صفحة 1 من 1

مسألة: إبطال قول من أنكر المجاز

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2024 11:40 am
بواسطة عود الخيزران
مسألة: إبطال قول من أنكر المجاز

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الحادية و العشرون :
إنكار ابن تيمية وابن القيم للمجاز
وأثره في تفسير الآيات المتشابهات

يُعدّ نفي المجاز الخطوة الأولى للتدرج إلى التجسيم وذلك بحمل متشابهات الآيات على ظواهرها وما تُفضي إليه حقائقها ، فلما أدرك ابن تيمية ذلك ، حمل راية الإنكار ودافع عنها دفاع المستميت ، وأورث أتباعه الحرب على المجاز ، حتى صار هذا الإنكار علامة وسمة لازمة لكل من درج على طريق التجسيم .
قال ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) (7/88) : [ إن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ ، وبكل حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة ، لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم كمالك والثوري والأوزاعي وأبى حنيفة والشافعي ، بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبى عمرو بن العلاء
ونحوهم ، وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه ، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية ] .
قلت : أما زعمه أن المجاز من عوارض الألفاظ ، فلا يُقدم ذلك ولا يؤخر في نفي المجاز أو إثباته ، لأن مصطلحات العلوم جلّها حادثة ، والبحث هنا منصب على المفهوم والمعنى لا على اللفظ وأصله !!
وأما ادعاؤه بأن القول بالمجاز لم يظهر قبل القرون الثلاثة الأولى ، فكلام ملقى على عواهنه وجزافاً دون روية ، والمجاز بمفهومه ومعناه جرى على لسان النبوة ، وتبعه الأصحاب ، واقتفى أثرهم من جاء بعدهم .
فهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بمجاز اللغة في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة : (( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني )) ، وإضافة المرض لله عز وجل إضافة مجازية كما يثبتها العقل ويؤكدها النص ، وبهذا قال الإمام النووي في (( شرح صحيح مسلم )) (16/126) : [ قال العلماء : إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له ، قالوا : ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي ] .
وقوله عليه السلام أيضاً : (( بلوا أرحامكم )) ، أعظم شاهد على المجاز ، ومعناه كما قال الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) (10/423) : [ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْره : شَبَّهَ الرَّحِم بِالأَرْضِ الَّتِي إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْمَاء وَسَقَاهَا حَتَّى سُقِيَهَا أَزْهَرَتْ وَرُئِيَتْ فِيهَا النَّضَارَة فَأَثْمَرَتْ الْمَحَبَّة وَالصَّفَاء ، وَإِذَا تُرِكَتْ بِغَيْرِ سَقْي يَبِسَتْ وَبَطَلَتْ مَنْفَعَتهَا فَلا تُثْمِر إِلا الْبَغْضَاء وَالْجَفَاء ].
وقال سيدنا ابن عباس بالمجاز عندما فسّر الساق بالشدة، ونسب الطبري ذلك إلى جماعة من الصحابة والتابعين فقال في (( تفسيره )) (29/38) : [ { يوم يكشف عن ساق } قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل : يبدو عن أمر شديد ] ، فيكون هذا ردُّ على ابن تيمية وزعمه أن الصحابة والتابعين لم يعرفوا المجاز ولا ذكروه !!
وأما من الأئمة ، فهذا الشافعي إمام الهدى يقول في (( الرسالة )) (1/62) : [ ( باب الصنف الذي يبين سياقه معناه ) قال الله تبارك وتعالى : { وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إنما تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } دل على أنه إنما أراد أهل القرية لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون ] ، وهذا نوع من المجاز وهو أن يُحذف المُضاف ويبقى المُضاف إليه، قال الجرجاني في (( أسرار البلاغة )) : [ فأنت تقول إذا سُئلت عن { اسأل القرية } : في الكلام حذفٌ ، والأصل : أهل القرية] .
وأما أئمة النحو الذين تجنّى عليهم ابن تيمية ، فدونك سيبويه الذي أتى بالمجاز بكل وضوح وسمّاه الاتساع والاختصار وعنون له ( هذا باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار ) ، فقال في (( الكتاب )) (1/212) :
[ ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى جده : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها }(يوسف/82) ، إنما يريد : أهل القرية ، فاختصر وعَملَ الفعلُ في القرية كم كان عاملاً في الأهل لو كان هاهنا .
ومثله : { بل مَكْرُ الليلِ والنهارِ }(سبأ/33) ، وإنما المعنى : بل مَكرُكُم في الليل والنهار . وقال عز وجل : { ولكن البر من آمن بالله }(البقرة/77) ، وإنما هو : ولكن البرَّ برُّ من آمن بالله واليوم الآخر.
ومثله في الاتساع قوله عز وجل : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي يَنْعِقُ بما لا يسمع إلا دُعَاءً ونداءً }(البقرة/171) ، فلم يُشبَّهوا بما يَنْعِقُ وإنما شُبّهوا بالمنعوق به ، وإنما المعنى : مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوقِ به الذي لا يسمع . ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى .
ومثل ذلك من كلامهم : بنو فلان يَطَؤُهم الطريق ، يريد : يطؤهم أهل الطريق . وقالوا : صدنا قَنَوَيْن ، وإنما يريد صدنا بقنوين ، أو صدنا وحش قنوين ، وإنما قنوان اسم أرض ] .

