الرد على من زعم أنه لا يجوز الاستثناء من غير جنس الشيء:

قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

الرد على من زعم أنه لا يجوز الاستثناء من غير جنس الشيء:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

الرد على من زعم أنه لا يجوز الاستثناء من غير جنس الشيء:

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة التاسعة :
الاستثناء من غير جنس الشيء

زعم قوم أنه لا يجوز الاستثناء من غير جنس الشيء ، وذهبت هذه المقالة بهم إلى القول بأن إبليس كان من الملائكة قبل أن يطرده الله تعالى من رحمته .
قال القاضي بدر الدين الشبلي الحنفي في كتاب (( آكام المرجان في أحكام الجان )) (ص 184) : [ قال أبو الوفا علي بن عقيل في كتاب (( الإرشاد )) : إن قيل لك إبليس كان من الملائكة أم لا ؟ فقل : من الملائكة خلافاً لبعض أصحابنا . وبهذا قال أبو بكر عبد العزيز ، لأن الباري سبحانه قال : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس }(البقرة/34) . والاستثناء لا يكون من غير الجنس ] .
قلت : الاستثناء من غير جنس المستثنى منه مشهور معلوم عند أهل اللسان العربي ، تداولوه وتناقلوه وكتبوا فيه وأثبتوه ، ويسميه بعض أهل اللغة ( الاستثناء المنقطع ) ، وقد جاء منه الكثير في كتاب الله تعالى ، ومنه :
1) قوله تعالى : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن }(النساء/157) ، فاتباع الظن ليس علماً ولذلك ، قال القرطبي في (( تفسيره )) (6/9) : [ ثم قال جل وعز : { إلا اتباع الظن } استثناء ليس من الأول ] .
2) قوله تعالى : { فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } (يونس/98) . قال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية : [ وظاهر اللفظ يقتضي استثناء قوم يونس من القرى ، إلا أن المعنى استثناء قوم يونس من أهل القرى ، وهو استثناء منقطع بمعنى ولكن قوم يونس لما آمنوا فعلنا بهم كذا وكذا ] .
3) وقال تعالى : { لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً }(مريم/62) ، والسلام ليس من جنس اللغو ، ولذلك قال الطبري في تفسير هذه الآية في (( تفسيره )) (16/102) : [ لا يسمع هؤلاء الذين يدخلون الجنة فيها لغواً وهو الهذي والباطل من القول والكلام ، إلا سلاماً . وهذا من الاستثناء المنقطع ، ومعناه : ولكن يسمعون سلاماً وهو تحية الملائكة إياهم ] .
قال أبو عبيدة في (( مجاز القرآن )) : [ فالسلام ليس من اللغو ، والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه ، فكان مجازه : لا يسمعون فيها لغواً إلا أنهم يسمعون سلاماً ، قال:
يا بَن رُقَيعٍ هل لها من مَغْبَقِ ما شَرِبتْ بعد طَوِيِّ الكُرْبَقِ
من قَطرةٍ غير النَّجاءِ الأدْفقِ
فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها .
قال أبو جندب الهذلي:
نَجا سالمٌ والنفسُ منه بشِدْقه ولم بنَجْ إلاّ جفْنُ سَيفِ ومئزَرا
وليسا منه] .
4) قال تعالى : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون }(البقرة/78) ، قال القرطبي في (( تفسيره )) (2/5) : [ ( إلا ) هاهنا بمعنى لكن ، فهو استثناء منقطع كقوله تعالى : { وما لهم به من علم إلا أتباع الظن } ، وقال النابغة :
حَلَفتُ يَميناً غَيرَ ذي مَثنَوِيَّةٍ وَلا عِلمَ إِلا حُسنُ ظَنٍّ بِصاحِبِ ] .
والشاهد في قول النابغة أن حسن الظن ليس من جنس العلم ومع ذلك فقد استثناه منه !(1)

