونقض عبد الرحمان بن محمد الخياط عليه كتابه " الزمردة "].
مات الراوندي سنة (298هـ) فهو من السلف الطالح. ولاحظ بأن الرادين على هذا الملحد هم المعتزلة.
والسبب في هذا التشنيع على المعتزلة سبب سياسي، وهو أن هناك من الخلفاء العباسيين من تبنوا المذهب الحنبلي بعدما أقنعهم الحنابلة ومجسمة المحدثين بمذهبهم مثل المتوكل سنة (234هـ)، والقادر بالله العباسي سنة (408هـ) حيث أمر (القادر بالله) بتلاوة عقيدة أبو أحمد القصّاب الحنبلي على المنابر وتوعد المعتزلة وفقهاء الحنفية بالتنكيل إن خالفوا، وإليكم بعض ذلك:
قال الحافظ ابن الجوزي في "المنتظم" (15/125) في حوادث سنة (408هـ): [عن هبة الله بن الحسن الطبري قال: وفي سنة ثمانٍ وأربعمائة استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال..].
وقال ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية" (12/6): [وفي سنة ثمانٍ وأربعمائة استتاب القادر بالله فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام وأُخذت خطوطهم بذلك وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، وامتثل محمود بن سبكتكين أمرَ أمير المؤمنين في ذلك واستنَّ بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة] وزيادة القرامطة والمشبهة زيادة لا علاقة لها بالموضوع [وصلبهم وحبسهم ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام]. انتهى من تاريخ ابن كثير.
ما شاء الله على هذا التعامل مع المخالفين المسلمين في الفكر! صلبٌ وقتل وحبس ونفي ولعن على المنابر وأشكال وأنواع التنكيل، هكذا تكون المجتمعات المتحضرة! التي تدّعي التمسك بالكتاب والسنة واتباع السلف!
والمقصود هنا أن نقرر النقاط التالية:
1- أنه مهما بلغت رتبة العالم لا بد أن نتأكد ونتحقق من كلامه، وإذا وجد من يبين لنا أنه أخطأ في مسألةٍ ما بالدليل والبرهان لا ننكر عليه، ولا نقول له أنت أفهم وأعلم أم الإمام فلان.
2- أنه قد تم الافتراء على المعتزلة، وكذب عليهم وشوهت صورتهم بالباطل.
مع أن من يسمونهم (الأشاعرة) من العلماء العقلاء كإمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي والفخر الرازي وأمثالهم مالوا إلى مذهب المعتزلة وهو في الحقيقة مذهب أهل البيت، فلم يوافقوا أبو الحسن الأشعري وجمهور الحنابلة المجسمة في إثبات الصفات التجسيمية، وكذلك في مسألة خلق أفعال العباد، وغير ذلك، باعتراف أئمة الأشاعرة المنزهين العقلاء رحمهم الله تعالى.
3- أن الحنابلة ومن اعتقد بعقائدهم يستبيحون دماء المخالفين من عباد الله المسلمين، فيستعملون جميع وسائل الوحشية كالصلب والقتل والحبس واللعن على المنابر و.... أساليب ليست إنسانية في معاملة المخالف المسلم الذي لم يقع في حد من حدود الله تعالى.
4- أن يبتعد الإنسان عن أساليب القمع للمسلم المخالف في الفكر، وتشويه صورته والكذب والافتراء عليه و..... وقتله وذبحه الخ، وأن لا يصغي للقصص الخرافية الخيالية مثل قصة ذبح خالد القسري الفاسق للجعد بن درهم التي يرددها ابن تيمية وشيعته لتكون منهاجاً لهم في معاملة مخالفيهم من المسلمين وغيرهم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
والحمد لله رب العالمين.
_____________________________