أثر منكر جداً (على الصراط جسر عليه الرب) أورده الذهبي في كتاب "العلو" مع بيان تعقبنا عليه:
قال الذهبي في النص رقم (303) في "العلو":
[حديث الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد {إنَّ ربك لبالمرصـاد} قال: وراء الصراط جسور، جسر عليه الأمانة، وجسر عليه الرحم، وجسر عليه الرب عزَّ وجل. رواه العسال بإسناد صحيح].
أقول :
عجيب أن يروى مثل هذا الضلال المبين وغريب، رواه الحاكم في "المستدرك" (2/523)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/345)، قال الحاكم: [أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري، ثنا إبراهيم بن هلال، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أنبأ أبو حمزة، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله...] به وقال البيهقي عقبه في "الأسماء والصفات": [هذا موقوف على عبد الله، قيل: هو ابن مسعود رضي الله عنه، ومرسل بينه وبين سالم بن أبي الجعد، ورواه أبو فزارة عن سالم بن أبي الجعد من قوله غير مرفوع إلى عبد الله، وإن صح فإنما أراد والله أعلم أن ملائكة الرب يسألونه عما فرط فيه]. وهذا التأويل من البيهقي ركيك مردود! وكان عليه أن يقول: (فإن صح عنه فإنما هو من جملة الإسرائيليات القبيحة الشنيعة). وعبدالله عندنا هو ابن عمرو بن العاص وهو من أكبر رواة الإسرائيليات. وصححه الحاكم هناك ووافقه الذهبي فقال: صحيح، وهو مما لا يستريب العاقل في كونه من فظائع وشنائع ما نقل من الإسرائيليات. وقد روياه – الحاكم والبيهقي – عن سالم عن عبدالله دون بيان من هو عبد الله، وأُرَجِّح بأنه عبد الله بن عمرو بن العاص لأن سالم بن أبي الجعد من جملة الرواة عن ابن عمرو كما في ترجمته، وهذا النص الإسرائيلي الفظيع أليق بعبد الله بن عمرو من عبدالله بن عباس وبعيد جداً عن ابن مسعود، لكن حاولوا أن يلصقوه بابن مسعود لِيَرُوج. وعلي بن الحسن بن شقيق ضعيف وراوي إسرائيليات! قال الخطيب البغدادي في تاريخه (11/370) في ترجمة ابن شقيق هذا: [وكان أول أمره المنازعة مع أهل الكتاب حتى كتب التوراة والإنجيل(!) والأربعة والعشرين كتاباً من كتب ابن المبارك، ثم صار شيخاً ضعيفاً لا يمكنه أن يقرأ..]. وأعلى ما قيل فيه قول أحمد: (لم يكن به بأس إلا أنهم تكلموا فيه في الإرجاء وقد رجع عنه). "تهذيب التهذيب" (7/263) للحافظ ابن حجر. وهذا يفيد أنه ليس بذاك، والذي يقطع الأمر بكونه ضعيفاً أن أبا حاتم الرازي (الجرح والتعديل6/180) قال عنه: (هو أحب إليَّ من علي بن الحسين بن واقد). وابن واقد قال عنه أبو حاتم: (ضعيف الحديث). فأبو حاتم يقارن بين ضعيفين وليس بين ثقة وضعيف. فهذا واضح في أن أبا حاتم يضعفه عند كل من يفهم. وكان له حفيد وضاع وهو: [أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أبو بكر المروزي يضع الحديث] كما في "الضعفاء" لابن عدي (1/205) وروى عن جده هذا أحاديث موضوعات. فهو حقاً من جملة الخرافات الإسرائيلية التي نقلها سالم بن أبي الجعد عن أهل الكتاب أو من اتصل بهم. لأن سالماً كما تقدَّم روى عن عبدالله بن عمرو بن العاص وهو من هو. قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (3/373): [وقال أبو حاتم عن أبي زرعة: سالم بن أبي الجعد عن عمر وعثمان وعلي مرسل. قال علي – ابن المديني -: لم يلق ابن مسعود ولا عائشة]. قلت جاء بهذا ابن حجر من كتاب "المراسيل" لابن أبي حاتم ص (80) ومن العجيب أن "تهذيب الكمال" مع حواشيه وتعليقاته خلو من هذه الفائدة الثمينة جداً. قال ابن أبي حاتم الرازي في كتابه "المراسيل" ص (80): [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ. وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِّي: سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ]. وللفائدة أقول: قال لي مرة الشيخ شعيب الأرنأوط – وذلك قبل أن يكتمل إخراج وطباعة وتحقيق كتاب "تهذيب الكمال" وكان قد ظهر منه بعض مجلداته – : (إذا تم إخراج "تهذيب الكمال" بهذا التحقيق أحرق كتاب تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر) وكلام الشيخ شعيب هذا هراء لا قيمة له! وهذا المثال من أدلة ذلك.