5) وقال تعالى : { ياأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }(النساء/29) ، قال القرطبي في (( تفسيره )) (5/151) : [ هذا استثناء منقطع ، أي : ولكن تجارة عن تراض ، والتجارة هي البيع والشراء ] .
6) وقال تعالى : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }(يس/43-44) ، قال ابن كثير في (( تفسيره )) (3/574) : [ وهذا استثناء منقطع تقديره ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر ونسلمكم إلى أجل مسمى ، ولهذا قال تعالى : { ومتاعا إلى حين } ، أي إلى وقت معلوم ] ، وقد احتج سيبويه بهذه الآية الكريمة في (( الكتاب )) (2/322) على الاستثناء المنقطع .
7) ومما جاء من أمثال العرب قولهم :
لاَ يُحْسْنُ العَبْدُ الكَرَّ إلاَ الحَلْبَ والصَّرّ
قال الميداني في (( مجمع الأمثال )) (2/244) : [ يُقال : إن شداداً العبسي قال لابنه عنترة في يوم لقاء ورآه يتقاعس عن الحرب وقد حميت فقال : كر عنتر ، فقال عنترة : لا يحسن العبد الكر إلا الحلب والصر ، وكانت أمه حبشية فكان أبوه كأنه يستخف به لذلك ، فلما قال عنترة : لا يحسن العبد الكر ، قال له : كر وقد زوجتك عبلة ، فكر وأبلى ووفى له أبوه بذلك فزوجه عبلة ، والصرّ : شد
الصرار ، وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضع الفصيل أمه ، ونصب الحلب على أنه استثناء منقطع كأنه قال : لا يحسن العبد الكر ، لكن الحلب والصر يحسنهما ، يضرب لمن يكلف ما لا يطيق ] .
8) وقال النابغة الذبياني في معلقته:
وَقَفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها
إِلا الأَوارِيَّ لأياً ما أُبَيِّنُها
عَيَّت جَواباً وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ
وَالنؤيَ كالحَوضِ بِالمَظلومةِ لجَلَدِ

فالشاعر ههنا استثنى الأواري - وهي محابس الإبل – ممن سكن الربع وهي ليست من جنسه.
9) وقال العجاج:
وبلدة ليس بها طوري ولا خلا الجن بها إنسي
فالشاعر استثنى الجن من الإنسي ، وجنس كل منهما مغاير للآخر .



ــــــــــ الحواشي:


(1) من الجلي الواضح هنا أن الظن يخالف العلم كما يظهر من السياق وعليه فاحتجاجنا في موضعه ومكانه ولا غبار عليه ، إلا أنه يجدر التنبيه إلى أن الظن قد يأتي بمعنى العلم مجازاً خلافاً لما ذكره أبو حيان في (( الارتشاف )) (3/58) بقوله : [ وذهب الأستاذ أبو بكر محمد بن ميمون في كتابه المسمى (( نقع الغلل )) إلى أن الظن بمعنى العلم غير مشهور في لسان العرب ، ولا معول عليه في حكاية من حكاه عن العرب وتأول ما أوهم ظاهره ورود ذلك ] .
قلت : بل قد جاء في كتاب الله ما يدل على أن الظن قد يراد به العلم واليقين ، كقوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }(البقرة/46). قال الطبربي في (( تفسيره )) (1/262) : [ قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة أنه يظن أنه ملاقيه ؟ والظن شك ، والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر ! قيل له : إن العرب قد تسمي اليقين ظناً والشك ظناً نظير تسميتهم الظلمة سدفة والضياء سدفة والمغيث صارخاً والمستغيث صارخاً وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده . ومما يدل على أنه يسمى به اليقين قول دريد بن الصمة :
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنَّوا بألْفَيْ مدَجَّج سرَاتُهم في الْفَارِسيّ الْمسَرَّد
يعني بذلك تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم .
وقول عميرة بن طارق :
بأَن تَغْتَزُوا قَوْمي وأَقعدَ فيكُم وأَجْعَلَ مِنِّي الظَّنَّ غَيْباً مُرَجَّما
يعني وأجعل مني اليقين غيباً مرجماً ، والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصى وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية. ومنه قول الله جل ثناؤه : { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها} ] .
أضف رد جديد

العودة إلى ”قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد“