إبطال القول بأن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين:
مرسل: الأحد ديسمبر 01, 2024 4:00 pm
إبطال القول بأن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين:
قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الحادية عشرة :
ادعاؤهم أن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين
ادّعى قوم أن الرؤية البصرية تختلف عن الرؤية القلبية – والتي تكون بمعنى العلم – بقاعدة مفادها أن الرؤية البصرية تتعدى بمفعول به واحد والرؤية القلبية تتعدى بمفعولين وجعلوها قاعدة كلية لا خروج عنها ولا استثناء منها ، فاستغلها القوم ليثبتوا رؤية الله بالعين في قول الله تعالى : { رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ }(الأعراف/143) ، وزعموا أن رأى في هذه الآية هي الرؤية البصرية التي تتعدى أصلاً إلى مفعول واحد ، ولدخول همزة النقل عليها أصبحت تتعدى لمفعولين ، ولو كانت رأى بمعنى علم لأصبحت تتعدى لثلاثة مفاعيل.
قال ابن عادل في تفسيره (( اللباب )) : [ قال : { رَبِّ أرني أَنظُرْ
إِلَيْكَ } ، قوله : ( أرنِي ) مفعولُه الثَّانِي محذوفٌ ، تقديره : أرني نَفسكَ ، أو ذاتكَ المقدَّسةَ ، وإنَّما حذفهُ مبالغةً في الأدب ، حيثُ لم يواجِهْهُ بالتَّصريح بالمفعول ] .
وقال القرطبي في (( تفسيره )) (13/243) : [ و ( ترى ) من رؤية العين ، ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين ] .
وهذه القاعدة لا يمكن تعميمها فقد جاء في القرآن الكريم ما ينقضها وهو قول الله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } (الأنعام/6) ، فـ ( يروا ) هنا بمعنى علم وتعدت إلى مفعول به واحد ، قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) (5/80) : [ { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين } ، لما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم ، أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة ، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية و { يروا } هنا بمعنى يعلموا ، لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة و { كم } في موضع المفعول ب { أَهْلَكْنَا } و { يروا } معلقة والجملة في موضع مفعولها ] .
ولقد ذهب الإمام الرازي إلى أن هذه القاعدة أغلبية وليست كلية ، إذ قال في (( تفسيره )) : [ لأن الرؤية عند التعدي إلى مفعولين في أكثر الأمر تكون بمعنى العلم ] ، فيكون الرازي بذلك ناقضاً لمن يحتج بهذه القاعدة على إطلاقها في كل موضع .
وقد ذهب الألوسي إلى القول بهذه القاعدة المزعومة في تفسيره المسمى (( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني )) ، فقال : [ ثم لا يخفى إن رأى إن كانت بصرية أو بمعنى عرف احتاجت إلى مفعول واحد ... ، وإن كانت علمية احتاجت إلى مفعولين ] . ثم وقف الألوسي في نفس (( تفسيره )) حائراً أمام ما دللنا عليه من جواز أن تعدي رأى القلبية لمفعول واحد فقال : [ { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بما تقدم ، وقيل : شروع في توبيخهم ببذل النصح لهم والأول أظهر . والرؤية عرفانية ، وقيل : بصرية ، والمراد في أسفارهم وليس بشيء . وهي على التقديرين تستدعي مفعولاً واحداً . و { كَمْ } استفهامية كانت أو خبرية معلقة لها عن العمل مفيدة للتكثير سادة مع ما في حيزها مسد مفعولها ، وهي منصوبة بأهلكنا على المفعولية ، وهي عبارة عن الأشخاص ، وقيل : إن الرؤية علمية تستدعي مفعولين والجملة سادة مسدهما ] .
فيكون بذلك الألوسي متردداً في هذه القاعدة الموهومة ، وظهر جلياً صواب ما ذهبنا إليه .
قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الحادية عشرة :
ادعاؤهم أن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين
ادّعى قوم أن الرؤية البصرية تختلف عن الرؤية القلبية – والتي تكون بمعنى العلم – بقاعدة مفادها أن الرؤية البصرية تتعدى بمفعول به واحد والرؤية القلبية تتعدى بمفعولين وجعلوها قاعدة كلية لا خروج عنها ولا استثناء منها ، فاستغلها القوم ليثبتوا رؤية الله بالعين في قول الله تعالى : { رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ }(الأعراف/143) ، وزعموا أن رأى في هذه الآية هي الرؤية البصرية التي تتعدى أصلاً إلى مفعول واحد ، ولدخول همزة النقل عليها أصبحت تتعدى لمفعولين ، ولو كانت رأى بمعنى علم لأصبحت تتعدى لثلاثة مفاعيل.
قال ابن عادل في تفسيره (( اللباب )) : [ قال : { رَبِّ أرني أَنظُرْ
إِلَيْكَ } ، قوله : ( أرنِي ) مفعولُه الثَّانِي محذوفٌ ، تقديره : أرني نَفسكَ ، أو ذاتكَ المقدَّسةَ ، وإنَّما حذفهُ مبالغةً في الأدب ، حيثُ لم يواجِهْهُ بالتَّصريح بالمفعول ] .
وقال القرطبي في (( تفسيره )) (13/243) : [ و ( ترى ) من رؤية العين ، ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين ] .
وهذه القاعدة لا يمكن تعميمها فقد جاء في القرآن الكريم ما ينقضها وهو قول الله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } (الأنعام/6) ، فـ ( يروا ) هنا بمعنى علم وتعدت إلى مفعول به واحد ، قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) (5/80) : [ { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين } ، لما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم ، أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة ، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية و { يروا } هنا بمعنى يعلموا ، لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة و { كم } في موضع المفعول ب { أَهْلَكْنَا } و { يروا } معلقة والجملة في موضع مفعولها ] .
ولقد ذهب الإمام الرازي إلى أن هذه القاعدة أغلبية وليست كلية ، إذ قال في (( تفسيره )) : [ لأن الرؤية عند التعدي إلى مفعولين في أكثر الأمر تكون بمعنى العلم ] ، فيكون الرازي بذلك ناقضاً لمن يحتج بهذه القاعدة على إطلاقها في كل موضع .
وقد ذهب الألوسي إلى القول بهذه القاعدة المزعومة في تفسيره المسمى (( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني )) ، فقال : [ ثم لا يخفى إن رأى إن كانت بصرية أو بمعنى عرف احتاجت إلى مفعول واحد ... ، وإن كانت علمية احتاجت إلى مفعولين ] . ثم وقف الألوسي في نفس (( تفسيره )) حائراً أمام ما دللنا عليه من جواز أن تعدي رأى القلبية لمفعول واحد فقال : [ { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بما تقدم ، وقيل : شروع في توبيخهم ببذل النصح لهم والأول أظهر . والرؤية عرفانية ، وقيل : بصرية ، والمراد في أسفارهم وليس بشيء . وهي على التقديرين تستدعي مفعولاً واحداً . و { كَمْ } استفهامية كانت أو خبرية معلقة لها عن العمل مفيدة للتكثير سادة مع ما في حيزها مسد مفعولها ، وهي منصوبة بأهلكنا على المفعولية ، وهي عبارة عن الأشخاص ، وقيل : إن الرؤية علمية تستدعي مفعولين والجملة سادة مسدهما ] .
فيكون بذلك الألوسي متردداً في هذه القاعدة الموهومة ، وظهر جلياً صواب ما ذهبنا إليه .