صفحة 1 من 1

مقال علمي مفيد منقول من صفحة أخي الشيخ العلامة المحدّث السيّد عداب بن محمود الحمش حفظه الله تعالى ورعاه:

مرسل: الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 1:32 pm
بواسطة عود الخيزران
مقال علمي مفيد منقول من صفحة أخي الشيخ العلامة المحدّث السيّد عداب بن محمود الحمش حفظه الله تعالى ورعاه:

"مسائل حديثية (٤٥):
يحفظ مائة ألف حديث صحيح!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال لي صديقي الشامي: لماذا تستنكر أن يكون شيخك السيد عبدالله سراج الدين الحسيني الحلبي يحفظ مائة ألف حديث، والإمام البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح؟!
رحمهما الله تعالى.
ألست تقول: ربما ادخر الله تعالى لبعض المتأخرين؛ ما حجبه عن جميع المتقدمين، والخصوصية لا تقتضي الأفضلية؟
كأنه كان يريد أن يضيف، فقاطعته قائلا: دعنا نناقش مسألة حفظ البخاري أولا، ثم نناقش مسألة حفظ شيخنا السيد عبدالله سراج الدين.
فأقول: بحثت في كتب علوم الحديث، وفي كتب الرجال، وفي كتب التاريخ العام، وتواريخ البلدان؛ فوجدت مدار هذه القصة على الحافظ أبي أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني (ت: ٣٦٥) من الهجرة.
قال في مقدمة كتابه الكامل في ضعفاء الرجال (١: ٢٢٦):
(حدثني محمد بن أحمد القومسي قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح).
وابن عدي إمام ثقة حافظ، ومحمد بن حمدويه بن سهل الجرجاني ثقة حافظ أيضا.
وقد وقع في بعض الكتب:
محمد بن خمرويه.
أو محمد بن خميرويه، وهو من تصحيفات الطباعة؛ لأن محمد بن عبدالله بن خميرويه (ت: ٣٧٢) من الهجرة، وهو لا يروي عن البخاري جزما.
بينما محمد بن حمدويه (ت: ٣٠٣) من الهجرة.
لكن من هو القومسي شيخ ابن عدي؟
روى عنه تلميذه أبو أحمد بن عدي ثلاث روايات (١: ٢١٥، ٢٢٦) و(٥: ١٣).
ترجمه حمزة بن يوسف في تاريخ جرجان (٨١٧) وقال: روى عن عمار.
وروى حمزة عن ابن عدي، عن القومسي هذا، عن عمار بن رجاء، عن عبيد بن يعيش قال:
لم آكل بيدي منذ ثلاثين سنة!
كنت أكتب وأخي يلقمني!
ولم يذكره ابن عدي ولا حمزة بجرح أو تعديل!
لكن تصور أنت أخي القارئ هذه القصة الخرافية، التي تفرد بها القومسي!
هل تتخيل مجرد تخيل أن يقوم أخ بإطعام أخيه بيده ثلاثين سنة؛ لأنه مشغول بالكتابة؟
وعبيد بن يعيش هذا (ت: ٢٢٩) وهو شيخ البخاري ومسلم.
روى عنه البخاري خارج الصحيح، وروى عنه مسلم ثلاث روايات (٢٤٥٨، ٢٧٢٧، ٢٨٩٦).
وليس له في أصول الإسلام التسعة سوى (٦) روايات!
هذه الثلاثة، ومثلها عند الدارمي (٥٦٠، ٢١٦٣، ٢٨٢٤).
والسؤال المطروح: ماذا كان يكتب عبيد هذا طيلة ثلاثين سنة، حتى إنه لم يكن لديه وقت ليأكل!؟
أكان يكتب ستة أحاديث، أم ستين حديثا، أم ستة آلاف حديث؟
خلاصة الكلام على إسناد قصة البخاري أن راويها مجهول، لم يرو عنه سوى ابن عدي، ولم يوثقه هو ولا غيره.
فإسناد القصة واه، لا يثبت به بصلة!
أما الكلام عن متن القصة المنكر؛ فخلاصته:
إذا كان البخاري يحفظ (١٠٠) ألف متن حديث صحيح؛ فهو لم يخرج في صحيحه، سوى (٢٥٦٠) متنا، منها المرفوع ومنها الموقوف، ومنها المنقطع، ومنها المرسل.
فيكون قد أخرج لنا زكاة ما يحفظ فحسب (٥، ٢%).
أفيكون البخاري ناصحا للأمة، عندما يهمل (٩٧%) من الأحاديث الصحيحة؟
وإذا كان يقصد المكرر والأسانيد؛ فجامعه الصحيح حوى عشرة آلاف إسناد!
فيكون قد ترك تسعين ألف إسناد صحيح، الأمة أحوج ما تكون إليها.
هكذا كان كثير من سلفنا من المحدثين سذجا، يصدقون كل ما يسمعون!
هذا يعني أن البخاري لم يكن يحفظ مائة ألف حديث صحيح، فضلا عن حفظه مائتي ألف حديث غير صحيح!؟
بسهولة ويسر؛ لأنه لا يوجد في الدنيا مذ توفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى اليوم (٦٠٠٠) حديث صحيح!
