تفسير قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}:

تفسير آية أو آيات كريمة
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

تفسير قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

تفسير قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}:

مختصر المعنى: أن الله تعالى يقول لنا إنه أنزل هذا القرآن في ليلة القدر المباركة ففيها بدأ إنزال كتابه المبين الحكيم الذي يُفَصِّل ويبين الله تعالى فيه الحق، فيفرق أي يُظْهِرُ ببيانه بين الحق والباطل ويميز بينهما!
وبتعبير آخر نقول: في هذه الليلة – ليلة القدر – أنزل الله تعالى القرآن الكريم الذي فيه يُفْرَقُ أي يُبَيَّنُ فيه من الله تعالى كل أمر محكم من أحكامه ينتشر بينكم شيئاً فشيئاً. وهذا الأمر الذي هو القرآن الكريم وما حواه من أحكام يمثل غاية الحكمة ويفرَّق به بين الحق والباطل، وقد سماه الله فرقاناً، وقال عنه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} الإسراء:106. وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} المائدة:25.
والليلة المباركة هي ليلة القدر {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وهي في رمضان لقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وليس في ليلة النصف من شعبان، ولكن الفكر الإسرائيلي يريد أن ينقل الفضل من ليلة القدر إلى ليلة النصف من شعبان.
وقد ورد فيه حديث إسرائيلي مصدره كعب الأحبار وهو: (يَطَّلِعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى خَلْقِهِ) قال الدارقطني في "العلل" (6/50) و(6/323) بعدما ذكره من طرق عديدة: [والحديث غير ثابت] مع أن ابن حبان رواه في صحيحه (12/481).
وجاء في كتاب "النزول" المعزو للدارقطني عقب الحديث رقم (81): [وقال عتبة بن أبي حكيم: عن مكحول بهذا مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال برد بن سنان: عن مكحول أراه عن كعب الأحبار].
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/173): [وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ أَبُو خُلَيْدٍ الْقَارِي، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ.
وعَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَطَّلِعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى خَلْقِهِ.
قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يُرْوَ بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي خُلَيْدٍ وَلا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهِ.
قُلْتُ: ما حال أَبِي خليد قَالَ: شيخ]. وعنده الشيخ هو الضعيف.
وقال البيهقي في "شعب الإيمان" (3/382): [وقد روي في هذا الباب أحاديث مناكير، رواتها قوم مجهولون، قد ذكرنا في كتاب الدعوات منها حديثين].
وقال الزبيدي في "شرح القاموس المحيط" في مادة (فرق):
[وقولُه تَعالَى: {فيها يُفْرَق كُلُّ أمْرٍ حكيم}. قال قَتادةُ أي: يُقْضَى وقيل: أي يُفصَلُ ونقَلَه اللّيْثُ. وقولُه تَعالَى: {وقُرآناً فَرَقْناه} أي: فصّلْناه وأحْكَمْناه وبيّنّا فيه الأحكامَ هذا على قِراءَةِ من خفّف. ومن شدّد قال: معناهُ أنزلْناه مُفرَّقاً في أيّامٍ ورُوِي عن ابنِ عبّاس بالوَجْهين].
وقال ابن منظور في "لسان العرب" (10/299):
[وفي الحديث: ((محمدٌ فَرْقٌ بين الناس)) (البخاري) أَي يَفْرُقُ بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه، والفُرْقان الحُجّة والفُرْقان النصر وفي التنزيل: {وما أَنزلنا على عبدنا يوم الفُرْقان} وهو يوم بَدْرٍ لأَن الله أَظْهَرَ من نَصْره ما كان بين الحق والباطل. التهذيب: وقوله تعالى: {وإِذ آتينا موسى الكتاب والفُرْقان لعلكم تهتدون} قال يجوز أَن يكونَ الفُرْقانُ الكتاب بعينه وهو التوراة إِلا أَنه أُعِيدَ ذكره باسم غير الأَول وعنى به أَنه يَفْرُقُ بين الحق والباطل، وذكره الله تعالى لموسى في غير هذا الموضع فقال تعالى: {ولقد آتينا موسى وهرون الفُرْقانَ وضياء} أَراد التوراة، فسَمّى جلّ ثناؤه الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فُرْقاناً وسمى الكتاب المنزل على موسى صلى الله عليه وسلم فُرْقاناً والمعنى أَنه تعالى فَرَقَ بكل واحد منهما بين الحق والباطل].
وأما كلام المفسرين ففيه كلام كثير أختصر منه نقل الآتي وفيه ما يؤيد قولنا:
قال ابن جرير في تفسيره (11/222):
[وقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم} اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم نحو اختلافهم في الليلة المباركة وذلك أن الهاء التي في قوله: {فيها} عائدة على الليلة المباركة فقال بعضهم: هي ليلة القدر.. وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد تقدم من بياننا عن أن المعني بقوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} ليلة القدر والهاء في قوله: {فيها} من ذكر الليلة المباركة وعنى بقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم}... ووضع حكيم موضع مُحْكَم كما قال: {ألم * تلك آيات الكتاب الحكيم} يعني : المحكم].
وقال الفخر الرازي في تفسيره (32/229):
[ونظيره قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} واعلم أن تقدير الله لا يحدث في تلك الليلة، فإنه تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض في الأزل،..].

وقال الزمخشري في تفسيره (4/269):
[والليلة المباركة: ليلة القدر. وقيل: ليلة النصف من شعبان،... والقول الأكثر: أنّ المراد بالليلة المباركة: ليلة القدر، لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ولمطابقة قوله: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} لقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} وقوله تعالى {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان. فإن قلت: ما معى إنزال القرآن في هذه الليلة؟ قلت: قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجوماً نجوماً. فإن قلت: {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ما موقع هاتين الجملتين؟ قلت: هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فَسَّرَ بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} كأنه قيل: أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً، لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم].

فمختصر معنى الآية الكريمة أن الله تعالى يخبرنا أنه بنزول القرآن في ليلة القدر المباركة سيتبين كل أمر حكيم من الله تعالى، أي فيها بدأ بيان الله تعالى لأوامره وبذلك يتضح الحق والباطل وتفرقون بنزوله بين الحق والباطل.
والله تعالى أعلم.

أضف رد جديد

العودة إلى ”تفسير آية أو آيات كريمة“