وما ادّعاه على كتاب أبي عبيدة باطل لا يصح

وما زعمه ابن تيمية من أن أبا عبيدة معمر بن المثنى لم يقصد المجاز بمعناه الاصطلاحي في كتابه (( مجاز القرآن )) فباطل لا يصح وهو من جملة الدعاوى العمياء التي يُطلقها ابن تيمية فلا ترى لها طريقاً ولا تجد لها مُستقراً إلا في الظلام ، ونور المعرفة والبحث يخنقها في محبسها . ووجه بطلان هذه الدعوى أن ننظر إلى هذا النص الصريح من كتاب (( مجاز القرآن )) ننقله بحروفه ، إذ يقول أبو عبيدة في أول كتابه هذا (1/8) ما نصه : [ ومن مجاز ما حُذف وفيه مضمَر ، قال : { وسئَلِ الْقَرْيَةَ التي كُنَّا فيهَا والعيرَ التي أَقبَلْنا فيها }(يوسف/82) ، فهذا محذوف فيه ضمير مجازه : وسئل أهل القرية ، ومَن في العير .
ومن مجاز ما كُفّ عن خبره استغناءً عنه وفيه ضميرٌ ، قال : { حَتَّى إذَا جَاؤُهَا وفُتِحَت أَبْوابها وَقَال لَهُم خَزَنَتُها سَلاَمٌ علَيْكُم طِبْتُم فَادْخُلُوهَا خَالدِين } (الزمر/73) ، ثم كُفّ عن خبره .
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد الذي له جماع منه ، ووقع معنى هذا الواحد على الجميع ، قال : { يُخْرِجُكُم طِفْلاً }(غافر/67) ، في موضع : أطفالاً . وقال : { إنما المُؤْمِنُون إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم }(الحجرات/10) ، فهذا وقع معناه على قوله : { وإِن طَائفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقتَتَلُوا }(الحجرات/9) ، وقال : { وَالمَلَك عَلَى أَرْجَاَئها }(الحاقة/17) ، في موضع : والملائكة .
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع على لفظ الواحد ، قال : { وَالمَلاَئكَةُ بَعدَ ذِلكَ ظَهِيرٌ }(التحريم/4) ، في موضع : ظُهَراءُ .
ومن مجاز ما جاء لفظه الجميع الذي له واحد منه ، ووقع معنى هذا الجميع على الواحد ، قال : { الذينَ قَالَ لَهُم النَّاسُ إن النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكمُ }(آل عمران/173) ، والناس جميع ، وكان الذي قال رجلاً واحداً ] .
فإذا لم يكن هذا هو المجاز الذي اصطلح عليه أهل البيان ، فماذا يكون ؟؟!!!

هل أبو عبيدة هو أول من تكلم بلفظ المجاز ؟
ولد أبو عبيدة معمر بن المثنى سنة 110 هـ ، وتوفي سنة 209 وقيل 210 هـ كما ذكر الذهبي في ترجمته في (( سير أعلام النبلاء )) (9/445) ، وهو بذلك يكون معاصراً للجاحظ.
ولقد ذكر الجاحظ لفظ المجاز في كتاب (( الحيوان )) (5/12) فقال : [ وكان يخطِّئهم في قولهم : إن الحرارة تورث اليُبْس ، لأن الحرارة إنما ينبغي أن تورثَ السخونة ، وتولّدَ ما يشاكلها ، ولا تولدُ ضرباً آخر مما ليس منها في شيء ، ولو جازَ أن تولّد من الأجناس التي تخالفها شكلاً واحداً لم يكن ذلك الخلاف بأحقَّ من خلافٍ آخر ، إلا أن يذهبوا إلى سبيلِ المجاز ] .
وقال أيضاً في كتاب (( الحيوان )) (5/25) : [ ( باب آخر في المجاز والتشبيه بالأكل ) ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلْماً } ، وقوله تعالى عزَّ اسمُه : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } ، وقد يقال لهم ذلك وإن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ، ولبسوا الحُللَ ، وركبوا الدوابَّ ، ولم ينفقوا منها دِرْهَماً واحداً في سبيل الأكل ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : { إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ ناراً } ، وهذا مجازٌ آخر ] .
وبهذا الكلام يكون الجاحظ على الأقل شريكاً لأبي عبيدة في أسبقية استخدام لفظ المجاز ، وعلى معناه الاصطلاحي كما لا يخفى من النص السابق !
بل ونزيد على ذلك أن أبا زيد القرشي قال في مقدمة كتابه (( جمهرة أشعار العرب )) : [ وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من اللفظ المختلف ، ومجاز المعاني ] .

