الأدلة الشرعية على أن نطق اللسان يسمى كلاماً وأن ما في القلب لا يسمى كلاماً وإنما يسمى حديث نفس أو قول، والقول يطلق على
مرسل: الاثنين نوفمبر 18, 2024 11:41 am
الأدلة الشرعية على أن نطق اللسان يسمى كلاماً وأن ما في القلب لا يسمى كلاماً وإنما يسمى حديث نفس أو قول، والقول يطلق على حديث النفس والكلام:
قال ابن مالك في الألفية:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم...
واحده كلمة والقول عم ....
وقال ابن جِنِّي (392هـ) في كتابه "الخصائص" (1/8):
[فقد ثبت بما شرحناه وأوضحناه أن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها، المستغنية عن غيرها، وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل، على اختلاف تركيبها. وثبت أن القول عندها أوسع من الكلام تصرفاً، وأنه قد يقع على الجزء الواحد، وعلى الجملة، وعلى ما هو اعتقاد ورأي، لا لفظ وجرس. وقد علمت بذلك تعسف المتكلمين في هذا الموضع، وضيق القول فيه عليهم، حتى لم يكادوا يفصلون بينهما. والعجب ذهابهم عن نص سيبويه فيه، وفصله بين الكلام والقول].
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به)) رواه البخاري ومسلم. فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى عفا وغفر عن حديث النفس ما لم يتكلم به الإنسان ، ففرَّق بين حديث النفس وبين الكلام ، وبيَّن لنا أننا لا نؤاخذ به ما لم نتكلم أي ننطق به بألسنتنا على التفصيل الذي نص عليه العلماء ، فَعَلِمْنَا بذلك أن هذا هو الكلام في اللغة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبنا بلغة العرب التي نزل بها القرآن .
وبهذا لا نستطيع أن نثبت أن كلام الله تعالى صفة نفسية قائمة بذاته لأن الكلام لا يكون صفة نفسية وحديث نفس وإنما هو لفظ بصوت وحرف وبالتالي فيكون كلام الله تعالى هذا اللفظ المُحْدَث المخلوق المنزل ، وأما المعنى الثاني وهو الصفة النفسية فإنه لا دليل عليها إلا قياس الغائب على الشاهد .
2- وعن أبي هريرة قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ، قَالَ :
(( وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ )) قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ((ذَاكَ صَرِيحُ الإيمان)) رواه مسلم. لاحظ أنهم لم يسموا ما يجدونه في أنفسهم رضي الله عنهم كلاماً ، فتبين أن ما يدور في النفس لا يسمى كلاماً ، وأن الصحابة في هذا الحديث سموا ما ينطق به الإنسان ويلفظه كلاماً ؛ وهم العرب الأقحاح ، وهذا ظاهر واضح ، وقد أَقَرَّهُم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك .
3- وعن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((أخبروني بشجرة مَثَلُها مَثَلُ المسلم تؤتي أُكلها كل حين بإذنٍ ربها ولا تَحُتُّ ورقها))؛ فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهتُ أن أتكلَّم وثَمَّ أبو بكر وعمر فلما لم يتكلَّما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((هي النخلة ...)) رواه البخاري ومسلم. تبيَّن من هذا أن ما يقع في النفس لا يسمَّى كلاماً وأن الكلام ما ينطق به اللسان .
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس )) رواه مسلم في الصحيح والنسائي. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ)) رواه البخاري معلقاً وابن حبان. وقد نصَّ العلماء على أن ما يدور ويقوم في القلب من حديث لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها أن يتكلم الإنسان بذلك الحديث ، فَعُلِمَ أن هذا الذي يدور في القلب والنفس ليس بكلام .
5- وعن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بلسانه ثم قال: ((كف عليك هذا)) فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))( ) صحيح رواه أحمد والترمذي. تبين من هذا الحديث أن الكلام هو ما يلفظ به اللسان .
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) رواه البخاري ومسلم. جعل في هذا الحديث اللسان هو محل الكلام .
7- وقال الله تعالى عن السيدة مريم عليها السلام: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} مريم : 26 ، ويقطع العاقل أنه يقع في نفسها عليها السلام حديث نفس ومعاني ولو اعتبر ذلك كلاماً لما كان صومها صحيحاً . ومثله قول الله تعالى لسيدنا زكريا عليه السلام : { قَالَ ءَايَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } مريم : 10 .
