صفحة 1 من 1

حسن السقاف يقول: (عقيدة التنزيه) والفكر الإسلامي الذي ندعو له:

مرسل: الأحد نوفمبر 12, 2023 12:32 pm
بواسطة cisayman3
مما ينبغي أن نبينه ونوضحه ونؤكده لكم (رغم مقالات التائهين والمرجفين والحاقدين والحاسدين والمخالفين): أن من المعلوم عنا عند الموافقين والمخالفين بأننا نقول القول الذي نقتنع به ولا نهاب في ذلك أحداً إلا الله تعالى ولا نتحسب عواقب الصدع به ما دام هو الحق الذي نعتقده، ونعتقد أن رضى الله تعالى فيه، ولذلك نقول:
إن انتماءنا العقائدي والفكري هو لمدرسة أهل السنة والجماعة، وأصل تكويننا الفكري في المذهب الأشعري السني المبني على التنزيه المنتمي لهذه المدرسة. وخيمة أهل السنة والجماعة تجمع مذاهب غير متفقة عقائدياً وهم السلف من العلماء المتقدمين على اختلافهم قبل الأشعري (ت324هـ)، وقبل الماتريدي (333هـ)، وقبل ابن كُلاَّب (240هـ تقريباً)، كما يجمع مسمى أهل السنة أيضاً: الأشاعرة على اختلاف مذاهبهم العقائدية، والماتريدية المختلفين معهم، وأهل الحديث، والظاهرية كابن حزم، وكذا الحنابلة بما فيهم المنزهين كابن عقيل وابن الجوزي، والمشبهين من المجسمة والحشوية كأبي يعلى وابن بطة وابن تيمية وأضرابهم.
وهنا لا بد أن ننبه أصحابنا على أسس مهمة عندنا في منهاجنا العقائدي:
1- الأشاعرة المنزهون الذين نعنيهم ونحترمهم ونجلهم ليسوا مذهبا واحداً، فهناك اختلافات بينهم، ومنهم من له أخطاء فادحة لا يجوز أن يتابع عليها كالعضد الإيجي (ت756هـ) القائل بأن كلام الله تعالى حروف وأصوات قديمة وهذا مذهب منحرف معلوم الفساد.
2- فالعقائد لا يجوز فيها التقليد عند أهل العلم، خاصة العلماء، فنحن لا نقلد ما قاله فلان ولا فلان ولا ما هو منصوص عليه في كتاب فلان وفلان، قال الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي الأشعري في العواصم (55): (إذا سمعت أني أشعري كيف حكمت بأني مقلد له في جميع قوله ؟! وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار، وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل).
فعلم التوحيد للمتمكن من النظر في الأدلة المميز بين ما يصح منها وما لا يصح هو
كما قال صاحب إضاءة الدجنة:
فإنه بنوره ينقذ من //////// ظلمة تقليد فنفعه ضمن
وكم به لعلماء المله //////// من كتب بالقصد مستقله
وقال السيوطي في نظم جمع الجوامع:
يمتنع التقليد في العقائدِ ////////// للفخر والأستاذ ثم الآمدي
3- نحن مع الدليل حيثما دار فلسنا مع فلان أو فلان أو ضد فلان أو فلان أصالة بالتقليد الأعمى، بسبب جلالة فلان وعظمة فلان ومنزلة فلان.
كما قال القائل الإباضي جزاه الله خيراً:
فإنني أقفو الدليل فاعلما ////////// لم أعتمد على مقال العلما
فالعلماء استخلصوا ما استخلصوا ///////// من الدليل وعليه عولوا
فهم رجال وسواهم رجل ////////// والحق ممن جاء قطعاً يقبل
فلا يُؤثّر علينا أو عندنا قول من نسبنا لغير المذهب الذي بينا انتسابنا له، وما علينا بمن يرمينا بالتهم المختلفة فيقول: معتزلي أو شيعي أو إباضي أو خليط، فإنني لست كذلك، مع أن الفِرَق المذكورة وغيرها من الفرق المحترمة ليست سبة ولا عاراً بل هي من جملة مذاهب أهل الحق المقبولة المحترمة، ولكن التعصب يعمي ويصم. وهذه التهم قالتها فئتان من الناس:
الفئة الأولى: المتمسلفون الوهابيون الذين يرمون مخالفيهم بالباطل وبما هم بريئون منه بقولهم كذاب، مدلس، صاحب فتنة، رافضي، شيعي خبيث، جهمي، معتزلي،... إلى آخره.
والفئة الثانية: الحسدة الكائدون (المتعصبون أو المغشى على عقولهم من المقلدين) من أصحابنا المتمذهبين الذين يعتبرون أنفسهم من الأشاعرة أو الماتريدية أو الصوفية الذين وجدوا قول السلفية الوهابيين يوافق أهواءهم في هذه التهم ويشفي غليلهم (حسداً من عند أنفسهم) ولم يدركوا ما نقوم به من خدمةٍ لمذهب أهل السنة المنزهين ودفاعٍ عنه.
4- قصدنا وهدفنا وغايتنا (بيان الإيمان الحق) ودعوة الناس إلى عقيدة التوحيد المبنية على تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، وكشف فساد عقيدة المشبهة والمجسمة والمنحرفين عن عقيدة الإسلام الحقة، والدعوة إلى المذاهب الإسلامية الفقهية المحترمة المعروفة، وإلى كتب العلماء والفقهاء السابقين من غير تعصب ومن غير اعتقاد العصمة لهم.
وقد رأينا من الواجب علينا من نحو ثلاثين سنة أن نغربل كتب العقائد التي تمثل (مذهب الأشاعرة المنزهين) لأننا وجدنا بأن كتب العقائد التي بين أيدينا والتي صنفها بعض الأشاعرة المنزهين تحتوي على بعض الأخطاء، لأن أكثر مصنفيها غير متمكنين في علم الحديث والتمييز بين صحيحه وضعيفه مع أن الحديث النبوي الشريف ثاني الأدلة الشرعية.
ثم إنه لم يتفق مصنفو تلك الكتب من المتون والحواشي على كل ما فيها بل بينهم خلاف، وفيها أحاديث لا تصح وقصص وحكايات ومنامات وأحلام استدل بها موردوها على أحقية ما يذهبون إليه، وأن هذه الكتب كشروح الجوهرة والسنوسية وحواشيها والخريدة وشروحها وأمثالها لا تستطيع الوقوف أمام الفكر السلفي الوهابي الذي يعتمد على ظواهر نصوص الكتاب والسنة وأقوال علماء السلف ويتظاهر بالتمسك بها، زيادة على ما في تلك المتون والشروح والحواشي من الأساليب المعقدة والمقفلة التي لا تمكن دارسيها من الحوار مع التيار السلفي ـ المبني بنظرنا على التشبيه والتجسيم ـ والرد عليه واقناع الناس بفساده وبطلانه.
وبحمد الله تعالى صارت كتب العبد الفقير لله تعالى أساساً متيناً ومنهجاً واضحاً عند كثيرين جداً من الرادين على الوهابية السلفية في العالم لأن فيها حلولاً للمشكلات التي يثيرها التيار الحنبلي والمشبهة والمجسمة والوهابية سابقاً ولاحقاً.
وبعض مَن أخذ من كتبنا واستفاد منها يظهر الاعتماد على كتبنا وبعضهم لا يظهره، وبعضهم معذور في ذلك وبعضهم غير معذور، لكن ينبغي أن ينفض أهل الحق غبار الخوف والخشية من قلوبهم ويخرجوا من قمقم الجبن والحسابات الكثيرة التي لا داعي لها. وأنبّه هنا إلى أن عدداً من أهل العلم المخالفين لنا في الظاهر وبعضهم توفي وبعضهم ما يزال حياً قال لي: إن ما تقوله مما يعده بعض الناس من المخالفات ومما ينكرونه مثل مسألة معاوية وبعض الأمور العقائدية نحن نوافقك عليها ولكن لا نجرؤ على قولها وإظهارها، فلمتهم على ذلك، لكنهم هم أعلم بحالهم وبمصلحة أنفسهم.
وقد قلت في أول دفاعي عن مذهب الأشاعرة الذي أنتمي إليه قبل نحو (30) سنة في كتابي ((إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشر)) ص (20) الطبعة الأولى 1410هـ - 1990م:
(على أنّنا غير ملتزمين بما يقول الأشعري... بل قد نخالفه في أمور، وعلماء الأمّة الأشاعرة خالفوه في أمور لكنهم ينسبون إليه لأنّ النّسبة إليه صارت عَلَماً على أهل السنّة والجماعة، والحمد لله).
فهذا الكلام بينا فيه بوضوح أننا غير ملزمين بالأشعري بل نخالفه ويخالفه الأشاعرة، ونحن إذ ذاك دافعنا عن عقيدة التنزيه التي يتبناها أهل السنة والجماعة المنزهون، كما يجد ذلك كل عاقل منصف يراجع ما كتبناه، وما علينا بالحسدة والكائدين والمشوهين والمشوشين وأصحاب الأغراض والمصالح والمتربصين والماكرين، نسأل الله تعالى لهم الهداية.
وأما التسمية بالأشاعرة: فإن قيل ولم سميَ هؤلاء العلماء المنزهة من أهل السنة بالأشاعرة طالما أنهم لا يوافقون الأشعري فيما يقوله ؟
فالجواب: أن هذه تسمية أشاعها بعض العلماء للتمييز بينهم وبين الحنابلة المجسمة والظاهرية والحنابلة المنزهة الفضلاء كابن الجوزي وابن عقيل، وإلا فهؤلاء الذين يطلق عليهم (أشاعرة) لا يصر أكثرهم على هذه التسمية، وتسميتهم الحقيقية هي: (أهل السنة المنزهين) لأن هناك أهل سنة غير منزهين كابن تيمية وابن قدامة وابن بطة والزاغوني وأبي يعلى، فعلماء المذاهب السنية الأربعة لا يقتدي جميعهم بشخص الأشعري وبفكره وإن إطلق عليهم الناس لقب (أشاعرة)، وهذا يحتاج إلى كلام طويل ينسف ترهات كثير من المتعصبين والإنشاءيين في هذه القضية، وإليكم بعض ذلك وهذا ليس من عندي وإنما هو كلام علماء أهل السنة أنفسهم الذين يظن المقلدة بأنهم أشاعرة، ومن أدلة ذلك:
ما تقدم من قول القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (الذي يعتبر عرفاً من الأشاعرة) في العواصم (55): (إذا سمعت أني أشعري كيف حكمت بأني مقلد له في جميع قوله ؟! وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار، وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل).
وقال ابن عساكر أيضاً في ((تبيين كذب المفتري)) نقلاً عن قاضي العسكر ص (140):
[وصنف أصحاب الشافعي كتباً كثيرة على وفق ما ذهب إليه الأشعري إلا أن بعض أصحابنا من أهل السنة والجماعة خَطّأ أبا الحسن الأشعري في بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوها على ما يبين في خلال المسائل إن شاء الله تعالى فمن وقف على المسائل التي أخطأ فيها ابو الحسن وعرف خطأه فلا بأس له بالنظر في كتبه فقد أمسك كتبه كثير من أصحابنا من أهل السنة والجماعة ونظروا فيها].
وهذا كلام صريح من أئمة أهل السنة في تخطئة أبي الحسن الأشعري في
مسائل!! وأن له أخطاء عقائدية فهم مخالفون له في الأصول!!