ابن تيمية متناقض في إثبات المجاز ونفيه :
وهو تارة ينفيه وأخرى حيث لزم الأمر يُثبته ، وهذا التناقض خير شاهد على أنه لا يسير طريق البحث العلمي ولا يسلك نهج التقصّي للوصول إلى حقيقة
الأمر ، بل حيث يكون الهوى يكون قوله ورأيه .
فابن تيمية ينفي المجاز في (( مجموع الفتاوى )) (7/113) بقوله : [ فلا مجاز في القرآن ، بل وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع محدث ، لم ينطق به
السلف ، والخلف فيه على قولين وليس النزاع فيه لفظياً ، بل يقال : نفس هذا التقسيم باطل ] .
ثم يثبته في أكثر من موضع كما في (( مجموع الفتاوى )) (7/576) : [ فإن قال قائل : اسم الإيمان إنما يتناول الأعمال مجازاً ، قيل :
أولا : ليس هذا بأولى ممن قال : إنما تخرج عنه الأعمال مجازاً بل هذا أقوى ، لأن خروج العمل عنه إنما هو إذا كان مقروناً باسم الإسلام والعمل ، وأما دخول العمل فيه فإذا أفرد كما في قوله : (( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )) ، فإنما يدل مع الاقتران أولى باسم المجاز مما يدل عند التجريد والإطلاق ] .
ويقول ابن تيمية أيضاً في (( قاعدة في المحبة )) (ص 55) : [ ثم لفظ العشق قد يستعمل في غير ذلك ، إما علي سبيل التواطؤ فيكون حقيقة في القدر المشترك ، وإما علي سبيل المجاز ] .
وقال أيضاً في (( الفتاوى الكيرى )) (2/224) : [ قول الله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم }(النساء/23) ، هو متناول لكل من شمله هذا اللفظ سواء كان حقيقة أو مجازاً ] .