8- وقال الله تعالى { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا
كَذِبًا }الكهف : 4-5 ، تبين من هذه الآية الكريمة والأدلة السابقة أن الكلام هو ما يخرج من الفم لا ما يقع في النفس، وما يقع في النفس يسمى اعتقاداً وحديث نفس .
9- ومن الأدلة أيضاً أن الأخرس لا يقال عنه بأنه متكلم! ومن زعم أن الأخرس يقال له في لغة العرب متكلم لأنه يُحَدِّثُ نفسه وتدور في خَلَدِهِ الأفكار فقد عاند وكابر وابتعد عن الصواب. والأدلة في ذلك كثيرة لمن أراد أن يتتبعها .
وقد ادَّعى الشيخ الباقلاني أن الصحابة سموا حديث النفس كلاماً ! حينما أورد الآثار مستدلاً بها على مقصوده ـ مع أنه لم يورد إلا أثراً واحداً ـ حيث قال في كتابه "الإنصاف" ص (110) :
[ويدل على ذلك أيضاً قول عمر رضي الله عنه: زوَّرت في نفسي كلاماً ، فأتى أبو بكر فزاد عليه ، فأثبت الكلام في النفس من غير نطق لسان...].
أقول : وهذا استدلال باطل لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقل
(زوَّرتُ في نفسي كلاماً) وإنما قال: (وكنتقد زوَّرت مقالة أعجبتني) !! فلم يذكر لفظ (كلام) كما لم يذكر لفظ (نفسي) حتى يتم استدلال الشيخ الباقلاني ومَنْ يقول بقوله!
فقد جاء في صحيح البخاري (6830) ومسند أحمد وصحيح ابن حبان وغيرها في قصة الصحابة الذين حضروا في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثُمَّ قَالَ ـ أي خطيب الأنصار ـ أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإسلام وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنْ الأمر فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ...)). ولم يعارض هذه الرواية شيء صحيح.
وفي ((مختار الصحاح)) : ((زوَّرَ الشيء تزويراً حسَّنه وقوَّمه)).
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/30): [(وكنت قد زوَّرت) أي هيأت وحسَّنتُ مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبا بكر].
فأين في هذا أن الكلام هو حديث النفس وما يجول في الخواطر وما يدور بالخَلَد؟!
قال ابن مالك في الألفية:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم...
واحده كلمة والقول عم ....
وقال ابن جِنِّي (392هـ) في كتابه "الخصائص" (1/8):
[فقد ثبت بما شرحناه وأوضحناه أن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها، المستغنية عن غيرها، وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل، على اختلاف تركيبها. وثبت أن القول عندها أوسع من الكلام تصرفاً، وأنه قد يقع على الجزء الواحد، وعلى الجملة، وعلى ما هو اعتقاد ورأي، لا لفظ وجرس. وقد علمت بذلك تعسف المتكلمين في هذا الموضع، وضيق القول فيه عليهم، حتى لم يكادوا يفصلون بينهما. والعجب ذهابهم عن نص سيبويه فيه، وفصله بين الكلام والقول].
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به)) رواه البخاري ومسلم. فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى عفا وغفر عن حديث النفس ما لم يتكلم به الإنسان ، ففرَّق بين حديث النفس وبين الكلام ، وبيَّن لنا أننا لا نؤاخذ به ما لم نتكلم أي ننطق به بألسنتنا على التفصيل الذي نص عليه العلماء ، فَعَلِمْنَا بذلك أن هذا هو الكلام في اللغة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبنا بلغة العرب التي نزل بها القرآن .
وبهذا لا نستطيع أن نثبت أن كلام الله تعالى صفة نفسية قائمة بذاته لأن الكلام لا يكون صفة نفسية وحديث نفس وإنما هو لفظ بصوت وحرف وبالتالي فيكون كلام الله تعالى هذا اللفظ المُحْدَث المخلوق المنزل ، وأما المعنى الثاني وهو الصفة النفسية فإنه لا دليل عليها إلا قياس الغائب على الشاهد .
