مسألة: في أن معنى قوله تعالى : { ويضل الله الظالمين } الحكم بالضلال والتسمية به وبيان جواز ذلك في اللغة
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2024 11:45 am
مسألة: في أن معنى قوله تعالى : { ويضل الله الظالمين }
الحكم بالضلال والتسمية به
وبيان جواز ذلك في اللغة
قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الرابعة و العشرون :
في أن معنى قوله تعالى : { ويضل الله الظالمين }
الحكم بالضلال والتسمية به
وبيان جواز ذلك في اللغة
زعم الأشعري في معرض ردّه على مخالفيه فيما ذهبوا إليه من أن من معاني الضلال : هو الحكم والتسمية ، أن هذا لا يجوز في اللغة ولا يكون في لسان
العرب ، فقال في (( الإبانة )) (ص 265) ما نصه : [ ويُقال لهم : ما معنى قول الله تعالى : { ويضل الله الظالمين }(إبراهيم/27) ؟
فإن قالوا : معنى ذلك أنه يسميهم ضالين ويحكم عليهم بالضلال ، قيل لهم : أليس خاطب الله العرب بلغتهم فقال : { بلسان عربي مبين }(الشعراء/195) ، وقال : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }(إبراهيم/4) ؟ فلا بد من نعم ، يقال لهم : وإذا كان الله عز وجل أنزل القرآن بلسان العرب فمن أين وجدتم في لغة العرب أن يقال أضل فلان فلاناً أي سماه ضالاً ؟ فيقال : قالوا : وجدنا القائل يقول : إذا قال رجل لرجل : ضال قد ضللت ، قيل لهم : قد وجدنا لعمري القائل ضلل فلان فلاناً بأن سماه ضالاً ، ولم نجدهم يقولون أضل فلان فلاناً بهذا المعنى ، فلما قال الله تعالى : { ويضل الله الظالمين }(إبراهيم/27) ، لم يجز أن يكون معنى ذلك الاسم والحكم ، إذا لم يجز في لغة العرب أن يقال : أضل فلان فلاناً بأن سماه ضالاً ] .
قلت : بل العرب تعرف ذلك وتذكره ، وتقيس عليه أيضاً ، وقد بسط الرازي الحجة اللغوية لممن رأى أن معنى يُضلّ : أي يحكم بالضلال ، فقال في (( تفسيره )) : [ والتأويل الذي ذهبت الجبرية إليه قد أبطلناه ، فوجب المصير إلى وجوه أخر من التأويلات ...
وثانيها : أن الإضلال هو التسمية بالضلال ، فيُقال : أضله أي سماه ضالاً وحكم عليه به ، وأكفر فلان فلاناً إذا سماه كافراً ، وأنشدوا بيت الْكُمَيْتُ:
وطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب
وقال طرفة:
وما زال شربي الراح حتى أضلني صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
أراد سماني ضالاً ، وهذا الوجه مما ذهب إليه قطرب وكثير من المعتزلة ، ومن أهل اللغة من أنكرهوقال : إنما يقال ضللته تضليلاً إذا سميته ضالاً ، وكذلك فسقته وفجرته إذا سميته فاجراً فاسقاً ، وأجيب عنه بأنه متى صيره في نفسه ضالاً لزمه أن يصير محكوماً عليه بالضلال ، فهذا الحكم من لوازم ذلك التصيير ، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم مجاز مشهور، وأنه مستعمل أيضاً لأن الرجل إذا قال لآخر : فلان ضال جاز أن يقال له : لم جعلته ضالاً ؟ ويكون المعنى : لم سميته بذلك ؟ ولم حكمت به عليه ؟ فعلى هذا الوجه حملوا الإضلال على الحكم والتسمية ] .
وقال المرزوقي في (( شرح ديوان الحماسة )) شارحاً شعر طرفة : [ وذلك أن شعر طرفة إنما هو :
وما زال شربي الراح حتى أشرني
وحتى يقول الأقربون نصاحةً
صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
دع الغي واصرم حبله من حبالك
... إنما يريد طرفة أنه أبعد غايته في الخسارة ، وتمادى في تعاطي الصبا والجهالة ، فلم يصخ لناصحٍ ، ولم يرعو لعاذلٍ ، حتى نفضوا أيديهم من إنابته ، ويئسوا من قبوله وإعتابه ، فألقوا حبله على غاربه ، وصاروا من بين ناسبٍ له إلى الشر ، ومسيءٍ إليه في القول ، وقاذفٍ إياه بالغي ] .
وقال ابن سعد الخير (ت 571 هـ) في (( القرط على الكامل )) : [ قالوا : أكذبت الرجل ، إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ، كذلك قالوا في قول طرفة :
ما زال شربي الراح حتى أشرني صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
أي : نسبني إلى الشر ] .
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى تفسير إضلال الله بمعنى الحكم والتسمية ، فقد قال الراغب الأصفهاني في كتابه (( مفردات القرآن )) (ص 299) : [ وإضلال الله تعالى للإنسان على أحد وجهين : أحدهما أن يكون سَبَبُه الضلال ، وهو أن يَضِلَّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة ، وذلك إضلال هو حق وعدل ، فالحكم على الضالّ بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق ] .
