فوائد وفرائد من ترجمة سماحة السيّد العلّامة حسن السقاف للإمام الفخر الرازي:
مرسل: الأحد ديسمبر 15, 2024 12:51 pm
فوائد وفرائد من ترجمة سماحة السيّد العلّامة حسن السقاف للإمام الفخر الرازي:
ترجمة الفخر الرازي
من عدة مراجع مع تعليقاتنا على ما قالوه في ترجمته
أعرض لكم نبذاً من أقوال عدد من العلماء الذين ترجموا للفخر الرازي رحمه الله تعالى معلِّقاً على ما يحتاج لتعليق وبيانٍ وإيضاح والله الموفق:
قال الذهبي في ترجمته في ((تاريخ الإسلام)) (9/432):
[محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي: العلامة فخر الدين، أبو عبد الله القرشي، البكري، التيمي، الطبرستاني الأصل، الرازي، ابن خطيب الرَّي( 1 )، الشافعي، المفسّر، المتكلِّم، صاحب التصانيف. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة. اشتغل على والده الإمام ضياء الدين عمر، وكان من تلامذة محيي السنة أبي محمد البغوي. قال الموفق أحمد بن أبي أُصَيْبِعَة( 2 ) في ((تاريخه)): ((انتشرت في الآفاق مصنفات فخر الدين وتلامذته. وكان إذا ركب، مشى حوله نحو ثلاثمائة تلميذ فقهاء، وغيرهم، وكان خوارزم شاه يأتي إليه، وكان شديد الحرص جداً في العلوم الشرعية والحكمية، حاد الذهن، كثير البراعة، قوي النظر في صناعة الطب، عارفاً بالأدب، له شعر بالفارسي والعربي، وكان عبل( 3 ) البدن، رَبْع القامة، كبير اللحية، في صوته فخامة. كانوا يقصدونه من البلاد على اختلاف مطالبهم في العلوم وتفننهم، فكان كل منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه. قرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغة، وكان المجد من كبار الفضلاء وله تصانيف)). قلت (الذهبي): يعني بالحكمة: الفلسفة. قال القاضي شمس الدين ابن خَلِّكان(4) فيه: ((فريد عصره ونسيج وحده. وشهرته تغني عن استقصاء فضائله، ولقبه فخر الدين. وتصانيفه في علم الكلام والمعقولات سائرة في الآفاق، وله تفسير كبير لم يتممه( 5 ).
ومن تصانيفه في علم الكلام: المطالب العالية، وكتاب نهاية العقول، وكتاب الأربعين، وكتاب المحصل، وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وكتاب المباحث العمادية في المطالب المعادية، وكتاب المحصول في أصول الفقه، وكتاب عيون المسائل، وكتاب تأسيس التقديس في تأويل الصفات، وكتاب إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار، وكتاب أجوبة المسائل البخارية، وكتاب تحصيل الحق، وكتاب الزبدة، وكتاب المعالم في أصول الدين، وكتاب الملخص في الفلسفة، وكتاب شرح الإشارات، وكتاب عيون الحكمة، وكتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، وشرح أسماء الله الحسنى. ويقال: إنه شَرَحَ المُفَصَّل للزمخشري، وشرح الوجيز للغزالي، وشرح سِقْطُ الزَّنْد لأبي العلاء. وله مختصر في الإعجاز ومؤخذات جيدة على النحاة، وله طريقة في الخلاف.
وصنف في الطب شرح الكليات للقانون، وصنف في علم الفِرَاسة، وله مصنَّف في مناقب الشافعي. وكل تصانيفه ممتعة، ورزق فيها سعادة عظيمة، وانتشرت في الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال فيها، ورفضوا كتب المتقدمين.
وله في الوعظ باللِّسانين( 6 ) مرتبة عالية، وكان يَلْحَقُهُ الوَجْدُ حال وعظه، ويحضر مجلسه أرباب المقالات والمذاهب ويسألونه. ورجع بسببه خلق كثير من الكرَّامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة( 7 )، وكان يُلَقَّبُ بِهَرَاة( 8 ): شيخ الإسلام. اشتغل على والده إلى أن مات، ثم قصد الكمال السِّمْنَاني، واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الرَّي، واشتغل على المجد الجيلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه النيسابوري، وتوجه معه إلى مَرَاغة( 9 ) لما طلب إليها.
ويقال: إنه كان يحفظ كتاب "الشامل" في علم الكلام لإمام الحرمين، ثم قصد خوارزم وقد تمهَّر في العلوم، فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والعقيدة، فأُخرج من البلد، فقصد ما وراء النهر، فجرى له أيضاً ما جرى بخوارزم، فعاد إلى الرَّي، وكان بها طبيب حاذق، له ثروة ونعمة، وله بنتان، ولفخر الدين ابنان، فمرض الطبيب، فزوج بنتيه بابني الفخر، ومات الطبيب فاستولى الفخر على جميع أمواله( 10 )، ومن ثم كانت له النعمة. ولما وصل إلى السلطان شهاب الدين الغوري، بالغ في إكرامه والإنعام عليه، وحصلت له منه أموال عظيمة، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب( 11 ). وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه. وكان يكثر البكاء حال الوعظ. وكان لما أثرى، لازم الأسفار والتجارة، وعامل شهاب الدين الغوري في جملة من المال، ومضى إليه لاستيفاء حقه، فبالغ في إكرامه، ونال منه مالاً طائلاً( 12 ). إلى أن قال ابن خَلِّكان: ومناقبه أكثر من أن تُعَدَّ وفضائله لا تحصى ولا تحد. واشتغل بعلوم الأصول على والده، وأبوه، واشتغل على أبي القاسم الأنصاري صاحب إمام الحرمين، واسمه سليمان بن ناصر. وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي، وأبو شامة: اعتنى الفخر الرازي بكتب ابن سينا وشرحها. وكان يعظ وينال من الكرَّامية، وينالون منه سباً وتكفيراً. منها: أنه قال: قال محمد التازي وقال محمد الرازي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه، والتازي: هو العربي( 13 ).
ومنها: أنه كان يقرر مسائل الخصوم وشبههم بأتم عبارة، فإذا جاء بالأجوبة، قنع بالإشارة. ولعله قصد الإيجاز، ولكن أين الحقيقة من المجاز. وقد خالف الفلاسفة الذين أخذ عنهم هذا الفن فقال في كتاب "المعالم": أطبقت الفلاسفة على أن النفس جوهر وليست بجسم، قال: وهذا عندي باطل لأن الجوهر يمتنع أن يكون له قرب أو بعد من الأجسام( 14 ).
قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة.
قال: وبلغني أنه خلَّف من الذَّهَب ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار، وغير ذلك. وخلَّف وَلَدَين كان الأكبر منهما قد تجند في حياة أبيه، وخدم السلطان خوارزم شاه.
قلت: ومن تلامذته مُصَنِّفُ "الحاصل" تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي، وقد توفي قبل وقعة بغداد، وشمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، والقاضي شمس الدين الخُوَيِّي، ومحيي الدين قاضي مرند( 15 ).
وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلدة كبار سماه "فتوح الغيب" أو "مفاتيح الغيب". وفسَّر " الفاتحة " في مجلد مستقل. وشرح نصف "الوجيز" للغزالي. وله كتاب "المطالب العالية" في ثلاث مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه، وله كتاب "عيون الحكمة" فلسفة، وكتاب في الرمل، وكتاب في الهندسة، وكتاب "الاختبارات السماوية" تنجيم، وكتاب "الملل والنحل"، وكتاب في النبض، وكتاب "الطب الكبير"، وكتاب "التشريح" لم يتمه، ومصنفات كثيرة ذكرها الموفق ابن أبي أصيبعة، وقال: كان خطيب الري، وكان أكثر مقامه بها، وتوجه إلى خوارزم ومرض بها، وامتد مرضه أشهراً، ومات بهراة( 16 ) بدار السلطنة. وكان علاء الملك العلوي وزير خوارزم شاه قد تزوج بابنته. وكان لفخر الدين أموال عظيمة ومماليك تُرْك وحشم وتجمل زائد، وعلى مجلسه هيبة شديدة. ومن شعره:
نهاية إقدام العقول عقـــــــــــــــــــال وأكثر سعي العالمين ضــــــــــــــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنـــــا وحاصل دنيانا أذى ووبـــــــــــــــــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنـــا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالــــــــــوا
وكم قد رأينا من رجال ودولــــــــة فبادوا جميعاً مسرعين وزالـــــــــــوا
وكم من جبال قد علت شرفاتهـــــا رجال فزالوا والجبال جبـــــــال...].
انتهى كلام الذهبي. وفيه ما فيه من محاولات تشويهٍ لهذا الإمام الفاضل المُنَزِّه.
العلامة القِفْطِي (ت568-646هـ) يبين سبب وفاة الفخر:
قال العلامة القفطي في كتابه "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" ص (220):
[ورأيت في تاريخٍ لبعض المتأخرين ذكر فخر الدين ابن الخطيب فقال:.. محمد بن عمر بن الحسين الرازي أبو المعالي المعروف بابن خطيب الرَّي فخر الدين كَانَ من أفاضل أهل زمانه.. في الفقه وعلم الأصول والكلام والحكمة وَرَدَّ عَلَى أبي علي ابن سينا واستدرك عَلَيْهِ وَكَانَ عظيم الشأن بخراسان وسارت مصنفاته فِي الأقطار واشتغل بِهَا الفقهاء وَكَانَ يطعن عَلَى الكرَّامية ويبين خطأهم فقيل إنهم توصَّلوا إِلَى إطعامه السُّمَّ فهلك..].
ترجمة الفخر الرازي من (( لسان الميزان )) لابن حجر:
ذكر الحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) (4/426) أن الذهبي قال في الفخر الرازي في ((الميزان)): [الفخر ابن الخطيب: صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات، لكنه عري من الآثار( 17 )، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة( 18 )، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم سحر صريح( 19 ) فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى انتهى]. فتعقَّب الحافظ ابن حجر قول الذهبي هذا فقال رادَّاً عليه هناك: [وقد عاب التاج السبكي على المصنف –أي الذهبي- ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب( 20 )، وقال: إنه ليس من الرواة( 21 )، وقد تبرَّأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب، فكيف ذكر هذا وأمثاله ممن لا رواية لهم كالسيف الآمدي، ثم اعتذر عنه بأنه يرى أن القدح في هؤلاء من الديانة( 22 )، وهذا بعينه التعصب( 23) في المعتقد، والفخر كان من أئمة الأصول وكتبه في الأصلين شهيرة سائرة، وله ما يُقْبَل وما يُرَدُّ( 24 )، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخصه: أن مولده سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة في رمضان، واشتغل على والده وكان من تلامذة البغوي، ثم اشتغل على الكمال السِّمْنَاني،وتَمَهَّرَ في عدة علوم، وعقد مجلس الوعظ، وكان إذا وعظ يحصل له وجد زائد، ثم أقبل على التصنيف فصنف التفسير الكبير( 25 )، والمحصول في أصول الفقه، والمعالم، والمطالب العالية، والأربعين، والخمسين، والمحاضر والمباحث المشرقية، وطريقةٌ في الخلاف، ومناقب الشافعي، وكان في أول أمره فقيراً، ثم اتفق أنه صاهر تاجراً متمولاً، وله ولدان فزوجهما ابنتيه، ومات التاجر فتقلب الفخر في ذلك المال، وصار من رؤساء ذلك الزمان( 26 )، (يقوم على رأسه خمسون مملوكاً بمناطق الذهب وحلل الوشى)( 27 ) قاله ابن الرسب في تاريخه( 28 ).
قال: وقال للسلطان يوماً: نحن في ظل سيفك. فقال له السلطان: ونحن في شمس علمك( 29 ).
قال: وكانت له أوراد من صلاة وصيام لا يُخِلُّ بها، وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز( 30 )، وكان يعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حَلِّها( 31 )، حتى قال بعض المغاربة( 32 ) يورد الشبه نقداً ويحلها نسيئة(33 )، وقد ذكره ابن دحية بمدح وذم( 34 )، وذكره ابن شامة فحكى عنه أشياء ردية( 35 )، وكانت وفاته بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة، ورأيت في الإكسير في علم التفسير للنجم الطوفي ما ملخصه:
ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الإمام فخر الدين، إلا أنه كثير العيوب، فحدثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين الشِّرْمياحي( 36 ) المغربي( 37 ): أنه صنف كتاب المأخذ في مجلدين بين فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج، وكان ينقم عليه كثيراً ويقول: يورد شبه المخالفين في المذهب والدّين على غاية ما يكون من التحقيق ثم يورد مذهب أهل السنة والحق على غاية من الوهاء( 38 )، قال الطوفي(39 ): ولعمرى إن هذا دأبه في كتبه الكلامية والحكمية حتى اتهمه بعض الناس، ولكنه خلاف ظاهر حاله لأنه لو كان اختار قولاً أو مذهباً ما كان عنده من يخاف منه حتى يستر عنه، ولعل سببه أنه كان يستفرغ أقوالاً في تقرير دليل الخصم، فإذا انتهى الى تقرير دليل نفسه لا يبقى عنده شيء من القوى، ولا شك أن القوى النفسانية تابعه للقوى البدنية، وقد صرَّح في مقدمة "نهاية العقول" أنه مقرر مذهب خصمه تقريراً لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة على ذلك( 40 )، وذكر ابن خليل السكوني في كتابه الرد على الكشاف أن ابن الخطيب قال في كتبه في الأصول إن مذهب الجبر هو المذهب الصحيح( 41 )، وقال بصحة الأعراض ونفى صفات الله الحقيقية وزعم انها مجرد نِسَبٍ وإضافات كقول الفلاسفة( 42 ) وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع، ونقل عن تلميذه التاج الأرموي أنه بصر( 43 ) كلامه فهجره أهل مصر وهموا به فاستتر، ونقلوا عنه أنه قال: عندي كذا وكذا مائة شبهة على القول بحدوث العالم، ومنها ما قاله شيخه ابن الخطيب في آخر الأربعين: والمتكلم يستدل على القِدَم بوجوب تأخر الفعل ولزوم أوليته، والفيلسوف يستدل على قِدَمِهِ باستحالة تعطل الفاعل عن أفعاله، وقال في شرح الأسماء الحسنى: إن مَنْ أخَّر عقاب الجاني مع علمه بأنه سيعاقبه فهو الحقود، وقد تعقب بأن الحقود من أخَّر مع العجز، أما مع القدرة فهو الحلم، والحقود إنما يعقل في حق المخلوق دون الخالق بالإجماع، ثم أسند عن ابن الطباخ أن الفخر كان شيعياً يقدّم محبة أهل البيت لمحبة الشيعة، حتى قال في بعض تصانيفه: وكان عليٌّ شجاعاً بخلاف غيره، وعاب عليه تصنيفه لتفسيره مفاتيح الغيب والمختصر في المنطق والآيات البينات، وتقريره لتلامذته في وصفه بأنه الإمام المجتبى أستاذ الدنيا أفضل العالم فخر ابن آدم حجة الله على الخلق صدر صدور العرب والعجم هذا آخر كلامه. وقد مات الفخر يوم الإثنين سنة ست وست مائة بمدينة هَرَاة واسمه محمد بن عمر بن الحسين وأوصى بوصية تدل على أنه حسَّن اعتقاده]. انتهى من "لسان الميزان" وفيه مبالغة وأمور من مناوئين شانئين لا تُقْبل. وما تحته خط هنا في آخر ترجمته غير موجود في نسخة "لسان الميزان" التي طبعها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وإنما هو في حواشي النسخ المطبوعة وهو من زيادات بعض النساخ كما يظهر! فتنبَّه لذلك.
قال القاضي ابن خَلِّكان في "وفيات الأعيان" (4/252): [وتوفي يوم الإثنين، وكان عيد الفطر، سنة ست وستمائة بمدينة هراة، ودفن آخر النهار في الجبل المصاقب لقرية مزداخان، رحمه الله تعالى، ورأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلاميذته تدل على حُسْنِ العقيدة]. فالكلمة ينبغي أن تكون (حُسْنِ العقيدة) لا (حَسَّنَ اعتقاده).
الحواشي السفلية:
( 1 )الري: بلدة قديمة جنوب شرقي طهران، تعتبر مدينة رَي التاريخية التي ما زالت آثارها ماثلة للعيان على بعد 6 كيلومترات جنوب شرقي طهران في إيران.
( 2 ) هو: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (596-668هـ): الطبيب المؤرخ، صاحب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ط) في مجلدين. كان مقامه في دمشق، وفيها صنف كتابه سنة 643 هـ ومولده بها. زار مصر سنة 634 وأقام بها (طبيباً) مدة سنة. ومن كتبه أيضاً (التجاريب والفوائد) و (حكايات الأطباء في علاجات الأدواء) و (معالم الأمم) وله شعر كثير. وتوفي بِصَرْخَد (من بلاد حوران، في سورية). أفاده الزركلي في (الأعلام). له ترجمة في: النجوم الزاهرة 7: 229، وخطط مبارك 12: 141، والبدايه والنهاية 13: 257، وآداب اللغة 3: 157، ودائرة المعارف الاسلامية 1: 69، والدارس 2: 137، وأدباء الأطباء 1: 52.
( 3 ) أي ضخم البدن.
( 4 ) في الوافي بالوفيات (4/249). مع تقديم وتأخير وحذف واختصار اقترفه الذهبي، وأسوء من ذلك ترجمة ابن كثير له في "البداية والنهاية" (13/326) مع تظاهر بالإنصاف.
( 5 ) قوله (لم يتممه) أي بقيت فيه بعض مباحث تحتاج لاستكمال وبحث، لا أنه لم يكمله إلى آخره، لاحظ هنا أنه قال (لم يتممه) ولم يقل (لم يتمه). ولفظة (لم يتممه) معناها: أن فيه أبحاثاً أو مواضع لم يتمم الكلام فيها مع أنه أتمَّ التفسير كاملاً بشكل عام. قال الصفدي في ترجمة الفخر الرازي: [ومن تصانيف الإمام رحمه الله تعالى: التفسير الذي له وهو في ستة وعشرين مجلداً ذكر تفسير الفاتحة منه في مجلدة وهو على تجزئة الفاتحة في أكثر من ثلاثين مجلداً وأكمل التفسير على المنبر إملاء].
( 6 ) يعني باللغة العربية وباللغة الفارسية.
( 7 ) يعني رجعوا من مذهب التشبيه والتجسيم إلى مذهب التنزيه.
( 8 ) هَرَات أو هَرَاة ويقول العجم (هِرَاة) بلدة مشهورة بأفغانستان بقرب الحدود الإيرانية.
( 9 ) مَراغه بالفتح بلدة شمال غرب إيران.
( 10 ) تعبير مشين، قال اليافعي في "مرآة الجنان" (2/139): ((كذا قاله ابن خَلِّكان، قلت: وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على استيلاء شرعي من نحو وصاية أو وكالة)).
( 11 ) الجملة في تاريخ الصفدي: [وعامل شهاب الدين الغوري صاحب غزنة في جملة من المال، ثم مضى إليه لاستيفاء حقه منه فبالغ في إكرامه والإنعام عليه وحصل له من جهته مال طائل، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب، ولم يبلغ أحد منزلته عنده، ومناقبه أكثر من أن تعد، وفضائله لا تحصى ولا تحد].
( 12 ) ربما يكون المال والثروة حصلت للفخر الرازي من الشهاب الغوري لا من ذلك الطبيب! فشنع الخصوم والحسدة عليه بأنه استولى على مال الطبيب بعد وفاة الطبيب.
( 13 ) سيأتي أن أبا شامة الدمشقي قال في ترجمة الفخر الرازي خاصة: ((ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع)). لأنه كلام كذب وافتراء. وقال الصفدي في ترجمته في "الوافي بالوفيات" (4/249) عند الكلام على وصية الفخر الرازي: [قلت: ومن وقف على هذه الألفاظ علم ما كان عليه هذا الإمام من صحة الاعتقاد ويقين الدين واتِّباع الشريعة المطهرة].
( 14 ) فهو بهذا مخالف وغير تابع لهم وهذا مما يقضي على تشغيبات الذهبي وتهويشاته.
( 15 ) مرند بلدة في شمالي إيران اليوم غرب بحر قزوين.
( 16 ) هرات أو هراة: بلدة مشهورة بأفغانستان بقرب الحدود الإيرانية.
( 17 ) وكم من حنبلي مجسم كان من أهل الآثار وكان مجسماً ضالاً لا عقل له يجمع الواهيات والموضوعات والشاذ والمختلَف فيه فيجعله عقيدة يُكَفِّرُ بها مخالفيه.
( 18 ) افتراء من الذهبي على هذا الإمام لأنه لا يوافقه في المعتقد، والذهبي مُتَحَيِّرٌ أيضاً من تلامذة ابن تيمية الرادّين على الفخر رحمه الله تعالى، فلا عجب في أن يقول مثل هذا ويشنِّع على الفخر، إلا أن الذهبي اعتدل فيما بعد فترجمه ترجمة أحسن من هذه في تاريخه كما تقدَّم. وقد غمز الذهبي بمثل ذلك في الإمام الغزالي وتظاهر بالإنصاف لأنه يخالفه في المعتقد فقال في تاريخ الإسلام (8/101): [قلت: للغزالي غلط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخول في الفلسفة، وشكوك. ومن تأمل كتبه العقلية رأى العجائب. وكان مُزْجَى البضاعة من الآثار، على سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته]. وفي "لسان العرب" (14/355): [المُزْجَى القَلِيل وبضاعةٌ مُزْجاةٌ قليلة وفي التنزيل العزيز {وجِئْنا ببِضاعةٍ مُزجاةٍ}يوسف:88، وقال ثعلب: بِضاعةٌ مُزجاةٌ فيها إِغْماضٌ لم يَتِمَّ صلاحُها].
( 19 ) ليس هذا الكتاب للفخر الرازي كما صَرَّحَ غير واحد من أهل العلم. قال ابن قاضي شُهْبَة في "طبقات الشافعية" ص (73) وابن العماد في الشذرات في ترجمته: [ومن تصانيفه على ما قيل كتاب "السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم" على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته]. وقد نفى تاج الدين السبكي نسبة كتاب "السر المكتوم في مخاطبة النجوم" للفخر الرازي وقال في "طبقات الشافعية الكبرى" (8/45): [وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه]. وقال السبكي هناك أيضاً: [واعلم أن شيخنا الذهبي ذكر الإمام في كتاب "الميزان في الضعفاء" وكتبت أنا على كتابه حاشية مضمونها أنه ليس لذكرِه في هذا المكان معنى ولا يجوز من وجوه عدة أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة وأدناها أنه لا رواية له، فَذِكْرُهُ في كتب الرواة مجرد فضول وتعصب وتحامل تقشعر منه الجلود، وقال في "الميزان": له كتاب أسرار النجوم سحر صريح. قلت: وقد عرفناك أن هذا الكتاب مختلق عليه وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر]. وجاء في كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" (2/989) للعلامة حاجي خليفة ما نصه: ["السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم" للإمام فخر الدين محمود بن عمر الرازي. المتوفى: سنة 606، ست وستمائة. قيل: إنه مختلق عليه، فلم يصح أنه له، وقد رأيت في الكتاب أنه: للحَرَالِّي، أبي الحسن: علي بن أحمد المغربي المتوفى: سنة...]. قلت: الحَرَالّي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن حسن التُّجَيبي الأندلسي المتوفى سنة 638هـ. وكتاب "السر المكتوم" على فرض كونه من تأليف الفخر الرازي جاء في أوله: [الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علمه، ونفذ في كل شيء حكمه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وشفيع الأمة، محمد وآله الطاهرين، أما بعد: فهذا كتاب يجمع فيه ما وصل إلينا من علم الطلسمات والسحريات والعزائم ودعوة الكواكب مع التبري عن كل ما يخالف الدين، وسلم اليقين، والتكلان على إحسان الرحمن،..].
( 20 ) يعني: كتاب الذهبي "ميزان الاعتدال في نقد الرجال".
( 21 ) يعني أن كتاب الميزان للذهبي مخصص لرواة الأحاديث والفخر الرازي والآمدي وأمثالهم ليسوا من الرواة، فذكره لهؤلاء في الكتاب إنما هو ليتكلم عليهم ويطعن فيهم!
( 22 ) يعني أن الذهبي يرى القدح في أمثال الرازي والآمدي من المنزهة أمر ديني يثاب عليه.
( 23 ) وهذه شهادة من الحافظ ابن حجر على الذهبي بأنه متعصب! وقد شهد على الذهبي بالتعصب جماعة من الحفاظ منهم السبكي والسخاوي والسيوطي وغيرهم كما ذكرت ذلك في مقدمة كتاب "العلو" للذهبي. وانظر في هذا الكتاب التعليق رقم (52).
( 24 ) صحيح، وكل أحد يؤخذ من قوله ويردُّ عليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
( 25 ) وهذا تصريح بأن جميع التفسير الكبير له إلا ما زاده عليه بعض تلامذته من كلامه الذي كان يذكره على المنبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
( 26 ) قوله (ومات التاجر فتقلب الفخر في ذلك المال) تخفيف وتصرّف في العبارة، لكن قوله (وصار من رؤساء ذلك الزمان) يشعر ويفيد بأنه من غير مال ذلك الطبيب لم يصر من الرؤساء.. وهذا غير مقبول ولا معقول.. لأن الرجل اشتهر وتقدَّم وقصده الناس لعلمه لا لماله.. كما يبدو.
( 27 ) لم يَذْكُر هذا الكلام صاحب مرآة الجنان في ترجمته، ولا الذهبي في تاريخ الإسلام، ولا الصفدي في الوافي بالوفيات، وهو مما يفيد أنها من تهويشات الأعداء ووضعهم.
( 28 ) لم أجد مؤرّخاً اسمه ابن الرسب فالظاهر أنه تحرَّف، وربما كان هذا الرجل هو: كمال الدين الأدفوي (ت748هـ)، فإنه في كتابه ((البدر السافر عن أُنس المسافر)) ذكر ترجمة نحو (600) من أعيان المائة السابعة، وتضمن كذلك تراجم جملة وافرة من أعلام الخامس والسادس وهو مرتَّب على حروف المعجم، مطبوع في ثلاث مجلدات تقع جميعها
في (1598) صفحة. ووقع في طبعة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى للسان الميزان (ابن الربيب) وابن الربيب القيرواني ولد سنة 380هـ فهذا مستبعد، وهو خطأ. والله أعلم.
( 29 ) وهذا يثبت أنه ترأس بالعلم لا بالمال.
( 30 ) يعني من حيث عدم الشك في الدِّين وعدم التردد فيه وعدم قبول ما يخالفه في الرسوخ، لا أن للعجائز ديناً خاصاً، أو أنه عنى بها أمراً آخر لم ندركه، ولم يعن النهي عن البحث والنظر والاستدلال. هذا إن صحت هذه المقالة عنه.
( 31 ) لم يذكروا لنا أمثلة عن هذه الشبه، وللإجابة عليها لا بدّ أن نحصر الأمر بالتالي:
1- الذي أراه أن المسائل التي يعتبرونها شبهاً أكثرها حق عند الإمام الرازي رحمه الله تعالى يوردها على أنها من كلام المخالف ويذكر أدلتها ويذكر الإجابة عليها، لأن ما يخالفها ضعيف بنظره ولا تنهض أدلته للحجة، ولا يصرِّح بأن خلافها مما اعتبروها شبهاً هي متبناه لينجو من اتهاماتهم وتهويشاتهم.
2- إن مخالفيه بل وبعض أهل المذهب الذي ينتمي هو له يرمون مخالفهم من نفس المذهب بالاعتزال والتشيع على عادة المهوشين، وهو مرميٌّ بذلك وببعض ذلك في هذا النص، فقد رموا أيضاً مثل الإمام الماوردي وغيره بالاعتزال. قال الذهبي في ترجمة الرازي في "تاريخ الإسلام" (9/432): [قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة].
3- بعض المغاربة من الأشاعرة من أشد الناس على المخالف للمشهور المعتمد عندهم، وفيهم تعصب زائد، ومن ذلك أنهم أحرقوا كتب الإمام الغزالي، وحملوا على شيخه إمام الحرمين، لأنه خالف الأشعري بزعمهم، فالرازي يعرض أدلة القول المعتمد عنده بإسهاب ثم لا يطيل بالرد عليه ربما لضعف القول الذي لا يتبناه ولعدم قيام الحجة فيه، وفي كل ذلك لا يصرّح بما يتبناه لئلا تناله تشنيعاتهم وتشغيباتهم.
( 32 ) بعض المغاربة متعصبون لمذهبهم! والخارج عن الأشعري يشنعون عليه وينتقصونه! ومن أمثلة ذلك ما قاله ابن كثير في "البداية والنهاية" (12/174) في ترجمة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: [وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين وكذلك غيره من المغاربة وقالوا هذا كتاب إحياء علوم دينه وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله]. مع أن الذي فعله متعصبوا المغاربة أنكره منصفوهم! فقد جاء في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله الجُذامي المتوفى (سنة 509هـ) في "الوافي بالوفيات" للصفدي (7/21): ((وكان فقيهاً مشاوراً (ربما مشاركاً) صادعاً بالحق. أوجب في كتب أبي حامد الغزالي المُحْرَقة بقرطبة على يد قاضيها أبي عبد الله أحمد بن حمدين بأمر والي المغرب إذْ ذاك تأديبَ مُحْرِقِهَا وتضمينَه قيمتها)). وكذلك ذكره المراكشي في كتابه ((السفر الخامس من كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة)) (1/308).
( 33 ) هذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه وانظر التفسير لتدرك بطلان ذلك إلا في بعض المسائل، بل الواقع أنه يوردها نقداً ويحلها نقداً وعدَّاً!
( 34 ) لا عبرة بما قاله فيه ابن دحية وهو مغربي أندلسي سبتي، فقد قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (4/1421) في ترجمة ابن دحية المتوفى سنة 633 وعمره نيف وثمانون: [وكان معروفاً على كثرة علمه وفضائله بالمجازفة والدعاوى العريضة، قال الحافظ الضياء: لقيته بأصبهان ولم أسمع منه شيئاً ولم يعجبني حاله كان كثير الوقيعة في الأئمة].
( 35 ) الذي قاله أبو شامة كما نقله الذهبي في تاريخه: [قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة].
( 36 ) تصحَّف اسمه على عادة بعض الأسماء الواقعة في هذا الكتاب، فوقع فيه (السرمياحي) والصحيح كما أثبتُّهُ (ت673هـ)وهو كما في "تاريخ الإسلام" للذهبي (49/282): [عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المفتي العلامة سراج الدين الشرمساحي البصري الفقيه المالكي مدرس المستنصرية من كبار أئمة المذهب وكان زاهداً صالحاً متصوفاً مات في جمادى الآخرة وله سبعون سنة].
( 37 ) وهو متعصب ضد الفخر الرازي غير منصف في حقه! لأن كلامه مغاير للحقيقة، بل المتتبع والمطلع على التفسير وغيره يجده يسهب في رد كلام المخالفين! إلا إذا كان قول المخالفين قوياً من ناحية الدليل!
( 38 ) ليس هذا القول صحيحاً بل هو قول متعصب منابذ للواقع والحقيقة! وينبغي أن نفهم أن الفخر أحياناً كان يورد كلام المعتزلة أيضاً وهو موافق لهم فيما قالوه ويسترسل في ذكر أقوالهم المؤيَّدَة بالقرآن والعقل ويذكر مذهب جمهور الأشعرية أو أهل السنة السائد فَيَظْهَرُ ضعف ما ذهبوا إليه! ولذلك اتهموه بما اتهموه به أولئك المتعصبة لمذهبهم لا إلى الدليل!
ومما يجب أن يُعلَم: أن جماعةً من المغاربةِ ساروا على طريقة إبانة الأشعري وطريقة الباقلاني اللذين يثبتان الصفات على طريقة الحنابلة المجسمة، وكانت طريقة الرازي هي طريقة إمام الحرمين والغزالي وأمثالهما من المنزهين المغايرة لمنهج الباقلاني والأشعري، ولذلك اعتبر هؤلاء المغاربة طريقة الفخر مخالفة لمذهب أهل السنة(!!)
( 39 ) الطوفي الملقب بالنجم هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الحنبلي المتوفى سنة 716هـ ولا عبرة بقوله هنا، له ترجمة في كتاب "الدرر الكامنة" (2/295) لابن حجر.
( 40 ) وهذا يوافق ما قلناه سابقاً!
( 41 ) قال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى في التعليق على ((النظامية)) ص (36): [والرازي هو قدوة المتأخرين في تصور الجبر في مذهب الأشعري لكن استقرَّ رأيه على ما ذكره في "نهاية العقول في دراية الأصول" حيث قال: ((إن للقدرة معنيين: أحدهما: مجرَّد القوة التي هي مبدأ الأفعال المختلفة، والثاني: القوة المستجمعة لشرائط التأثير، والأولى قبل الفعل، وتتعلق بالضدين -وهي مدار التكليف- والثانية مع الفعل ولا تتعلق بالضدين، ولعل الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثير، فلذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين، والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرَّد القوة العضلية، فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور المتضادة، فهذا وجه الجمع بين المذهبين)) اهـ. وهكذا يكون الرازي أفلت من يد من يرى الجبر في مذهب الأشعري..] انتهى كلام العلامة الكوثري رحمه الله تعالى. ومما قاله الرازي من الكلام الصريح في ترك مذهب الجبر أنني وجدته في كتابه ((أصول الدين)) ص (89) حيث قال هناك: [قال أبو الحسن الأشعري: الاستطاعة لا توجد إلا مع الفعل، وقالت المعتزلة: لا توجد إلا قبل الفعل، والمختار عندنا أن القدرة هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنها حاصلة قبل حصول الفعل...]. وكل هذا مما يثبت لنا أنه ترك الجبر واعتمد مذهب الاختيار وهذا يدحض ما أطلقه السكوني.
( 42 ) قال التفتازاني في "شرح المقاصد" (3/109): [وإنما الخلاف في الصفات الثبوتية الحقيقية مثل كونه العالم والقادر، فعند أهل الحق له صفات أزلية زائدة على الذات، فهو عالم له علم وقادر له قدرة وحي له حياة، وكذا في السميع والبصير والمتكلم وغير ذلك مع اختلاف في البعض وفي كونها غير الذات بعد الاتفاق على أنها ليست عين الذات، وكذا في الصفات بعضها مع بعض وهذا لفرط تحرزهم عن القول بتعدد القدماء حتى منع بعضهم أن يقال صفاته قديمة وإن كانت أزلية بل يقال هو قديم بصفاته وآثروا أن يقال هي قائمة بذاته أو موجودة بذاته ولا يقال هي فيه أو معه أو مجاورة له أو حالة فيه لإيهام التغاير وأطبقوا على أنها لا توصف بكونها أعراضاً وخالف في القول بزيادة الصفات أكثر الفرق كالفلاسفة والمعتزلة ومن يجري مجراهم من أهل البدع والأهواء وسموا القائلين بها بالصفاتية ثم اختلفت عباراتهم فقيل هو حي عالم قادر لنفسه وقيل بنفسه وقيل لكونه على حالة هي أخص صفاته وقيل لا لنفسه ولا لعلل وكلام الإمام الرازي في تحقيق إثبات الصفات وتحرير محل النزاع ربما يميل إلى الاعتزال..].
( 43) هذه الكلمة معناها عندي أنه قرأ كلامه واعتمده.
ترجمة الفخر الرازي
من عدة مراجع مع تعليقاتنا على ما قالوه في ترجمته
أعرض لكم نبذاً من أقوال عدد من العلماء الذين ترجموا للفخر الرازي رحمه الله تعالى معلِّقاً على ما يحتاج لتعليق وبيانٍ وإيضاح والله الموفق:
قال الذهبي في ترجمته في ((تاريخ الإسلام)) (9/432):
[محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي: العلامة فخر الدين، أبو عبد الله القرشي، البكري، التيمي، الطبرستاني الأصل، الرازي، ابن خطيب الرَّي( 1 )، الشافعي، المفسّر، المتكلِّم، صاحب التصانيف. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة. اشتغل على والده الإمام ضياء الدين عمر، وكان من تلامذة محيي السنة أبي محمد البغوي. قال الموفق أحمد بن أبي أُصَيْبِعَة( 2 ) في ((تاريخه)): ((انتشرت في الآفاق مصنفات فخر الدين وتلامذته. وكان إذا ركب، مشى حوله نحو ثلاثمائة تلميذ فقهاء، وغيرهم، وكان خوارزم شاه يأتي إليه، وكان شديد الحرص جداً في العلوم الشرعية والحكمية، حاد الذهن، كثير البراعة، قوي النظر في صناعة الطب، عارفاً بالأدب، له شعر بالفارسي والعربي، وكان عبل( 3 ) البدن، رَبْع القامة، كبير اللحية، في صوته فخامة. كانوا يقصدونه من البلاد على اختلاف مطالبهم في العلوم وتفننهم، فكان كل منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه. قرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغة، وكان المجد من كبار الفضلاء وله تصانيف)). قلت (الذهبي): يعني بالحكمة: الفلسفة. قال القاضي شمس الدين ابن خَلِّكان(4) فيه: ((فريد عصره ونسيج وحده. وشهرته تغني عن استقصاء فضائله، ولقبه فخر الدين. وتصانيفه في علم الكلام والمعقولات سائرة في الآفاق، وله تفسير كبير لم يتممه( 5 ).
ومن تصانيفه في علم الكلام: المطالب العالية، وكتاب نهاية العقول، وكتاب الأربعين، وكتاب المحصل، وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وكتاب المباحث العمادية في المطالب المعادية، وكتاب المحصول في أصول الفقه، وكتاب عيون المسائل، وكتاب تأسيس التقديس في تأويل الصفات، وكتاب إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار، وكتاب أجوبة المسائل البخارية، وكتاب تحصيل الحق، وكتاب الزبدة، وكتاب المعالم في أصول الدين، وكتاب الملخص في الفلسفة، وكتاب شرح الإشارات، وكتاب عيون الحكمة، وكتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، وشرح أسماء الله الحسنى. ويقال: إنه شَرَحَ المُفَصَّل للزمخشري، وشرح الوجيز للغزالي، وشرح سِقْطُ الزَّنْد لأبي العلاء. وله مختصر في الإعجاز ومؤخذات جيدة على النحاة، وله طريقة في الخلاف.
وصنف في الطب شرح الكليات للقانون، وصنف في علم الفِرَاسة، وله مصنَّف في مناقب الشافعي. وكل تصانيفه ممتعة، ورزق فيها سعادة عظيمة، وانتشرت في الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال فيها، ورفضوا كتب المتقدمين.
وله في الوعظ باللِّسانين( 6 ) مرتبة عالية، وكان يَلْحَقُهُ الوَجْدُ حال وعظه، ويحضر مجلسه أرباب المقالات والمذاهب ويسألونه. ورجع بسببه خلق كثير من الكرَّامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة( 7 )، وكان يُلَقَّبُ بِهَرَاة( 8 ): شيخ الإسلام. اشتغل على والده إلى أن مات، ثم قصد الكمال السِّمْنَاني، واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الرَّي، واشتغل على المجد الجيلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه النيسابوري، وتوجه معه إلى مَرَاغة( 9 ) لما طلب إليها.
ويقال: إنه كان يحفظ كتاب "الشامل" في علم الكلام لإمام الحرمين، ثم قصد خوارزم وقد تمهَّر في العلوم، فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والعقيدة، فأُخرج من البلد، فقصد ما وراء النهر، فجرى له أيضاً ما جرى بخوارزم، فعاد إلى الرَّي، وكان بها طبيب حاذق، له ثروة ونعمة، وله بنتان، ولفخر الدين ابنان، فمرض الطبيب، فزوج بنتيه بابني الفخر، ومات الطبيب فاستولى الفخر على جميع أمواله( 10 )، ومن ثم كانت له النعمة. ولما وصل إلى السلطان شهاب الدين الغوري، بالغ في إكرامه والإنعام عليه، وحصلت له منه أموال عظيمة، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب( 11 ). وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه. وكان يكثر البكاء حال الوعظ. وكان لما أثرى، لازم الأسفار والتجارة، وعامل شهاب الدين الغوري في جملة من المال، ومضى إليه لاستيفاء حقه، فبالغ في إكرامه، ونال منه مالاً طائلاً( 12 ). إلى أن قال ابن خَلِّكان: ومناقبه أكثر من أن تُعَدَّ وفضائله لا تحصى ولا تحد. واشتغل بعلوم الأصول على والده، وأبوه، واشتغل على أبي القاسم الأنصاري صاحب إمام الحرمين، واسمه سليمان بن ناصر. وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي، وأبو شامة: اعتنى الفخر الرازي بكتب ابن سينا وشرحها. وكان يعظ وينال من الكرَّامية، وينالون منه سباً وتكفيراً. منها: أنه قال: قال محمد التازي وقال محمد الرازي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه، والتازي: هو العربي( 13 ).
ومنها: أنه كان يقرر مسائل الخصوم وشبههم بأتم عبارة، فإذا جاء بالأجوبة، قنع بالإشارة. ولعله قصد الإيجاز، ولكن أين الحقيقة من المجاز. وقد خالف الفلاسفة الذين أخذ عنهم هذا الفن فقال في كتاب "المعالم": أطبقت الفلاسفة على أن النفس جوهر وليست بجسم، قال: وهذا عندي باطل لأن الجوهر يمتنع أن يكون له قرب أو بعد من الأجسام( 14 ).
قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة.
قال: وبلغني أنه خلَّف من الذَّهَب ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار، وغير ذلك. وخلَّف وَلَدَين كان الأكبر منهما قد تجند في حياة أبيه، وخدم السلطان خوارزم شاه.
قلت: ومن تلامذته مُصَنِّفُ "الحاصل" تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي، وقد توفي قبل وقعة بغداد، وشمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، والقاضي شمس الدين الخُوَيِّي، ومحيي الدين قاضي مرند( 15 ).
وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلدة كبار سماه "فتوح الغيب" أو "مفاتيح الغيب". وفسَّر " الفاتحة " في مجلد مستقل. وشرح نصف "الوجيز" للغزالي. وله كتاب "المطالب العالية" في ثلاث مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه، وله كتاب "عيون الحكمة" فلسفة، وكتاب في الرمل، وكتاب في الهندسة، وكتاب "الاختبارات السماوية" تنجيم، وكتاب "الملل والنحل"، وكتاب في النبض، وكتاب "الطب الكبير"، وكتاب "التشريح" لم يتمه، ومصنفات كثيرة ذكرها الموفق ابن أبي أصيبعة، وقال: كان خطيب الري، وكان أكثر مقامه بها، وتوجه إلى خوارزم ومرض بها، وامتد مرضه أشهراً، ومات بهراة( 16 ) بدار السلطنة. وكان علاء الملك العلوي وزير خوارزم شاه قد تزوج بابنته. وكان لفخر الدين أموال عظيمة ومماليك تُرْك وحشم وتجمل زائد، وعلى مجلسه هيبة شديدة. ومن شعره:
نهاية إقدام العقول عقـــــــــــــــــــال وأكثر سعي العالمين ضــــــــــــــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنـــــا وحاصل دنيانا أذى ووبـــــــــــــــــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنـــا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالــــــــــوا
وكم قد رأينا من رجال ودولــــــــة فبادوا جميعاً مسرعين وزالـــــــــــوا
وكم من جبال قد علت شرفاتهـــــا رجال فزالوا والجبال جبـــــــال...].
انتهى كلام الذهبي. وفيه ما فيه من محاولات تشويهٍ لهذا الإمام الفاضل المُنَزِّه.
العلامة القِفْطِي (ت568-646هـ) يبين سبب وفاة الفخر:
قال العلامة القفطي في كتابه "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" ص (220):
[ورأيت في تاريخٍ لبعض المتأخرين ذكر فخر الدين ابن الخطيب فقال:.. محمد بن عمر بن الحسين الرازي أبو المعالي المعروف بابن خطيب الرَّي فخر الدين كَانَ من أفاضل أهل زمانه.. في الفقه وعلم الأصول والكلام والحكمة وَرَدَّ عَلَى أبي علي ابن سينا واستدرك عَلَيْهِ وَكَانَ عظيم الشأن بخراسان وسارت مصنفاته فِي الأقطار واشتغل بِهَا الفقهاء وَكَانَ يطعن عَلَى الكرَّامية ويبين خطأهم فقيل إنهم توصَّلوا إِلَى إطعامه السُّمَّ فهلك..].
ترجمة الفخر الرازي من (( لسان الميزان )) لابن حجر:
ذكر الحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) (4/426) أن الذهبي قال في الفخر الرازي في ((الميزان)): [الفخر ابن الخطيب: صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات، لكنه عري من الآثار( 17 )، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة( 18 )، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم سحر صريح( 19 ) فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى انتهى]. فتعقَّب الحافظ ابن حجر قول الذهبي هذا فقال رادَّاً عليه هناك: [وقد عاب التاج السبكي على المصنف –أي الذهبي- ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب( 20 )، وقال: إنه ليس من الرواة( 21 )، وقد تبرَّأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب، فكيف ذكر هذا وأمثاله ممن لا رواية لهم كالسيف الآمدي، ثم اعتذر عنه بأنه يرى أن القدح في هؤلاء من الديانة( 22 )، وهذا بعينه التعصب( 23) في المعتقد، والفخر كان من أئمة الأصول وكتبه في الأصلين شهيرة سائرة، وله ما يُقْبَل وما يُرَدُّ( 24 )، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخصه: أن مولده سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة في رمضان، واشتغل على والده وكان من تلامذة البغوي، ثم اشتغل على الكمال السِّمْنَاني،وتَمَهَّرَ في عدة علوم، وعقد مجلس الوعظ، وكان إذا وعظ يحصل له وجد زائد، ثم أقبل على التصنيف فصنف التفسير الكبير( 25 )، والمحصول في أصول الفقه، والمعالم، والمطالب العالية، والأربعين، والخمسين، والمحاضر والمباحث المشرقية، وطريقةٌ في الخلاف، ومناقب الشافعي، وكان في أول أمره فقيراً، ثم اتفق أنه صاهر تاجراً متمولاً، وله ولدان فزوجهما ابنتيه، ومات التاجر فتقلب الفخر في ذلك المال، وصار من رؤساء ذلك الزمان( 26 )، (يقوم على رأسه خمسون مملوكاً بمناطق الذهب وحلل الوشى)( 27 ) قاله ابن الرسب في تاريخه( 28 ).
قال: وقال للسلطان يوماً: نحن في ظل سيفك. فقال له السلطان: ونحن في شمس علمك( 29 ).
قال: وكانت له أوراد من صلاة وصيام لا يُخِلُّ بها، وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز( 30 )، وكان يعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حَلِّها( 31 )، حتى قال بعض المغاربة( 32 ) يورد الشبه نقداً ويحلها نسيئة(33 )، وقد ذكره ابن دحية بمدح وذم( 34 )، وذكره ابن شامة فحكى عنه أشياء ردية( 35 )، وكانت وفاته بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة، ورأيت في الإكسير في علم التفسير للنجم الطوفي ما ملخصه:
ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الإمام فخر الدين، إلا أنه كثير العيوب، فحدثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين الشِّرْمياحي( 36 ) المغربي( 37 ): أنه صنف كتاب المأخذ في مجلدين بين فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج، وكان ينقم عليه كثيراً ويقول: يورد شبه المخالفين في المذهب والدّين على غاية ما يكون من التحقيق ثم يورد مذهب أهل السنة والحق على غاية من الوهاء( 38 )، قال الطوفي(39 ): ولعمرى إن هذا دأبه في كتبه الكلامية والحكمية حتى اتهمه بعض الناس، ولكنه خلاف ظاهر حاله لأنه لو كان اختار قولاً أو مذهباً ما كان عنده من يخاف منه حتى يستر عنه، ولعل سببه أنه كان يستفرغ أقوالاً في تقرير دليل الخصم، فإذا انتهى الى تقرير دليل نفسه لا يبقى عنده شيء من القوى، ولا شك أن القوى النفسانية تابعه للقوى البدنية، وقد صرَّح في مقدمة "نهاية العقول" أنه مقرر مذهب خصمه تقريراً لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة على ذلك( 40 )، وذكر ابن خليل السكوني في كتابه الرد على الكشاف أن ابن الخطيب قال في كتبه في الأصول إن مذهب الجبر هو المذهب الصحيح( 41 )، وقال بصحة الأعراض ونفى صفات الله الحقيقية وزعم انها مجرد نِسَبٍ وإضافات كقول الفلاسفة( 42 ) وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع، ونقل عن تلميذه التاج الأرموي أنه بصر( 43 ) كلامه فهجره أهل مصر وهموا به فاستتر، ونقلوا عنه أنه قال: عندي كذا وكذا مائة شبهة على القول بحدوث العالم، ومنها ما قاله شيخه ابن الخطيب في آخر الأربعين: والمتكلم يستدل على القِدَم بوجوب تأخر الفعل ولزوم أوليته، والفيلسوف يستدل على قِدَمِهِ باستحالة تعطل الفاعل عن أفعاله، وقال في شرح الأسماء الحسنى: إن مَنْ أخَّر عقاب الجاني مع علمه بأنه سيعاقبه فهو الحقود، وقد تعقب بأن الحقود من أخَّر مع العجز، أما مع القدرة فهو الحلم، والحقود إنما يعقل في حق المخلوق دون الخالق بالإجماع، ثم أسند عن ابن الطباخ أن الفخر كان شيعياً يقدّم محبة أهل البيت لمحبة الشيعة، حتى قال في بعض تصانيفه: وكان عليٌّ شجاعاً بخلاف غيره، وعاب عليه تصنيفه لتفسيره مفاتيح الغيب والمختصر في المنطق والآيات البينات، وتقريره لتلامذته في وصفه بأنه الإمام المجتبى أستاذ الدنيا أفضل العالم فخر ابن آدم حجة الله على الخلق صدر صدور العرب والعجم هذا آخر كلامه. وقد مات الفخر يوم الإثنين سنة ست وست مائة بمدينة هَرَاة واسمه محمد بن عمر بن الحسين وأوصى بوصية تدل على أنه حسَّن اعتقاده]. انتهى من "لسان الميزان" وفيه مبالغة وأمور من مناوئين شانئين لا تُقْبل. وما تحته خط هنا في آخر ترجمته غير موجود في نسخة "لسان الميزان" التي طبعها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وإنما هو في حواشي النسخ المطبوعة وهو من زيادات بعض النساخ كما يظهر! فتنبَّه لذلك.
قال القاضي ابن خَلِّكان في "وفيات الأعيان" (4/252): [وتوفي يوم الإثنين، وكان عيد الفطر، سنة ست وستمائة بمدينة هراة، ودفن آخر النهار في الجبل المصاقب لقرية مزداخان، رحمه الله تعالى، ورأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلاميذته تدل على حُسْنِ العقيدة]. فالكلمة ينبغي أن تكون (حُسْنِ العقيدة) لا (حَسَّنَ اعتقاده).
الحواشي السفلية:
( 1 )الري: بلدة قديمة جنوب شرقي طهران، تعتبر مدينة رَي التاريخية التي ما زالت آثارها ماثلة للعيان على بعد 6 كيلومترات جنوب شرقي طهران في إيران.
( 2 ) هو: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (596-668هـ): الطبيب المؤرخ، صاحب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ط) في مجلدين. كان مقامه في دمشق، وفيها صنف كتابه سنة 643 هـ ومولده بها. زار مصر سنة 634 وأقام بها (طبيباً) مدة سنة. ومن كتبه أيضاً (التجاريب والفوائد) و (حكايات الأطباء في علاجات الأدواء) و (معالم الأمم) وله شعر كثير. وتوفي بِصَرْخَد (من بلاد حوران، في سورية). أفاده الزركلي في (الأعلام). له ترجمة في: النجوم الزاهرة 7: 229، وخطط مبارك 12: 141، والبدايه والنهاية 13: 257، وآداب اللغة 3: 157، ودائرة المعارف الاسلامية 1: 69، والدارس 2: 137، وأدباء الأطباء 1: 52.
( 3 ) أي ضخم البدن.
( 4 ) في الوافي بالوفيات (4/249). مع تقديم وتأخير وحذف واختصار اقترفه الذهبي، وأسوء من ذلك ترجمة ابن كثير له في "البداية والنهاية" (13/326) مع تظاهر بالإنصاف.
( 5 ) قوله (لم يتممه) أي بقيت فيه بعض مباحث تحتاج لاستكمال وبحث، لا أنه لم يكمله إلى آخره، لاحظ هنا أنه قال (لم يتممه) ولم يقل (لم يتمه). ولفظة (لم يتممه) معناها: أن فيه أبحاثاً أو مواضع لم يتمم الكلام فيها مع أنه أتمَّ التفسير كاملاً بشكل عام. قال الصفدي في ترجمة الفخر الرازي: [ومن تصانيف الإمام رحمه الله تعالى: التفسير الذي له وهو في ستة وعشرين مجلداً ذكر تفسير الفاتحة منه في مجلدة وهو على تجزئة الفاتحة في أكثر من ثلاثين مجلداً وأكمل التفسير على المنبر إملاء].
