حياة الأشعري وأثره ومولده ووفاته الحلقة (2):

التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

حياة الأشعري وأثره ومولده ووفاته الحلقة (2):

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

حياة الأشعري وأثره ومولده ووفاته الحلقة (2):

ولا يهمنا كلام الإنشائيين والخياليين والمادحين والذامين بدون حجج وبحث وتمحيص علمي!
وكان الأشعري قد حضر أباه عند أوائل الطلب ـ لأن أباه توفي وهو صبي ـ فأوصى أبوه به إلى الساجي فتعلم عنده وعند بعض العلماء من أهل السنة والأثر العقائد وطريقتهم في الصفات على مذهب من يسمونهم بالسلف! فكيف صحب الجبائي بعدما كان عمره ما بين الـ ( 15-20) أربعين سنة؟!
وقد أكَّد ابن تيمية الحراني في "دقائق التفسير" (2/145) خرافة الأربعين سنة وأصَرَّ عليها حيث قال هناك :
[فإن الأشعري كان من المعتزلة وبقي على مذهبهم أربعين سنة يقرأ على أبي علي الجُبَّائي].
وقال السبكي في الطبقات (3/347) : [يقال : أقام على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً ....] .
مع أنه لم يصر للمعتزلة إماماً !!
فهل كان هو بذلك المستوى العقلي حتى يكون ممن لا يستطيع أن يكتشف خطأ مذهب المعتزلة أربعين سنة؟!
المفترض من الإمام الذكي أن يكتشف الضلال والخطأ من أول الجلسات أو خلال أشهر أو على الأكثر سنة! لا أن تجري عليه أربعون سنة ثم يصور مذهب المعتزلة في الإبانة والمقالات بغير صورته الحقيقية ويتقوَّل عليهم أنواع الفِرَى وهم برءاء منها! كقوله هناك بأنهم يقولون بأن الله في كل مكان حتى في الحشوش والأخلية ! وأنهم ينكرون عذاب القبر وغير ذلك من الفِرى!!
مع أن هناك قصة ثانية وهي: أن أول شيوخه ليس من المعتزلة ! وإنما هو يحيى بن زكريا الساجي! والساجي هذا هو على التحقيق من المجسمة المشبهة أو على سبيل التنزل أو الأقل هو من أهل السنة المائلين إلى الإثبات كما يقولون، وأن أباه أوصى عند وفاته إلى الساجي أن يتكفله ويتعهده بالعلم كما في تبيين كذب المفتري ص (35) وقد قال الذهبي في النبلاء (14/198) عن الساجي : [وكان من أئمة الحديث، أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات واعتمد عليها أبو الحسن في عدَّة تآليف].
فهذا كان في أول حياة الأشعري بوصاية أبيه أن يتلقى عقيدة الساجي السُّنِّي.
كما روى الأشعري الحديث أيضاً عن: (الجمحي وسهل بن نوح ومحمد بن يعقوب المقبري وعبد الرحمن بن خلف الضبي)) كما يقول السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (3/355) .!! وهؤلاء جميعاً من المحدّثين الذين هم من أهل السنة وعلى طريقة المثبتة! وبذلك يتبين لنا أن أول مذهب تلقاهُ أبو الحسن الأشعري كان مذهب الإثبات على الطريقة الحنبلية التي يسمونها بالسنة!
فيصح أيضاً أن يقال الآن: صار الاحتمال قوياً في أن الأشعري قد رجع من مذهب أهل السنة الذي اعتنقه في أوائل عمره إلى مذهب المعتزلة لا العكس!!
وهناك احتمال آخر وهو: أن رجوع الأشعري من مذهب المعتزلة إلى مذهب أهل السنة كان بأفكار الساجي لا برؤيا رآها ولا بقصص أخرى! لا سيما والذهبي يقول في الساجي : (( كان من أئمة الحديث أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات واعتمد عليها أبو الحسن في عِدَّة تآليف )) .
وقال الذهبي في "السير" (15/90): [فقيل إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري فجعل يقول: رددت على الجُبَّائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد، فخرج وصنَّف الإبانة فلـم يُقْبَـل منـه].
ويَقْبل ابن تيمية "الإبانة" وينقل عنه ويمجده ويحتج به في كتبه؟! مع أنه يذم الأشعري نفسه؟!!
من ذلك قول ابن تيمية في درء التعارض (2/83) وفي الموافقة المطبوعة على هامش منهاج السنة (2/41) نقلاً عن السجزي مقرَّاً به : [إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والأشعري الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن]، وقول ابن تيمية في الموافقة أيضاً الذي هو درء التعارض المطبوع على هامش منهاج السنة (2/49) نقلاً إقرارياً عن الشيخ أبو حامد ما نصه: [ولم تزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسبوا إلى الأشعري ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدّة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي].
وهذا يبين إن صح أنه تزلَّف للحنابلة ! وما يكتبه في كتبه من أنه يعتقد عقيدة أحمد بن حنبل وأهل الحديث والأثر يؤيد هذا ويقويه!
لكن من العجيب الغريب أن يبقى الرجل أربعين سنة مع اشتغاله بالعلم كما يصفونه على الاعتزال ولا يكتشف في سِنٍّ مبكرة فساد مذهب المعتزلة ثم بعد هذه المدة المديدة يعق شيخه ومذهبه الذي نشأ وترعرع عليه بهذه الغلظة التي نراها في كتبه! بل يحكي عنهم أموراً لا يقولونها ولا يدينون بها بل كتبهم طافحة بالرد عليها والقول بخلافها ومن أهمها نسبة المكان إلى الله تعالى.
قال الذهبي هناك ص (89): [وقد ألَّف الأهوازي جزءاً في مثالب ابن أبي بشر ؛ فيه أكاذيب ، وجمع أبو القاسم في مناقبه فوائد بعضها أيضاً غير صحيح].
ومن ذلك يتبين لك أن فرضية قصة الإخوة الثلاثة التي يقال إنه لأجلها ترك الاعتزال وما إلى ذلك من قصص أخرى من جملة الخرافات التي ينسجها المغالون والتي لا أساس لها من الصحة!
وما يقال إن الأشعري حسر المعتزلة في أقماع السمسم خيلات وخرافات أيضاً إذ لم نعثر له على تأثير ووجود حركي طيلة سني حياته، وقد جاء في شرح الأصول الخمسة ص (174) ما نصه:
[وهذه مسألة خلاف بيننا وبين شيخنا أبي القاسم بن سهلويه الملقب بقاتل الأشعري، وسبب تلقيبه به أنه ناظر الأشعريَّ في مسألة فانقطع وحم ومات]. أي الأشعري.
وبه يتبين أن أمره يكتنفه غموض كبير وعدم وضوح وهذه نصوص وقضايا حول ذلك نضعها بين يدي طلبة العلم لنتفحصها ونتدبرها وننظر فيها عسانا نخرج بشيء واضح.
والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم

أضف رد جديد

العودة إلى ”التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم“