صفحة 1 من 1

النقض على من يدعي أن ( اللقاء ) الوارد في الآيات بمعنى الرؤية:

مرسل: الجمعة نوفمبر 29, 2024 1:36 pm
بواسطة عود الخيزران
النقض على من يدعي أن ( اللقاء ) الوارد في الآيات بمعنى الرؤية:

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الرابعة :
ادعاؤهم أن اللقاء يعني الرؤية

ومن القواعد المزعومة التي ابتدعها القائلون برؤية الله تعالى أن اللقاء يعني الرؤية وذلك لتطويع نص الآية الكريمة { تحيتهم يوم يلقونه سلام } (الأحزاب/44) ليثبتوا أن لقاء العباد يعني رؤيتهم لله تعالى .
فقد قال أبو المظفر الإسفراييني في كتابه (( التبصير في الدين )) ص (157) : [ واللقاء إذا أطلق في اللغة وقع على الرؤية خصوصاً حيث لا يجوز فيه التلاقي بالذوات والتماس بينهما ] .
والأغرب من ذلك أن يدّعي ابن القيم إجماع أهل اللغة على هذه القاعدة الباطلة التي لا أساس لها في لغة العرب ، فقد قال في (( حادي الأرواح )) ص (198) : [ وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ] .
وقال ابن القيم أيضاً في (( حادي الأرواح )) ص (239) : [ قال أبو
عبد الله بن بطة : سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول : سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً يقول في قوله تعالى { وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلام } : (( أجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة و نظراً بالأبصار )) ، وحسبك بهذا الإسناد صحة] .
قلت : أما هذا الإجماع المزعوم المتوهم الذي ادعاه ابن القيم فلا وجود له حقيقة ، ومن ثم فإجماع اللغويين لا يعد دليلاً معتبراً عند أهل اللغة ، كما بينه العلامة ابن مضاء القرطبي في كتابه (( الرد على النحويين )) (ص 82) بقوله : [ إجماع النحويين ليس بحجة على من خالفهم ] ، وقبله صرح بها أبو الفتح ابن جني في (( الخصائص )) (1/198) : [ اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص ، فأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره في قرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : أمتي لا تجتمع على ضلالة ، وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة ] .
وأيضاً قد ثبت في اللغة أن اللقاء يجوز على ما لا يُرى ومن شواهد ذلك :
1) قوله تعالى : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه }(آل عمران/143) ، فلقاء الموت هنا لا يعني رؤيته بالأبصار لأن الموت ليس بشيء مادي يُرى ويُبصر !! بل هو كناية عن خوض المعركة ولقاء العدو .

2) قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا }(الأنعام/130) ، فلقاء اليوم لا يعني رؤيته ومعاينته بالأبصار بل معايشة ما في ذلك اليوم من عذاب الله تعالى ولذلك قال الطبري في (( تفسيره )) عند تفسير هذه الآية : [ يحذرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وعقابي عن معصيتكم إياي ] .

3) قوله تعالى : { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } (الأعراف/51) ، ولقاء اليوم هنا أيضاً يعني حصول هذا اليوم لا رؤيته عياناً .

4) قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } (الأعراف/147) .

5) قوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصياً } (الكهف/62) ، والنصب هو التعب والعناء .

6) وقال النَّمِر بن تَوْلَب:
أَأُهلِكُها وَقَد لاقَيتُ فيها مِرارَ الطَعنِ وَالضَربِ الشِجاجا
فمرار الطعن الذي لاقاه لا يُرى وإنما يجده الإنسان بحسّه ويشعر بألمه !!
7) وقال تأبّط شراً ( وهو شاعر جاهلي توفي سنة 85 قبل الهجرة ) :
إِذا لاقَيتَ يَومَ الصِدقِ فَاربَع عَلَيهِ وَلا يُهِمُّكَ يَومُ سَوِّ
وهل يوم الصدق إن لاقاه الإنسان عاينه ببصره ؟!! فاليوم لا يُرى وإنما ذلك كناية عن معايشة أحداث الحياة .
8) وقال بشار بن برد :
يا أَيُّها الجاهِلُ المُبتاحُ لي سَفَهاً لاقَيتَ جَهداً وَلَم تَظفَر بِمَحمودِ
وقال أيضاً :
لاقَيتُ مِن حُبِّكِ جَهدَ الهَوى لِلَّهِ دَرّي في الهَوى ما لَقيت
فكيف يلاقي الشاعر هنا الجهد ؟ أتُراه معاينة بالأبصار ؟!!! فهذا لا يقول به عاقل ، وإنما لقاء الجهد كناية عما يجده في نفسه من مشاعر وأحاسيس .

9) وقال عروة بن أذينة:
أَمسى إِذا ذُكِرَت يُحادِثُ نَفسَهُ وَإِذا نَأَت لَقِيَ الهُمومَ غِشاشا
وملاقاة الهموم هي الألم الذي يجده الإنسان في نفسه ، لا رؤيته عياناً بالأبصار !!