الحكم بالضلال والتسمية به
وبيان جواز ذلك في اللغة
قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الرابعة و العشرون :
في أن معنى قوله تعالى : { ويضل الله الظالمين }
الحكم بالضلال والتسمية به
وبيان جواز ذلك في اللغة
زعم الأشعري في معرض ردّه على مخالفيه فيما ذهبوا إليه من أن من معاني الضلال : هو الحكم والتسمية ، أن هذا لا يجوز في اللغة ولا يكون في لسان
العرب ، فقال في (( الإبانة )) (ص 265) ما نصه : [ ويُقال لهم : ما معنى قول الله تعالى : { ويضل الله الظالمين }(إبراهيم/27) ؟
فإن قالوا : معنى ذلك أنه يسميهم ضالين ويحكم عليهم بالضلال ، قيل لهم : أليس خاطب الله العرب بلغتهم فقال : { بلسان عربي مبين }(الشعراء/195) ، وقال : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }(إبراهيم/4) ؟ فلا بد من نعم ، يقال لهم : وإذا كان الله عز وجل أنزل القرآن بلسان العرب فمن أين وجدتم في لغة العرب أن يقال أضل فلان فلاناً أي سماه ضالاً ؟ فيقال : قالوا : وجدنا القائل يقول : إذا قال رجل لرجل : ضال قد ضللت ، قيل لهم : قد وجدنا لعمري القائل ضلل فلان فلاناً بأن سماه ضالاً ، ولم نجدهم يقولون أضل فلان فلاناً بهذا المعنى ، فلما قال الله تعالى : { ويضل الله الظالمين }(إبراهيم/27) ، لم يجز أن يكون معنى ذلك الاسم والحكم ، إذا لم يجز في لغة العرب أن يقال : أضل فلان فلاناً بأن سماه ضالاً ] .
قلت : بل العرب تعرف ذلك وتذكره ، وتقيس عليه أيضاً ، وقد بسط الرازي الحجة اللغوية لممن رأى أن معنى يُضلّ : أي يحكم بالضلال ، فقال في (( تفسيره )) : [ والتأويل الذي ذهبت الجبرية إليه قد أبطلناه ، فوجب المصير إلى وجوه أخر من التأويلات ...
وثانيها : أن الإضلال هو التسمية بالضلال ، فيُقال : أضله أي سماه ضالاً وحكم عليه به ، وأكفر فلان فلاناً إذا سماه كافراً ، وأنشدوا بيت الْكُمَيْتُ:
وطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب
وقال طرفة:
وما زال شربي الراح حتى أضلني صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
أراد سماني ضالاً ، وهذا الوجه مما ذهب إليه قطرب وكثير من المعتزلة ، ومن أهل اللغة من أنكرهوقال : إنما يقال ضللته تضليلاً إذا سميته ضالاً ، وكذلك فسقته وفجرته إذا سميته فاجراً فاسقاً ، وأجيب عنه بأنه متى صيره في نفسه ضالاً لزمه أن يصير محكوماً عليه بالضلال ، فهذا الحكم من لوازم ذلك التصيير ، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم مجاز مشهور، وأنه مستعمل أيضاً لأن الرجل إذا قال لآخر : فلان ضال جاز أن يقال له : لم جعلته ضالاً ؟ ويكون المعنى : لم سميته بذلك ؟ ولم حكمت به عليه ؟ فعلى هذا الوجه حملوا الإضلال على الحكم والتسمية ] .
وقال المرزوقي في (( شرح ديوان الحماسة )) شارحاً شعر طرفة : [ وذلك أن شعر طرفة إنما هو :
وما زال شربي الراح حتى أشرني
وحتى يقول الأقربون نصاحةً
صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
دع الغي واصرم حبله من حبالك
... إنما يريد طرفة أنه أبعد غايته في الخسارة ، وتمادى في تعاطي الصبا والجهالة ، فلم يصخ لناصحٍ ، ولم يرعو لعاذلٍ ، حتى نفضوا أيديهم من إنابته ، ويئسوا من قبوله وإعتابه ، فألقوا حبله على غاربه ، وصاروا من بين ناسبٍ له إلى الشر ، ومسيءٍ إليه في القول ، وقاذفٍ إياه بالغي ] .
وقال ابن سعد الخير (ت 571 هـ) في (( القرط على الكامل )) : [ قالوا : أكذبت الرجل ، إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ، كذلك قالوا في قول طرفة :
ما زال شربي الراح حتى أشرني صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
أي : نسبني إلى الشر ] .
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى تفسير إضلال الله بمعنى الحكم والتسمية ، فقد قال الراغب الأصفهاني في كتابه (( مفردات القرآن )) (ص 299) : [ وإضلال الله تعالى للإنسان على أحد وجهين : أحدهما أن يكون سَبَبُه الضلال ، وهو أن يَضِلَّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة ، وذلك إضلال هو حق وعدل ، فالحكم على الضالّ بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق ] .