صفحة 1 من 1

قضايا تحتاج لحل، والكلام على التفويض في الصفات - بقلم حسن السقاف -

مرسل: الأحد نوفمبر 12, 2023 11:45 am
بواسطة cisayman3
هناك عدة قضايا ومسائل وخاصة في علم العقائد تحتاج لجواب وحل، يثيرها ما بين الفينة والفينة بعض الناس وخاصة الوهابية المجسمة المشبهة، وعلى العلماء أن يجدوا لها حلاً علمياً واضحاً، فنحن لا نحتاج من العلماء المتخصصين أن يتكلموا لنا في المواعظ والقصص والعبر ودغدغة العواطف التي يتقنها من هب ودب، وإنما هناك إشكالات فكرية تحتاج جواباً واضحاً سهلاً بيناً لا لبس فيه يعتمد على الدليل والبرهان.
فقضية التفويض مثلاً في الصفات قضية تدخل من يطالع أو يقرأ قول من يقول بها في الحيرة والاضطراب، حيث يخاطب الإنسان نفسه ما الفرق بين من يقول بهذا القول وبين المجسمة والمشبهة ؟ إذا أثبتُّ لله تعالى وجهاً وعينين ويدين وكفين وأصابع وساقاً ورِجلاً وقَدَماً وغير ذلك مما يقولوه فما الفرق بيني وبين المجسمة والمشبهة، وكيف أقتنع نفسياً في سريرتي بأن من يقول بهذا وبين أقوال المفسرين في كتب التفسير والمؤولين أمثال أئمتنا المنزهين الذين فسروا الاستواء بالاستيلاء والملك والقهر واليد بالقدرة والعين بالرؤية وأنه سبحانه بصير ؟!!
وكيف يقولون بأن السلف قالوا (أمروها كما جاءت) و (قراءتها تفسيرها) ومع ذلك لا يمرّونها بل يزيدون قولهم (صفة) أو يقولون: (نثبت صفة العينين وصفة الساق وصفة القدم وصفة الضحك و.... الخ)!!
إن أصل التفويض هو عدم العلم بالمعنى (أي الجهل بمعنى النص) وعدم الزيادة على النص، وإمراره والاكتفاء بقراءته، فكيف نفسره بعد ذلك ونزيد ونخرم هذه القواعد فنقول: فيها أو فيه إثبات صفة كذا ؟!
هذا الموضوع يحتاج إلى بحث ودراسة غير تلفيقية ولا إرضائية، وإذا أردنا أن نبحث بحثاً علمياً ونناقش الأدلة وأقوال السلف ينبغي أن نتجرد ولا تؤثر علينا المؤثرات التي تمنعنا من البوح بالحقائق.
هنا ألمح لقضية من ذلك لا تحتاج الآن لكلام طويل نتكلم عليها بتوسع فيما بعد وهي:
قول الله تعالى في حق القرآن: { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت: 42، لا يراد من ذلك إثبات يدين للقرآن ولا خلف، وإنما المراد مجاز ذلك، وهو أن الباطل والتحريف والتغيير غير داخلٍ عليه. لأن القرآن في الأصل إذا قلنا بأنه اللفظ أو قلنا بأنه المصحف الكريم ليس له أصلاً يدان اثنتان.
ومثله قوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } سبأ: 46، والعذاب في الأصل ليس جسماً له يدان.
لكن ابن تيمية ومن يقلده جاؤونا بقاعدة لا أساس لها من الصحة وإنما أرادوا أن يلبسوا بها على من ينغر بكلامهم وهي قولهم:
(أن ما وُصِفَ بأن له وجهاً مثل قوله تعالى: { ويبقى وجه ربك } وإن أولناه في بعض النصوص بمعنى الذات، لكن هذا لا ينفي إثبات الوجه الحقيقي أو اليد الحقيقية، لأنه لا يطلق لفظ الوجه مجازاً إلا على من له وجه حقيقي في الأصل).
أقول: إن الآيتين السابقتين ومثلهما كثير من الشواهد في القرآن والسنة واللغة يبطل هذا الادّعاء ويهدم القاعدة الفاسدة.
ومن أقوال ابن تيمية في إثبات هذه القاعدة الفاسدة قوله في (مجموع الفتاوى) (6/370):
[إذا قالوا: بيده الملك، أو عملته يداك، فهما شيئان: أحدهما: إثبات اليد. والثاني: إضافة الملك والعمل إليها، والثاني يقع فيه التجوّز كثيراً. أما الأول فإنهم لا يطلقون هذا الكلام إلا لجنس له يدٌ حقيقة، ولا يقولون: يد الهوى، ولا يد الماء. فهب أن قوله { بيده الملك } قد عُلم منه أن المراد بقدرته، لكن لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة].
أقول: مما ينسف كلام ابن تيمية بوضوح وصراحة زيادة على ما قدمناه من الآيات: مثلاً : قول الشاعر:
إذا اللّيلُ أضْوَاني بَسَطتُ يدَ الهَوَى ////////////// وَأذْلَلْتُ دَمْعاً من خَلائقــهِ الكِبْرُ
انظر ((ديوان أبي فراس)) ص (13)، وانظر ((خزانة الأدب)) لابن حجة الحموي (1/341)، و
((تاريخ دمشق)) (27/16)، فإن فيها أمثلة من ذلك.
وفي ذلك والله أعلم عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد. والحمد لله رب العالمين.
____________________________