( 6 ) يعني باللغة العربية وباللغة الفارسية.
( 7 ) يعني رجعوا من مذهب التشبيه والتجسيم إلى مذهب التنزيه.
( 8 ) هَرَات أو هَرَاة ويقول العجم (هِرَاة) بلدة مشهورة بأفغانستان بقرب الحدود الإيرانية.
( 9 ) مَراغه بالفتح بلدة شمال غرب إيران.
( 10 ) تعبير مشين، قال اليافعي في "مرآة الجنان" (2/139): ((كذا قاله ابن خَلِّكان، قلت: وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على استيلاء شرعي من نحو وصاية أو وكالة)).
( 11 ) الجملة في تاريخ الصفدي: [وعامل شهاب الدين الغوري صاحب غزنة في جملة من المال، ثم مضى إليه لاستيفاء حقه منه فبالغ في إكرامه والإنعام عليه وحصل له من جهته مال طائل، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب، ولم يبلغ أحد منزلته عنده، ومناقبه أكثر من أن تعد، وفضائله لا تحصى ولا تحد].
( 12 ) ربما يكون المال والثروة حصلت للفخر الرازي من الشهاب الغوري لا من ذلك الطبيب! فشنع الخصوم والحسدة عليه بأنه استولى على مال الطبيب بعد وفاة الطبيب.
( 13 ) سيأتي أن أبا شامة الدمشقي قال في ترجمة الفخر الرازي خاصة: ((ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع)). لأنه كلام كذب وافتراء. وقال الصفدي في ترجمته في "الوافي بالوفيات" (4/249) عند الكلام على وصية الفخر الرازي: [قلت: ومن وقف على هذه الألفاظ علم ما كان عليه هذا الإمام من صحة الاعتقاد ويقين الدين واتِّباع الشريعة المطهرة].
( 14 ) فهو بهذا مخالف وغير تابع لهم وهذا مما يقضي على تشغيبات الذهبي وتهويشاته.
( 15 ) مرند بلدة في شمالي إيران اليوم غرب بحر قزوين.
( 16 ) هرات أو هراة: بلدة مشهورة بأفغانستان بقرب الحدود الإيرانية.
( 17 ) وكم من حنبلي مجسم كان من أهل الآثار وكان مجسماً ضالاً لا عقل له يجمع الواهيات والموضوعات والشاذ والمختلَف فيه فيجعله عقيدة يُكَفِّرُ بها مخالفيه.
( 18 ) افتراء من الذهبي على هذا الإمام لأنه لا يوافقه في المعتقد، والذهبي مُتَحَيِّرٌ أيضاً من تلامذة ابن تيمية الرادّين على الفخر رحمه الله تعالى، فلا عجب في أن يقول مثل هذا ويشنِّع على الفخر، إلا أن الذهبي اعتدل فيما بعد فترجمه ترجمة أحسن من هذه في تاريخه كما تقدَّم. وقد غمز الذهبي بمثل ذلك في الإمام الغزالي وتظاهر بالإنصاف لأنه يخالفه في المعتقد فقال في تاريخ الإسلام (8/101): [قلت: للغزالي غلط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخول في الفلسفة، وشكوك. ومن تأمل كتبه العقلية رأى العجائب. وكان مُزْجَى البضاعة من الآثار، على سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته]. وفي "لسان العرب" (14/355): [المُزْجَى القَلِيل وبضاعةٌ مُزْجاةٌ قليلة وفي التنزيل العزيز {وجِئْنا ببِضاعةٍ مُزجاةٍ}يوسف:88، وقال ثعلب: بِضاعةٌ مُزجاةٌ فيها إِغْماضٌ لم يَتِمَّ صلاحُها].
( 19 ) ليس هذا الكتاب للفخر الرازي كما صَرَّحَ غير واحد من أهل العلم. قال ابن قاضي شُهْبَة في "طبقات الشافعية" ص (73) وابن العماد في الشذرات في ترجمته: [ومن تصانيفه على ما قيل كتاب "السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم" على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته]. وقد نفى تاج الدين السبكي نسبة كتاب "السر المكتوم في مخاطبة النجوم" للفخر الرازي وقال في "طبقات الشافعية الكبرى" (8/45): [وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه]. وقال السبكي هناك أيضاً: [واعلم أن شيخنا الذهبي ذكر الإمام في كتاب "الميزان في الضعفاء" وكتبت أنا على كتابه حاشية مضمونها أنه ليس لذكرِه في هذا المكان معنى ولا يجوز من وجوه عدة أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة وأدناها أنه لا رواية له، فَذِكْرُهُ في كتب الرواة مجرد فضول وتعصب وتحامل تقشعر منه الجلود، وقال في "الميزان": له كتاب أسرار النجوم سحر صريح. قلت: وقد عرفناك أن هذا الكتاب مختلق عليه وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر]. وجاء في كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" (2/989) للعلامة حاجي خليفة ما نصه: ["السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم" للإمام فخر الدين محمود بن عمر الرازي. المتوفى: سنة 606، ست وستمائة. قيل: إنه مختلق عليه، فلم يصح أنه له، وقد رأيت في الكتاب أنه: للحَرَالِّي، أبي الحسن: علي بن أحمد المغربي المتوفى: سنة...]. قلت: الحَرَالّي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن حسن التُّجَيبي الأندلسي المتوفى سنة 638هـ. وكتاب "السر المكتوم" على فرض كونه من تأليف الفخر الرازي جاء في أوله: [الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علمه، ونفذ في كل شيء حكمه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وشفيع الأمة، محمد وآله الطاهرين، أما بعد: فهذا كتاب يجمع فيه ما وصل إلينا من علم الطلسمات والسحريات والعزائم ودعوة الكواكب مع التبري عن كل ما يخالف الدين، وسلم اليقين، والتكلان على إحسان الرحمن،..].
( 20 ) يعني: كتاب الذهبي "ميزان الاعتدال في نقد الرجال".
( 21 ) يعني أن كتاب الميزان للذهبي مخصص لرواة الأحاديث والفخر الرازي والآمدي وأمثالهم ليسوا من الرواة، فذكره لهؤلاء في الكتاب إنما هو ليتكلم عليهم ويطعن فيهم!
( 22 ) يعني أن الذهبي يرى القدح في أمثال الرازي والآمدي من المنزهة أمر ديني يثاب عليه.
( 23 ) وهذه شهادة من الحافظ ابن حجر على الذهبي بأنه متعصب! وقد شهد على الذهبي بالتعصب جماعة من الحفاظ منهم السبكي والسخاوي والسيوطي وغيرهم كما ذكرت ذلك في مقدمة كتاب "العلو" للذهبي. وانظر في هذا الكتاب التعليق رقم (52).
( 24 ) صحيح، وكل أحد يؤخذ من قوله ويردُّ عليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
( 25 ) وهذا تصريح بأن جميع التفسير الكبير له إلا ما زاده عليه بعض تلامذته من كلامه الذي كان يذكره على المنبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
( 26 ) قوله (ومات التاجر فتقلب الفخر في ذلك المال) تخفيف وتصرّف في العبارة، لكن قوله (وصار من رؤساء ذلك الزمان) يشعر ويفيد بأنه من غير مال ذلك الطبيب لم يصر من الرؤساء.. وهذا غير مقبول ولا معقول.. لأن الرجل اشتهر وتقدَّم وقصده الناس لعلمه لا لماله.. كما يبدو.
( 27 ) لم يَذْكُر هذا الكلام صاحب مرآة الجنان في ترجمته، ولا الذهبي في تاريخ الإسلام، ولا الصفدي في الوافي بالوفيات، وهو مما يفيد أنها من تهويشات الأعداء ووضعهم.
( 28 ) لم أجد مؤرّخاً اسمه ابن الرسب فالظاهر أنه تحرَّف، وربما كان هذا الرجل هو: كمال الدين الأدفوي (ت748هـ)، فإنه في كتابه ((البدر السافر عن أُنس المسافر)) ذكر ترجمة نحو (600) من أعيان المائة السابعة، وتضمن كذلك تراجم جملة وافرة من أعلام الخامس والسادس وهو مرتَّب على حروف المعجم، مطبوع في ثلاث مجلدات تقع جميعها
في (1598) صفحة. ووقع في طبعة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى للسان الميزان (ابن الربيب) وابن الربيب القيرواني ولد سنة 380هـ فهذا مستبعد، وهو خطأ. والله أعلم.
( 29 ) وهذا يثبت أنه ترأس بالعلم لا بالمال.
( 30 ) يعني من حيث عدم الشك في الدِّين وعدم التردد فيه وعدم قبول ما يخالفه في الرسوخ، لا أن للعجائز ديناً خاصاً، أو أنه عنى بها أمراً آخر لم ندركه، ولم يعن النهي عن البحث والنظر والاستدلال. هذا إن صحت هذه المقالة عنه.