وقال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في ((فيصل التفرقة)) ص (39):
[فإن زعم ـ صاحبك ـ أن حدَّ الكفر ما يخالف مذهب الأشعري أو مذهب المعتزلي أو الحنبلي أو غيرهم فاعلم أنه غر بليد، قد قيَّده التقليد، فهو أعمى من العميان، فلا تضيِّع بإصلاحه الزمان...].
وصرّح السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (5/192) بأن إمام الحرمين (لا يتقيد بالأشعري).
وعدّ ابنُ عبد البر الأشاعرة من أهل البدع والأهواء كما في مقال سابق. مع أننا ننكر عليه ونخالفه في ذلك.
ونص ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص (115) أن أبا الحسن الأشعري إذا خالف الشافعي خالفنا الأشعري.
وقال ملا علي القاري الحنفي الماتريدي في شرح الفقه الأكبر ص (35):
[فالصفات الأزلية عندنا ثمانية لا كما زعم الأشعري..].
وقال العلامة أبو اليسر البزدوي الحنفي الماتريدي (ت 493هـ) في كتابه أصول الدين ص (53): [قال أبو الحسن الأشعري: الطاعات والمعاصي والمباحات كلها برضا الله ومحبته... وخالف أبو الحسن الأشعري أهل السنة والجماعة في هذه المسألة]. ثم ذكر ص (252) مسائل عديدة خالف فيها أبو الحسن الأشعري عامة أهل السنة والجماعة.
ومر معنا أيضاً أن ابن حزم وهو من أهل السنة والجماعة اتفاقا قال في ((الفصل في الملل والنحل)) (2/127):
[وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مُدْخِلٌ في قول المجسمة]!
ونص الفخر الرازي في مسائل عديدة اختارها أنه يقول فيها: (خلافاً للأشعري) منها قوله في كتابه أصول الدين ص (68): ((المسألة التاسعة عشرة: أنه تعالى باق لذاته خلافاً للأشعري)).
ومن هذه النصوص يتبين بكل وضوح أن أهل السنة (الذين يطلق عليهم أشاعرة) لم يوافقوا على تقليد الأشعري وكثير منهم مخالفون له وخاصة في إثبات الأعضاء التي يسميها صفات، وأنه ليس بيد فلان أو فلان من المتعصبة إخراج من شاءوا من أهل السنة وإدخال من أرادوا إلى أهل السنة.
ونحن لا نريد أن يقع هؤلاء المتعصبون فيما وقع به الشاذون من أمثال الحنابلة المتقدمين الذين قالوا: (ما كان وليٌّ ولا يكون إلا على مذهب أحمد) ولا كما وقع فيه ابن تيمية وشيعته من رمي مخالفيهم بالخروج من أهل السنة وإلحاقهم بالجهمية والمعطلة، ولا بما وقعت فيه الأمم الأخرى كمثل قولهم الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز: { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
فنحن من أهل السنة وممن يطلق عليهم (الأشاعرة المنزهون) ولا قيمة عندنا لقول القاصرين الذين ليس لديهم وعي كاف في التحكم بأهل السنة وإدخال من شاءوا وإخراج من شاءوا، كما أنه ليس لدينا شرط دخول الجنة أو النار أن يكون فلان من أهل السنة أو من الأشاعرة، وعلى الخائفين الوجلين أن يتركوا الخوف والتردد والحسابات لزيد وعمرو فالحق لا يظهر إلا بالشجاعة وإظهار المواقف، والإشارة تكفي اللبيب، قال تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }.
ونحن موافقون في ذلك منهج شيخنا الإمام العلامة الشريف سيدي عبد الله ابن الصديق الغماري (الذي كان يقول لي: التقليد لا يأتي بخير وكان يأمرنا باتباع الدليل) فإذا خالفنا في بعض المسائل جمهور الأشاعرة من أصحاب الحواشي أو غيرهم فلا يعني هذا أننا لسنا من أهل السنة أو ممن يطلق عليهم أشاعرة، وسأقتصر على مثال واحد الآن يبين أن السيد الغماري قد يخالف الأشاعرة في بعض المسائل ولم يخرجه ذلك من أهل السنة:
قال سيدي عبد الله أعلى الله درجته في كتابه ((بدع التفاسير)) ص (119):
[تفضيل الملائكة على الأنبياء وهذه مسألة فيها خلاف معروف ولنا فيها رأي يخالف مذهبي الأشعرية والمعتزلة]. ولا نود ههنا الإطالة بنقل النصوص.
قال الإمام الغزالي في ((المستصفى)) (2/387): ((التقليد هو قبول قولٍ بلا حجة وليس ذلك طريقاً إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع، وذهب الحشوية والتعليمية إلى أن طريق معرفة الحق التقليد وأن ذلك هو الواجب وأن النظر والبحث حرام ويدل على بطلان مذهبهم مسالك)).
5- وأما قضية معاوية وشيعته فموقفنا فيهم كموقف كثير من علماء أهل السنة والجماعة، فنحن نراهم بغاة آثمون غير مجتهدين، ويتلخص قولنا فيهم فيما قاله جماعة من أئمتنا الذين اتفق اجتهادنا مع اجتهادهم في هذه المسألة عن دليل وبرهان، ومن أولئك:
أ- من الأشاعرة العلامة سعد الدين التفتازاني (توفي 793هـ) ـ والتفتازاني ترجمه ابن حجر في ((الدرر الكامنة)) (4/350) ـ قال السعد التفتازاني في ((شرح المقاصد)) (5/310):
[يعني ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب المُلك والرياسة، والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخير موسوماً......
أما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال......
فلعنة الله على مَنْ باشَرَ أو رضِيَ أو سعى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى].
ب- منهج ساتنا الغماريين: قال سيدي عبدالله ابن الصديق الغماري في الجزء الثالث من ((فتاواه)) ص (32):
[ومعاوية أسهم في قتل الحسين عليه السلام لأنه كان يريد أن ينفرد بالملك ويجعله وراثة في بني أمية، وهو من مسلمة الفتح الطلقاء، ومسلمة الفتح نوعان: نوع حسن إسلامه فكان صحابياً فاضلاً مثل حكيم بن حزام وعتاب بن أسيد، ونوع لم يحسن إسلامه مثل معاوية وأبيه وبسر بن أرطأة السفاك عامل معاوية على اليمن، وليس كل صحابي فاضلاً بل فيهم منحرفون عن الجادة مثل سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وجرير بن عبدالله البجلي ورئيسهم معاوية الباغي بنص الحديث].
ج- من أئمة السلف والمحدثين ومن رجال الصحيح:
أبو غسان النهدي الكوفي وأئمة الحفاظ والمحدثين الكوفيين من شيوخ البخاري وأبو زرعة وأبي حاتم وطبقتهم:
أورد الذهبي في ((سير النبلاء)) (10/432) في ترجمة أبي غسان النهدي وهو من رجال الستة قال: [أبو أحمد الحاكم: حدثنا الحسين الغازي قال: سألت البخاري عن أبي غسان قال: وعمَّاذا تسأل ؟ قلت: التشيع. فقال: هو على مذهب أهل بلده ولو رأيتم عبيدالله بن موسى، وأبا نُعَيم وجماعة مشايخنا الكوفيين لما سألتمونا عن أبي غسان. قلت (الذهبي): وقد كان أبو نُعَيم وعبيد الله مُعَظِّمَين لأبي بكر وعمر، وإنما ينالان من معاوية وذويه] انتهى كلام الذهبي.
وأما عبيد الله بن موسى: فلم يَدَعْ أحداً اسمه معاوية يدخل بيته ولا كان يحدث قوماً فيهم مَنْ اسمه معاوية كما في ترجمته في ((سير النبلاء)) (9/556-557).