[ شبهة وردّها ] :
يزعم ابن تيمية ليفرّ من المجاز ، أن معاني الألفاظ كلها حقيقية والسياق يبيّن المختار منها ، فعنده قد يُراد بالقرية : أهلها أو مساكنها ، وكلا اللفظين حقيقة !!
قال في (( مجموع الفتاوى )) (7/112) : [ لفظ القرية والمدينة والنهر والميزاب وأمثال هذه الأمور التي فيها الحالّ والمحلّ كلاهما داخل في الاسم ، ثم قد يعود الحكم على الحال وهو السكان ، وتارة على المحل وهو المكان ، وكذلك في النهر ، يقال : حفرت النهر وهو المحل ، وجرى النهر وهو الماء ، ووضعت الميزاب وهو المحل ، وجرى الميزاب وهو الماء ... { واسأل القرية } مثل قوله : { قرية كانت آمنة مطمئنة } ، فاللفظ هنا يراد به السكان من غير إضمار ولا حذف ] .
ونقول لابن تيمية : والنتيجة واحدة !! وهي أن للفظ أكثر من معنى ، ولِمَ لم يقبل ابن تيمية أن يكون للاستواء معنى القهر والغلبة ، وللساق معنى الشدّة ، ولليد معنى القدرة ، وليسمِّ هذه المعاني حقيقة أو مجازاً على حسب ما يريد، أما أن يدّعي بأن من يقول بهذه المعاني من معاني التنزيه أنه من جنس تأويلات الجهمية فكلام باطل مردود .
وابن تيمية متناقض في فكرة أن المعاني كلها حقيقية ، فهو يقول أيضاً بأن للألفاظ ظواهر ، إذ قال في (( مجموع الفتاوى )) (13/296) : [ والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره ] ، وهنا يتجلى التناقض ويظهر لكل منصف بل شك ولا ريب .
وأبو إسحاق الإسفراييني لم ينكر المجاز كما زعم ابن تيمية وغيره :
قال ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) (7/89) : [ وقد أنكر طائفة أن يكون في اللغة مجاز لا في القرآن ولا غيره كأبي إسحاق الإسفرائيني ] .
قلت : النقل عن أبي إسحق لم يصح ، وشكّك فيه أهل العلم ، قال الغزالي في (( المنخول )) (ص 137) : [ ولا نظن بالأستاذ إنكاره الاستعارات مع كثرتها في النظم والنثر وتسويته بين تسمية الشجاع والأسد أسداً ] .
وقال السيوطي في (( المزهر )) (1/290) : [ وقال إمام الحرمين في (( التلخيص )) ، والغزالي في (( المنخول )) : الظن بالأستاذ أنه لا يصحّ عنه هذا القول ] .
وما يؤكد ذلك أيضاً قول أبي إسحق نفسه والذي ينقله إمام الحرمين في (( البرهان )) (1/417) بقوله : [ وقال الأستاذ أبو إسحاق : الظاهر : لفظ معقول يبتدر إلى فهم البصير بجهة الفهم منه معنى ، وله عنده وجه في التأويل مسوغ لا يبتدره الظن والفهم ، ويخرج على هذا ما يظهر في جهة الحقيقة ويؤول في جهة المجاز ] .
والمنكر للمجاز بعد هذا يكون قد حُرم ذوق الأدباء وغاب عنه بيان الفصحاء والبلغاء ، وفَقَدَ متعة تذوّق لسان العرب ، ومن ثم فلا كلام معه ولا مَلامة عليه ، ويصدق عليه قولهم :
وَمِنَ البَليَّةِ عَذلُ مَن لا يَرعَوي عَن غَيِّهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ

( فرع ): في تلاعب ابن تيمية بقاعدة : المجاز ما صح نفيه :
يقول ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) (3/219) : [ فإذا قالوا : إن هذه الأسماء مجاز أمكنهم نفي ذلك ، لأن علامة المجاز صحة نفيه، فكل من أنكر أن يكون اللفظ حقيقة لزمه جواز إطلاق نفيه . فمن أنكر أن يكون استوى على العرش حقيقة فإنه يقول : ليس الرحمن على العرش استوى ، كما أن من قال : إن لفظ الأسد للرجل الشجاع والحمار للبليد ليس بحقيقة فإنه يلزمه صحة نفيه ، فيقول : هذا ليس بأسد ولا بحمار ولكنه آدمي ] .
وقال أيضاً في (( مجموع الفتاوى )) (6/268) : [ وليس ذلك بمجاز لأن المجاز ما يصح نفيه ، كما يُقال عن الجد : ليس بأب ] .
قلت : لقد أساء ابن تيمية استخدام هذه القاعدة ، وطوّعها لتخدم مآربه ، إذ أنه لا خلاف أنك عندما تريد أحد المعنيين جاز لك أحياناً أن تنفي الآخر حقيقة كان أم مجازاً ، أقول : قد يجوز ذلك ، ولا يلزم .
فعندما نقول : استوى بمعنى قهر وغلب فإننا ننفي استولى بمعنى استقر !
وعندما نقول : يد الله : قدرته ، ننفي اليد بمعنى الجارحة !
وعندما نقول في قوله تعالى : { وسْئَل القرية } ، فالمراد أهل القرية ، وننفي أن يكون السؤال واقع على مساكن القرية ، وهكذا .
وهنا نقول أن ابن تيمية أخطأ بأمرين :
أولاً : أن ما يصح نفيه هو المعنى غير المراد ، حقيقة كان أم مجازاً ، ولا يقتصر النفي على المجاز .
وثانياً : جواز النفي لا لزومه ، لأنه أحياناً قد يجتمع المجاز والحقيقة في نفس الأمر ، فإذا أطلقنا على الجد لفظ الأب مجازاً ، فلا يلزمنا أن نقول عنه ليس بأب ! لأنه قد يكون أباً على الحقيقة من جهة أخرى ، وهذه المسألة مشهورة والكلام عليها في علم الأصول معروف وهي جواز اجتماع الحقيقة والمجاز، قال النووي في (( روضة الطالبين )) في كتاب السبق والرمي ما نصه : [ والأول صحيح على مذهب الشافعي وجمهور أصحابنا المتقدمين في جواز إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد ] .