( 31 ) لم يذكروا لنا أمثلة عن هذه الشبه، وللإجابة عليها لا بدّ أن نحصر الأمر بالتالي:
1- الذي أراه أن المسائل التي يعتبرونها شبهاً أكثرها حق عند الإمام الرازي رحمه الله تعالى يوردها على أنها من كلام المخالف ويذكر أدلتها ويذكر الإجابة عليها، لأن ما يخالفها ضعيف بنظره ولا تنهض أدلته للحجة، ولا يصرِّح بأن خلافها مما اعتبروها شبهاً هي متبناه لينجو من اتهاماتهم وتهويشاتهم.
2- إن مخالفيه بل وبعض أهل المذهب الذي ينتمي هو له يرمون مخالفهم من نفس المذهب بالاعتزال والتشيع على عادة المهوشين، وهو مرميٌّ بذلك وببعض ذلك في هذا النص، فقد رموا أيضاً مثل الإمام الماوردي وغيره بالاعتزال. قال الذهبي في ترجمة الرازي في "تاريخ الإسلام" (9/432): [قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة].
3- بعض المغاربة من الأشاعرة من أشد الناس على المخالف للمشهور المعتمد عندهم، وفيهم تعصب زائد، ومن ذلك أنهم أحرقوا كتب الإمام الغزالي، وحملوا على شيخه إمام الحرمين، لأنه خالف الأشعري بزعمهم، فالرازي يعرض أدلة القول المعتمد عنده بإسهاب ثم لا يطيل بالرد عليه ربما لضعف القول الذي لا يتبناه ولعدم قيام الحجة فيه، وفي كل ذلك لا يصرّح بما يتبناه لئلا تناله تشنيعاتهم وتشغيباتهم.
( 32 ) بعض المغاربة متعصبون لمذهبهم! والخارج عن الأشعري يشنعون عليه وينتقصونه! ومن أمثلة ذلك ما قاله ابن كثير في "البداية والنهاية" (12/174) في ترجمة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: [وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين وكذلك غيره من المغاربة وقالوا هذا كتاب إحياء علوم دينه وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله]. مع أن الذي فعله متعصبوا المغاربة أنكره منصفوهم! فقد جاء في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله الجُذامي المتوفى (سنة 509هـ) في "الوافي بالوفيات" للصفدي (7/21): ((وكان فقيهاً مشاوراً (ربما مشاركاً) صادعاً بالحق. أوجب في كتب أبي حامد الغزالي المُحْرَقة بقرطبة على يد قاضيها أبي عبد الله أحمد بن حمدين بأمر والي المغرب إذْ ذاك تأديبَ مُحْرِقِهَا وتضمينَه قيمتها)). وكذلك ذكره المراكشي في كتابه ((السفر الخامس من كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة)) (1/308).
( 33 ) هذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه وانظر التفسير لتدرك بطلان ذلك إلا في بعض المسائل، بل الواقع أنه يوردها نقداً ويحلها نقداً وعدَّاً!
( 34 ) لا عبرة بما قاله فيه ابن دحية وهو مغربي أندلسي سبتي، فقد قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (4/1421) في ترجمة ابن دحية المتوفى سنة 633 وعمره نيف وثمانون: [وكان معروفاً على كثرة علمه وفضائله بالمجازفة والدعاوى العريضة، قال الحافظ الضياء: لقيته بأصبهان ولم أسمع منه شيئاً ولم يعجبني حاله كان كثير الوقيعة في الأئمة].
( 35 ) الذي قاله أبو شامة كما نقله الذهبي في تاريخه: [قال الإمام أبو شامة: وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيماً كبيراً، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة].
( 36 ) تصحَّف اسمه على عادة بعض الأسماء الواقعة في هذا الكتاب، فوقع فيه (السرمياحي) والصحيح كما أثبتُّهُ (ت673هـ)وهو كما في "تاريخ الإسلام" للذهبي (49/282): [عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المفتي العلامة سراج الدين الشرمساحي البصري الفقيه المالكي مدرس المستنصرية من كبار أئمة المذهب وكان زاهداً صالحاً متصوفاً مات في جمادى الآخرة وله سبعون سنة].
( 37 ) وهو متعصب ضد الفخر الرازي غير منصف في حقه! لأن كلامه مغاير للحقيقة، بل المتتبع والمطلع على التفسير وغيره يجده يسهب في رد كلام المخالفين! إلا إذا كان قول المخالفين قوياً من ناحية الدليل!
( 38 ) ليس هذا القول صحيحاً بل هو قول متعصب منابذ للواقع والحقيقة! وينبغي أن نفهم أن الفخر أحياناً كان يورد كلام المعتزلة أيضاً وهو موافق لهم فيما قالوه ويسترسل في ذكر أقوالهم المؤيَّدَة بالقرآن والعقل ويذكر مذهب جمهور الأشعرية أو أهل السنة السائد فَيَظْهَرُ ضعف ما ذهبوا إليه! ولذلك اتهموه بما اتهموه به أولئك المتعصبة لمذهبهم لا إلى الدليل!
ومما يجب أن يُعلَم: أن جماعةً من المغاربةِ ساروا على طريقة إبانة الأشعري وطريقة الباقلاني اللذين يثبتان الصفات على طريقة الحنابلة المجسمة، وكانت طريقة الرازي هي طريقة إمام الحرمين والغزالي وأمثالهما من المنزهين المغايرة لمنهج الباقلاني والأشعري، ولذلك اعتبر هؤلاء المغاربة طريقة الفخر مخالفة لمذهب أهل السنة(!!)
( 39 ) الطوفي الملقب بالنجم هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الحنبلي المتوفى سنة 716هـ ولا عبرة بقوله هنا، له ترجمة في كتاب "الدرر الكامنة" (2/295) لابن حجر.
( 40 ) وهذا يوافق ما قلناه سابقاً!
( 41 ) قال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى في التعليق على ((النظامية)) ص (36): [والرازي هو قدوة المتأخرين في تصور الجبر في مذهب الأشعري لكن استقرَّ رأيه على ما ذكره في "نهاية العقول في دراية الأصول" حيث قال: ((إن للقدرة معنيين: أحدهما: مجرَّد القوة التي هي مبدأ الأفعال المختلفة، والثاني: القوة المستجمعة لشرائط التأثير، والأولى قبل الفعل، وتتعلق بالضدين -وهي مدار التكليف- والثانية مع الفعل ولا تتعلق بالضدين، ولعل الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثير، فلذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين، والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرَّد القوة العضلية، فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور المتضادة، فهذا وجه الجمع بين المذهبين)) اهـ. وهكذا يكون الرازي أفلت من يد من يرى الجبر في مذهب الأشعري..] انتهى كلام العلامة الكوثري رحمه الله تعالى. ومما قاله الرازي من الكلام الصريح في ترك مذهب الجبر أنني وجدته في كتابه ((أصول الدين)) ص (89) حيث قال هناك: [قال أبو الحسن الأشعري: الاستطاعة لا توجد إلا مع الفعل، وقالت المعتزلة: لا توجد إلا قبل الفعل، والمختار عندنا أن القدرة هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنها حاصلة قبل حصول الفعل...]. وكل هذا مما يثبت لنا أنه ترك الجبر واعتمد مذهب الاختيار وهذا يدحض ما أطلقه السكوني.
( 42 ) قال التفتازاني في "شرح المقاصد" (3/109): [وإنما الخلاف في الصفات الثبوتية الحقيقية مثل كونه العالم والقادر، فعند أهل الحق له صفات أزلية زائدة على الذات، فهو عالم له علم وقادر له قدرة وحي له حياة، وكذا في السميع والبصير والمتكلم وغير ذلك مع اختلاف في البعض وفي كونها غير الذات بعد الاتفاق على أنها ليست عين الذات، وكذا في الصفات بعضها مع بعض وهذا لفرط تحرزهم عن القول بتعدد القدماء حتى منع بعضهم أن يقال صفاته قديمة وإن كانت أزلية بل يقال هو قديم بصفاته وآثروا أن يقال هي قائمة بذاته أو موجودة بذاته ولا يقال هي فيه أو معه أو مجاورة له أو حالة فيه لإيهام التغاير وأطبقوا على أنها لا توصف بكونها أعراضاً وخالف في القول بزيادة الصفات أكثر الفرق كالفلاسفة والمعتزلة ومن يجري مجراهم من أهل البدع والأهواء وسموا القائلين بها بالصفاتية ثم اختلفت عباراتهم فقيل هو حي عالم قادر لنفسه وقيل بنفسه وقيل لكونه على حالة هي أخص صفاته وقيل لا لنفسه ولا لعلل وكلام الإمام الرازي في تحقيق إثبات الصفات وتحرير محل النزاع ربما يميل إلى الاعتزال..].
( 43) هذه الكلمة معناها عندي أنه قرأ كلامه واعتمده.