د- الإمام عبد الرزاق صاحب المصنف المتوفى سنة (211هـ): في ((سير أعلام النبلاء)) (9/570) قال عبد الرزاق لرجل: [لا تقذِّر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان].
وهو في ترجمة الإمام عبد الرزاق في ((ميزان الاعتدال)) (2/610) و ((الضعفاء للعقيلي)) (3/109).
والحافظ عبد الرزاق من أئمة أهل السنة والجماعة وليس من علماء الشيعة الإمامية أو غيرهم، وهو من شيوخ أحمد وإسحاق ومحمد بن يحيى الذهلي ويحيى بن معين وغيرهم.
هـ - الإمام النسائي صاحب السنن (توفي 303هـ): قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/133) في ترجمة الإمام النسائي: [فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام عليٍّ كمعاوية وعمرو].
وقال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (7/104):
[وقد ورد في فضل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما].
و- الإمام الحاكم صاحب المستدرك (توفي 405هـ):
وفي سير أعلام النبلاء (17/175) و طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي (4/163): لما قيل للحاكم حدِّث بفضائل معاوية حتى يكفُّوا عنك،
فقال: (لا يجـيىء من قلبي. يعني معاوية).
وكل هؤلاء من شيوخ وأئمة أهل السنة والجماعة وليسوا من أئمة الشيعة أو الروافض وإن نعتوا بعضهم بذلك في تراجمهم، فقولنا يوافق قولهم في معاوية وشيعته البغاة.
6- أن الأدلة الشرعية المعتبرة عندنا هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة الثابتة التي لم يعارضها ما هو أقوى منها كما بيناه في كتبنا العقائدية، والإجماع الذي هو إجماع الفرق الإسلامية المعتبرة التي نص عليها كبار الأئمة والعلماء المبينة كذلك في كتبنا، والعقل الذي هو الأساس في التكليف.
ومن تلك القواعد فيما يتعلق بالسنة عدم صحة كل ما في الصحيحين من الأحاديث مع احترام وإجلال البخاري ومسلم كباقي أصحاب كتب الأحاديث التي ضعف العلماء وصححوا من أحاديثها، فالتنزه عن الخطأ فقط هو لكتاب الله تعالى، وقد نقد علماء كثيرون من أهل السنة والجماعة أحاديث في الصحيحين، كالدارقطني والنووي وابن حزم والفخر الرازي وكثيرون، وليس لأحد أن ينتقدنا أو يمنع، ويكفي للمعترض أن نورد له قول الفخر الرازي في كتابه أساس التقديس ص (170) الذي يقول فيه:
[اشتهر فيما بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قبلوها، وأيُّ منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية ويبطل الربوبية ؟ فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة. وأما البخاري والقشيري فهما ما كانا عالمين بالغيوب، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا فذلك لا يقوله عاقل، غاية ما في الباب أنا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم، إلا أنا إذا شاهدنا خبراً مشتملاً على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدّثين].
7- أننا (لا نفرض رأينا على الناس) وإنما نبين مذهبنا ودليلنا وكذلك نبين دليل مخالفنا مع نقد الدليل وسبب عدم أخذنا به.
وكذلك (لا نعادي مخالفنا في الرأي) ما لم يصل إلى درجة يفرض علينا أن نرد عليه ونبين فساد قوله أو يعادي المذاهب والفرق الإسلامية المعتبرة المعتد بها في الاتفاق والاختلاف، والمنصوص عليها في كتب الأصول.
هذه جملة من القواعد التي أحببنا التنبيه عليها في منهجنا العقائدي.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
_______________(تعليقات مفيدة)___________
ولبيان الاختلاف بين منهج أبي الحسن الأشعري ومنهج الأشاعرة من بعده، أعرض بعض الآراء العقدية الواردة في كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري، وكتاب الإرشاد للجويني كنموذج، للوقوف على هذه الاختلافات.
هذه بعض النماذج من تأويل الصفات الإلهية في "كتاب الإرشاد"، حيث نجد الجويني يؤول الأسماء والصفات الإلهية التي يوحي ظاهرها بالتشبيه والتجسيم؛ بينما نجد العكس في "كتاب الإبانة" الذي يثبت الصفات على ظاهرها كما هي دون تأويل، وإن أفادت التشبيه والتجسيم.
في "كتاب الإرشاد" ينفي الجويني الجهة والعلو المكاني عن الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك يقول: "ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات"[الإرشاد للجويني، ص:39]، بينما يثبت الأشعري في "كتاب الإبانة" الجهة والعلو المكاني لله؛ إذ يقول: "ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم يقولون جميعا: (يا ساكن السماء)، ومن خلفهم جميعا: (لا والذي احتجب بسبع سموات)"[الإبانة عن أصول الديانة، فوقية حسين، ج:2، ص:115]
وفي مسألة الاستواء نجد الجويني يؤول معنى الاستواء بالقهر والغلبة والاستعلاء، وأن حمل الاستواء على الاستقرار موقع في التجسيم، وذلك في تأويله قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾[طه:5]، حيث قال: "لم يمتنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة، وذلك شائع في اللغة، إذ العرب تقول استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب...إن رام السائل إجراء الاستواء على ما ينبئ عنه ظاهر اللسان، وهو الاستقرار، فهو التزام للتجسيم"[الإرشاد للجويني، ص: 40-41]، وهذا مخالف لما في الإبانة حيث ذهب الأشعري إلى أن الله سبحانه مستقر على العرش بذاته، فيقول: "ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء، لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماء"[الإبانة، ج:2، ص:107] ويقول: "أن الله تعالى على عرشه في السماء"[المصدر نفسه، ص:119].
وفي تأويل صفات اليدين والعينين والوجه، يقول الجويني: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل. والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود"[الإرشاد، ص:155]، في حين يثبت الأشعري اليدين والعينين لله حقيقة فيقول: "وأن له سبحانه يدين بلا كيف، كما قال سبحانه: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75]، وكما قال: ﴿يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾[المائدة:64]"[الإبانة، ج:2، ص:22]، "وأن له سبحانه عينين (بلا كيف)، كما قال سبحانه: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾[القمر:14]"[المصدر نفسه، ص:22]، "وأن له سبحانه وجها (بلا كيف) كما قال ﴿وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[الرحمن:27]"[المصدر نفسه، ص:22]، و"قال الله تبارك وتعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص:88]...فأخبر أن له (سبحانه) وجها لا يفنى ولا يلحقه الهلاك"[المصدر نفسه، ص:120]، وكل هذه المعاني التي ذكرها الأشعري في "كتاب الإبانة" تفيد التشبيه والتجسيم.
وفي حديث النزول المروي عن رسول الله (ﷺ) (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأجيب له)، فقد أوله الجويني بنزول الملائكة إذ يقول: "والوجه حمل النزول، وإن كان مضافاً إلى الله تعالى، على نزول ملائكته المقربين، وذلك سائغ غير بعيد"[الإرشاد للجويني، ص: 161]، وفي الإبانة للأشعري يثبت نزول الله سبحانه من الأعلى إلى الأسفل، من العرش الذي فوق سبع سموات إلى السماء الدنيا[كتاب الإبانة، ج:2، ص:110 وما بعدها] تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وفي مسألة لفظ القرآن يرى الجويني أنه حادث؛ وفي ذلك يقول إن "كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف، مخطوط في الصدور، وليس حالاًّ في مصحف، ولا قائما بقلب. والكتابة قد يعبر بها عن حركات الكاتب، وقد يعبر بها عن الحروف المرسومة، والأسطر المرقومة، وكلها حوادث"[الإرشاد للجويني، ص: 132]، بينما يذهب الأشعري في الإبانة؛ إلى أن القرآن بكامله غير مخلوق، حيث يقول: "فإن قال قائل: حدثونا عن اللفظ بالقرآن، كيف تقولون فيه؟ قيل له: القرآن يُقرأ في الحقيقة ويُتلى ولا يجوز أن يقال يُلفظ به، لأن القائل لا يجوز له أن يقول: إن كلام الله ملفوظ به، لأن العرب إذا قال قائلهم لفظت باللقمة من فمي فمعناه رميت بها، وكلام الله تعالى لا يقال يُلفظ به، وإنما يُقال يُقرأ ويُتلى، ويُكتب ويُحفظ. وإنما قال قوم لفظنا بالقرآن ليثبتوا أنه مخلوق، ويزينوا بدعتهم، وقولهم بخلقه ويدلسوا كفرهم على من لم يقف على معناهم، فلما وقفنا على معناهم أنكرنا قولهم، وكذا لا يجوز أن يُقال؛ إن شيئا من القرآن مخلوق لأن القرآن بكامله غير مخلوق"[الإبانة، ج:2، ص:101].