أما ما قاله الشيخ محمد عوامة عافاه الله وشفاه، من أن شيخنا السيد عبدالله سراج الدين، رحمه الله تعالى يحفظ مائة ألف حديث، فقد قرأته في واحد من كتبه قديما، ولم أعره اهتماما، قلت: ربما هو من بابة (كل فتاة بأبيها معجبة).
لكن مكتبتي بالصناديق، لم توضع على الأرفف بعد، وأنا لا أتذكر صيغة كلامه الآن.
لكنني أسأل الذين يصدقون مثل هذا الكلام، الشيخ محمد عوامة نفسه قبل غيره:
إذا كان الذهبي يقول: الأحاديث الصحيحة والحسنة بين (٥٠٠٠ – ٦٠٠٠) وأنت وشيخنا عبدالله سراج الدين مقلدان في نقد الحديث، مثلما أنتما مقلدان في الفروع!
فما حاجة شيخنا السيد عبدالله إلى حفظ (٩٤) ألف حديث ضعيف؟
بل هل يجوز أن يضيع عمره في حفظ ما لا نفع فيه؟
سلمنا بفوائد ذلك، فأين هي هذه الأحاديث (١٠٠) ألف حديث؟
إن الحافظ السيوطي جمع أحاديث (٩٢) كتابا تبلغ مجلداتها أكثر من (٣٠٠) مجلدة قطعا، ولا يبلغ جمع الجوامع (٦٠) ألف حديث!
فهل كان شيخنا السيد عبدالله يحفظ أكثر من (٣٠٠) مجلدة عن ظهر قلب؟
ولا أدل على بطلان هذه الدعوى من الآتي:
من الطبيعي أن الذي يحفظ حديثا من صحيح البخاري، قد كرره البخاري عشرين مرة؛ لا يقول للناس: أنا أحفظ عشرين حديثا
ولو قال بغباء؛ سيقال له: أنت مغفل في أحسن أحوالك، إذ أنت لا تحفظ سوى حديث واحد.
وانظر معي أخي الفاضل إلى هذه الإحصائية لأصول الإسلام التسعة، من دون تكرار:
(٧٤٥) حديثا في موطأ مالك.
(٩٣٣٩) حديثا في مسند أحمد.
(١٦٦٨) حديثا في سنن الدارمي.
(٢٣٦٢) حديثا في صحيح البخاري.
(٢٨٤٦) حديثا في صحيح مسلم.
(٣٩٧٨) حديثا في سنن ابن ماجه.
(٣٧٨٤) حديثا في سنن أبي داود.
(٣٣٦٧) حديثا في جامع الترمذي.
(٢٥١٥) حديثا في مجتبى النسائي.
فيكون عدد أحاديث الكتب التسعة، من دون تكرار (٢٩٦٠٤) أحاديث.
وإذا خصمنا نسبة الاشتراك بين المصنفات (٤٠ – ٦٠%) فيكون مجموع أحاديث الكتب التسعة، من دون تكرار واشتراك؛ يقرب من أربعة عشر ألف حديث!
فإذا كانت مجلدات الكتب التسعة، والتي تزيد على خمسين مجلدا؛ لا تحتوي إلا على أربعة عشر ألف حديث!
فتخيل أخي عدد المجلدات التي زعموا أن شيخنا كان يحفظها.
التقيت شيخنا السيد عبدالله سراج الدين في المدينة المنورة، في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، عقب هجرة كثير من علماء سوريا، على إثر أحداث حماة، بل وقبل ذلك بعدة سنوات.
زرته مرتين أو ثلاث مرات في بيته، كما التقيته في المسجد النبوي الشريف أيضا.
رحب بي الرجل كثيرا، وأثنى على شيخنا محمد الحامد ثناء حسنا.
قلت له: يا شيخنا، درست على يدي ابن أختك الدكتور نور الدين عتر في جامعة دمشق.
ودرست أكثر على يدي ابن أختك الدكتور حسن في جامعة أم القرى، ونعم الرجلان هما (رحمهما الله تعالى)
وكلاهما قال لنا في قاعة الدرس: إن فضيلتكم تحفظون الكتب الستة بأسانيدها؟
ضحك الشيخ كثيرا، وقال: (بأسانيدها كمان؟
لا والله يا أخي، لا أحفظ كتابا واحدا من الكتب الستة، فضلا عن جميعها.
إنما أستحضر استحضارا (مختصر ابن الديبع) ولا أقول: أحفظه!
أعوذ بالله من أن أكون ممن يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا).
وقد تباحثت معه في بعض مباحث علوم الحديث، فوجدته صاحب مصطلح، لا علاقة له بتخريج الحديث، ولا بنقده، ولا يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، إلا إذا كان الحديث في الصحيحين أو احدهما، فيعده صحيحا، كسائر مشايخنا المقلدة، رضي الله عنهم.
ختاما: أنا لا أعرف الشيخ محمد عوامة، ولا جالسته دقيقة واحدة في حياتي.
مثلما لم أجالس الشيخ الألباني، وقد عاصرته خمسين سنة!
فأنا لا أعرف هذا المعرفة الشرعية، ولا أعرف ذاك أيضا.
لكنني أعرف عداب الحمش جيدا.
كل من يخالف عداب الحمش من الأحياء في النقل؛ فعداب الحمش أصدق منه وأشجع وأنبل!
ووالله لو اجتمعت الإنس والجن على خلاف ما أنقل؛ فأنا عند نفسي؛ أوثق منهم جميعا وأضبط!
وعلى هذا ألقى الله تعالى.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كل حال".