2- وعن أبي هريرة قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ، قَالَ :
(( وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ )) قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ((ذَاكَ صَرِيحُ الإيمان)) رواه مسلم. لاحظ أنهم لم يسموا ما يجدونه في أنفسهم رضي الله عنهم كلاماً ، فتبين أن ما يدور في النفس لا يسمى كلاماً ، وأن الصحابة في هذا الحديث سموا ما ينطق به الإنسان ويلفظه كلاماً ؛ وهم العرب الأقحاح ، وهذا ظاهر واضح ، وقد أَقَرَّهُم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك .
3- وعن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((أخبروني بشجرة مَثَلُها مَثَلُ المسلم تؤتي أُكلها كل حين بإذنٍ ربها ولا تَحُتُّ ورقها))؛ فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهتُ أن أتكلَّم وثَمَّ أبو بكر وعمر فلما لم يتكلَّما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((هي النخلة ...)) رواه البخاري ومسلم. تبيَّن من هذا أن ما يقع في النفس لا يسمَّى كلاماً وأن الكلام ما ينطق به اللسان .
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس )) رواه مسلم في الصحيح والنسائي. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ)) رواه البخاري معلقاً وابن حبان. وقد نصَّ العلماء على أن ما يدور ويقوم في القلب من حديث لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها أن يتكلم الإنسان بذلك الحديث ، فَعُلِمَ أن هذا الذي يدور في القلب والنفس ليس بكلام .
5- وعن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بلسانه ثم قال: ((كف عليك هذا)) فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))( ) صحيح رواه أحمد والترمذي. تبين من هذا الحديث أن الكلام هو ما يلفظ به اللسان .
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) رواه البخاري ومسلم. جعل في هذا الحديث اللسان هو محل الكلام .
7- وقال الله تعالى عن السيدة مريم عليها السلام: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} مريم : 26 ، ويقطع العاقل أنه يقع في نفسها عليها السلام حديث نفس ومعاني ولو اعتبر ذلك كلاماً لما كان صومها صحيحاً . ومثله قول الله تعالى لسيدنا زكريا عليه السلام : { قَالَ ءَايَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } مريم : 10 .
8- وقال الله تعالى { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا
كَذِبًا }الكهف : 4-5 ، تبين من هذه الآية الكريمة والأدلة السابقة أن الكلام هو ما يخرج من الفم لا ما يقع في النفس، وما يقع في النفس يسمى اعتقاداً وحديث نفس .
9- ومن الأدلة أيضاً أن الأخرس لا يقال عنه بأنه متكلم! ومن زعم أن الأخرس يقال له في لغة العرب متكلم لأنه يُحَدِّثُ نفسه وتدور في خَلَدِهِ الأفكار فقد عاند وكابر وابتعد عن الصواب. والأدلة في ذلك كثيرة لمن أراد أن يتتبعها .
وقد ادَّعى الشيخ الباقلاني أن الصحابة سموا حديث النفس كلاماً ! حينما أورد الآثار مستدلاً بها على مقصوده ـ مع أنه لم يورد إلا أثراً واحداً ـ حيث قال في كتابه "الإنصاف" ص (110) :
[ويدل على ذلك أيضاً قول عمر رضي الله عنه: زوَّرت في نفسي كلاماً ، فأتى أبو بكر فزاد عليه ، فأثبت الكلام في النفس من غير نطق لسان...].
أقول : وهذا استدلال باطل لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقل
(زوَّرتُ في نفسي كلاماً) وإنما قال: (وكنتقد زوَّرت مقالة أعجبتني) !! فلم يذكر لفظ (كلام) كما لم يذكر لفظ (نفسي) حتى يتم استدلال الشيخ الباقلاني ومَنْ يقول بقوله!
فقد جاء في صحيح البخاري (6830) ومسند أحمد وصحيح ابن حبان وغيرها في قصة الصحابة الذين حضروا في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثُمَّ قَالَ ـ أي خطيب الأنصار ـ أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإسلام وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنْ الأمر فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ...)). ولم يعارض هذه الرواية شيء صحيح.
وفي ((مختار الصحاح)) : ((زوَّرَ الشيء تزويراً حسَّنه وقوَّمه)).
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/30): [(وكنت قد زوَّرت) أي هيأت وحسَّنتُ مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبا بكر].
فأين في هذا أن الكلام هو حديث النفس وما يجول في الخواطر وما يدور بالخَلَد؟!