لقد كان الجويني ينزع إلى التأويل عند ظواهر النصوص، ويرى الإعراض عنه عند وجود المتشابهات يوقع في اللبس والإيهام والزلل في الاعتقاد؛ حيث يقول: "والإعراض عن التأويل حذرا من مواقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام، واستزلال العوام، وتطريق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض كتاب الله تعالى لرجم الظنون"[الإرشاد، ص: 42].

فيما يتعلق بالأشاعرة، لقد خالف الأشاعرة أبا الحسن الأشعري في كثير من آرائه العقدية، قال السيد حسن السقاف: "إن ما ينقله أتباعه عنه خلاف ما هو مسطر في الكتب والمصنفات التي تنسب إليه"[نقد كتاب العلو للذهبي، السيد حسن السقاف، ص:511]، و"أن الأشاعرة المتأخرين لا يسايرونه على عقيدته في الصفات وما يتعلق بها؛ التي أودعها في الإبانة"[السيد حسن السقاف، شرح الإبانة، ص: 39]، و"المذهب الأشعري في غالب مسائله وقضاياه لا يساير كتاب "الإبانة"...والأشاعرة أو الأشعرية على التحقيق ليس مذهبا واحدا أو نهجا واحدا وإنما هو عدة أشكال واتجاهات من المذاهب والمناهج"[السيد حسن السقاف، شرح الإبانة ص: 16]، وقد خالف الأشاعرة منهج أبي الحسن الأشعري، وخاصة في كتاب الإبانة، الذي يحتوي على عقائد التجسيم والتشبيه، هذه العقائد الموجودة في "كتاب الإبانة" هي نفسها عقائد الحنابلة المجسمين.
القول بالتجسيم والتشبيه خطر على عقيدة المسلمين، فالإسلام ينبذ مثل هذا الاعتقاد، ويدعو إلى التنزيه، الذي هو أصل الاعتقاد، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:11]، خلافا لاعتقاد المجسمة والمشبهة الذين يقولون بالوجه والعينين واليدين والساق والجنب والجهة والعلو والنزول والاستواء بمعنى الجلوس والاستقرار، وتشبيهه تعالى بالمخلوقات، كما في "كتاب الإبانة" للأشعري، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والأصل في النصوص المتشابهة الذي يوحي ظاهرها بالتشبيه هو التأويل؛ وليس الإعراض عن التأويل بدعوى الخشية من الوقوع في المحذور، قال الجويني: "والإعراض عن التأويل حذرا من مواقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام، واستزلال العوام، وتطريق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض كتاب الله تعالى لرجم الظنون"[كتاب الإرشاد، الجويني، ص:]42، وقال السبكي: "إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإصرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد"[الطبقات، السبكي، 5/192]، وقال ابن حجر العسقلاني: "فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم"[فتح الباري، 13/432].