ونعود لهذا الأثر المنكر فنقول: نسأل الذهبي هنا ومن ينغرُّ بكلامه فنقول: هل تعتقدون بأنَّ الله تعالى يكون على الجسر الثالث إذا صحَّ السند؟! جالساً أم قائماً أم طائراً؟! سبحانه وتعالى عما تقولون وتتصوَّرون أيها المجسمة علواً كبيراً!! وقد تقدَّم مثل هذا الأثر القبيح برقم (277) وهو من جملة الموضوعات عن أبي أمامة: عن [سليمان بن حبيب المحاربي، قال: نزلنا حمص قافلين من الروم فإذا بعبدالله ابن أبي زكريا ومكحول، فانطلقنا إلى أبي أمامة فإذا هو شيخ هرم، فلـمَّا تكلَّم إذا رجل يبلغ حاجته ويزيد، فوعظنا وقال: (إياكم والظلم، فإنَّ الله جلَّ جلاله يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوز بي اليوم ظالم)] (!!) تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً! استنكره الذهبي عقب النص (277) وقد رواه العقيلي في "الضعفاء" (3/221) وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/127)، وأورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة" (1/146)، وأصل الحديث رواه الطبراني في الكبير (8/100) عن أبي أمامة من قوله وفيه: (إن جهنم جسراً له سبع قناطر على أوسطهن القضاء فيجاء بالعبد حتى إذا انتهى إلى القنطرة الوسطى قيل له ماذا عليك من الدين؟..). فتم تحريفه بعد ذلك إلى اللفظ الذي أورده الذهبي هنا، وقام بذلك المتخصصون في ترويج التشبيه والتجسيم. ثم هذا موقوف وهو من جملة ما نقله أهل الشام عن كعب الأحبار من الخرافات. وعثمان بن أبي العاتكـة الذي في إسناده قال النَّسائي فيه: ((ضعيف)). وقال ابن معين: ((ليس بشيء)). انظر ((الميزان)) (3/40) و ((تهذيب الكمال)) (19/397).
(تنبيـه مهـم): لم يستح الألباني المتناقض!! من إيراد هـذا الأثر الساقط – أعلاه – في ((مختصر العلو)) ص (131) بل زاد عزوه للأسماء والصفات للبيهقي ص (432) ومستدرك الحاكم (2/523) دون أن ينبّه على أن هذا من جملة الخرافات الإسرائيلية!! فلا ندري هل يعتقد بما فيه أم لا؟! وهل يجوز أن يغرر الناس بتصحيح سنده عن سالم بن أبي الجعد؟! وكم لهذا المتناقض!! من طامات موبقة في ((مختصر العلو)) تدل على أنه لا يستعمل عقله البتة رغم إرشاد القرآن الكريم إلى وجوب استعمال العقل وإعماله!! وإنما غاية هذا الرجل في غالب أحيانه النظر إلى السند فقط!! فالقضية عنده هي: صحَّ السند أم لم يصح!!
والله تعالى أعلم.
أثر منكر جداً (على الصراط جسر عليه الرب) أورده الذهبي في كتاب "العلو" مع بيان تعقبنا عليه:
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm