مسألة زيادة الإيمان ونقصانه:
Posted: Wed Feb 05, 2025 10:32 am
مسألة زيادة الإيمان ونقصانه:
قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتبه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
فصل: في زيادة الإيمان ونقصانه
قال الإمام الطحــاوي رحمه الله تعالى: (والإيــمان واحدٌ؛ وأهله في أصلـــه سواء؛ والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى).
الشرح:
قال الإمام البخاري في ((صحيحه)) (1/45):
[كتاب الإيمان: وهو قول وفعل، ويزيد وينقص. قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}الفتح:4، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}الكهف:13، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}مريم:76، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}محمد:17، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}المدثر:31، وقوله: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}التوبة:124، وقوله جلَّ ذكره {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}آل عمران:173، وقوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}الأحزاب:22.
والحب في الله والبغض في الله من الإيمان وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عَدِي بن عَدِي: إنَّ للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أَعِش فسأُبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أَمُت فما أنا على صحبتكم بحريص.
وقال (سيدنا) إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}البقرة:260، وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة...]. انتهى وما بين القوسين، من زيـاداتي أدبــاً.
أقــول: وروينا بإسنادنا المتصل إلى سنن ابن ماجه (1/25 برقم 65) حيث روى من طريق أبي الصلت الهروي رحمه الله تعالى أنه قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه (موسى الكاظم)، عن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) عن أبيه (الباقر)، عن علي بن الحسين (زين العابدين) عن أبيه (سيدنا الحسين بن علي السبط) عن (سيدنا ومولانا) علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)).
قال أبو الصلت (وكان خادماً لعلي بن موسى): لو قرءَ هذا الإسناد على مجنون لبرأ.
قلــت: لأنه مسلسل بأئمة فضلاء من صلب آل البيت عليهم السلام.
وهذا حديث صحيح في غاية الصحة، وقد أجمع أهل الحق على معناه وأبو الصلت إمام ثقة.
ومن أوضح ما رأيته في هذه المسألة من البيان هو ما قاله الشيخ عبدالسلام اللقاني في شرح منظومة أبيه (الجوهرة) حيث قال هناك:
[(وَرُجِّحَتْ زيادةُ الإيمان) أي وَرَجَّحَ جماعة من العلماء القولَ بقبول الإيمان الزيادةَ ووقوعها فيه (بما تَزيدُ طَاعَة) أي بسبب زيادة طاعة (الإنسَان) وهي: فعلُ المأمور به واجتنابُ المنهي عنه (ونَقْصهُ) أي الإيمان من حيث هو، لا بِقيْدِ محل مخصوص؛ فلا يرد الأنبياءُ والملائكةُ؛ إذ لا يجوز على إيمانهم أن ينقص (بنقصها) يعني الطاعة إجماعاً، هذا مذهبُ جمهور الأشاعرة، قال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قولٌ وعمل، ويزيد وينقص، مُحْتَجِّينَ على ذلك بالعقل والنقل:
أما العقل فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة ـ بل المنهمكين على الفِسْقِ والمعاصي ـ مساوياً لإيمان الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، واللازم باطل؛ فكذا الملزوم.
وأما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى، كقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا}الأنفال:2، وقوله عليه الصلاة والسلام لابن عمر رضي الله عنهما ـ حين سأله الإيمان يزيد وينقص؟ ـ قال: ((نعم، يزيد حتى يُدْخِل صاحبه الجنَّة، وينقصُ حتى يُدْخِلَ صاحبه النار)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لو وُزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به))وكلُّ ما يَقْبَل الزيادة يقبل النقص، فيتم الدليل.
(وقيل) أي: وقال جماعة من العلماء أعظمهم الإمام أبوحنيفة وأصحابة وكثير من المتكلمين: الإيمان (لا) يزيد ولا ينقص، لأنه اسم للتصديق البالغ حدَّ الجزم والإذعان وهذا لا يتصور فيه ما ذكر، فالمصدِّق إذا ضَمَّ إلى تصديقه طاعة أو ارتكب معصية فتصديقه بحاله لم يتغير أصلاً، وإنما يتفاوت إذا كان اسماً للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة.
وأجابوا عما تمسك به الأولون بأن المراد الزيادة بحسب زيادة ما يؤمن به، والصحابة رضي الله عنهم كانوا آمنوا في الجملة، وكانت الشريعة لم تتم، وكانت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً، فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدَّد منها.
ويحتمل أن يكون المصنف رحمه الله تعالى أراد أن الإيمان يزيد ولا ينقص كما ذهب إليه الخطّابي حيث قال: الإيمان قول وهو لا يزيد ولا ينقص، وعمل وهو يزيد وينقص، واعتقاد وهو يزيد ولا ينقص، فإذا نقص ذهب.
(وقيل) أي: وقال جماعة منهم الفخر الرازي: إنه (لا خُلْفَ) أي: ليس الخلفُ بين الفريقين حقيقاً، وإنما هو لفظي( )؛ لأن ما يدل على أن الإيمان لا يتفاوت مصروف إلى أصله، أعني التصديقَ، وما يدل على أنه يتفاوت مصروف إلى ما به كماله، وهو الأعمال؛ فالخلاف في هذه المسألة فرعُ تفسير الإيمان، فإن قلنا ((هو التصديق فقط)) فلا تفاوت، وإن قلنا ((هو الأعمال مع التصديق)) فمتفاوت.
وأشار بقوله (كَذا قَدْ نُقِلا) إلى التَّبري من عُهْدة صحة هذا القيل؛ لأن الأصح أن التصديق القلبي يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة وعدم ذلك، ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريه الشبهُ، ويؤيده أن كلَّ أحدٍ يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون بعض الأحيان أعظمَ يقيناً وإخلاصاً منه في بعضها، فكذلك التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، على أن هذا القيلَ خلافُ المعروف بين القوم أن الخلاف حقيقي].
انتهى ما أردنا نقله من كلام الشيخ عبد السلام اللقاني في شرح منظومة والده.
وأقول بعد هذا: هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين السلف، وليست هي من أصول الاعتقاد ولو لم يعلمها الإنسان ولم يعرفها لا شيء عليه.
قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتبه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
فصل: في زيادة الإيمان ونقصانه
قال الإمام الطحــاوي رحمه الله تعالى: (والإيــمان واحدٌ؛ وأهله في أصلـــه سواء؛ والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى).
الشرح:
قال الإمام البخاري في ((صحيحه)) (1/45):
[كتاب الإيمان: وهو قول وفعل، ويزيد وينقص. قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}الفتح:4، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}الكهف:13، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}مريم:76، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}محمد:17، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}المدثر:31، وقوله: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}التوبة:124، وقوله جلَّ ذكره {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}آل عمران:173، وقوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}الأحزاب:22.
والحب في الله والبغض في الله من الإيمان وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عَدِي بن عَدِي: إنَّ للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أَعِش فسأُبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أَمُت فما أنا على صحبتكم بحريص.
وقال (سيدنا) إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}البقرة:260، وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة...]. انتهى وما بين القوسين، من زيـاداتي أدبــاً.
أقــول: وروينا بإسنادنا المتصل إلى سنن ابن ماجه (1/25 برقم 65) حيث روى من طريق أبي الصلت الهروي رحمه الله تعالى أنه قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه (موسى الكاظم)، عن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) عن أبيه (الباقر)، عن علي بن الحسين (زين العابدين) عن أبيه (سيدنا الحسين بن علي السبط) عن (سيدنا ومولانا) علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)).
قال أبو الصلت (وكان خادماً لعلي بن موسى): لو قرءَ هذا الإسناد على مجنون لبرأ.
قلــت: لأنه مسلسل بأئمة فضلاء من صلب آل البيت عليهم السلام.
وهذا حديث صحيح في غاية الصحة، وقد أجمع أهل الحق على معناه وأبو الصلت إمام ثقة.
ومن أوضح ما رأيته في هذه المسألة من البيان هو ما قاله الشيخ عبدالسلام اللقاني في شرح منظومة أبيه (الجوهرة) حيث قال هناك:
[(وَرُجِّحَتْ زيادةُ الإيمان) أي وَرَجَّحَ جماعة من العلماء القولَ بقبول الإيمان الزيادةَ ووقوعها فيه (بما تَزيدُ طَاعَة) أي بسبب زيادة طاعة (الإنسَان) وهي: فعلُ المأمور به واجتنابُ المنهي عنه (ونَقْصهُ) أي الإيمان من حيث هو، لا بِقيْدِ محل مخصوص؛ فلا يرد الأنبياءُ والملائكةُ؛ إذ لا يجوز على إيمانهم أن ينقص (بنقصها) يعني الطاعة إجماعاً، هذا مذهبُ جمهور الأشاعرة، قال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قولٌ وعمل، ويزيد وينقص، مُحْتَجِّينَ على ذلك بالعقل والنقل:
أما العقل فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة ـ بل المنهمكين على الفِسْقِ والمعاصي ـ مساوياً لإيمان الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، واللازم باطل؛ فكذا الملزوم.
وأما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى، كقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا}الأنفال:2، وقوله عليه الصلاة والسلام لابن عمر رضي الله عنهما ـ حين سأله الإيمان يزيد وينقص؟ ـ قال: ((نعم، يزيد حتى يُدْخِل صاحبه الجنَّة، وينقصُ حتى يُدْخِلَ صاحبه النار)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لو وُزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به))وكلُّ ما يَقْبَل الزيادة يقبل النقص، فيتم الدليل.
(وقيل) أي: وقال جماعة من العلماء أعظمهم الإمام أبوحنيفة وأصحابة وكثير من المتكلمين: الإيمان (لا) يزيد ولا ينقص، لأنه اسم للتصديق البالغ حدَّ الجزم والإذعان وهذا لا يتصور فيه ما ذكر، فالمصدِّق إذا ضَمَّ إلى تصديقه طاعة أو ارتكب معصية فتصديقه بحاله لم يتغير أصلاً، وإنما يتفاوت إذا كان اسماً للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة.
وأجابوا عما تمسك به الأولون بأن المراد الزيادة بحسب زيادة ما يؤمن به، والصحابة رضي الله عنهم كانوا آمنوا في الجملة، وكانت الشريعة لم تتم، وكانت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً، فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدَّد منها.
ويحتمل أن يكون المصنف رحمه الله تعالى أراد أن الإيمان يزيد ولا ينقص كما ذهب إليه الخطّابي حيث قال: الإيمان قول وهو لا يزيد ولا ينقص، وعمل وهو يزيد وينقص، واعتقاد وهو يزيد ولا ينقص، فإذا نقص ذهب.
(وقيل) أي: وقال جماعة منهم الفخر الرازي: إنه (لا خُلْفَ) أي: ليس الخلفُ بين الفريقين حقيقاً، وإنما هو لفظي( )؛ لأن ما يدل على أن الإيمان لا يتفاوت مصروف إلى أصله، أعني التصديقَ، وما يدل على أنه يتفاوت مصروف إلى ما به كماله، وهو الأعمال؛ فالخلاف في هذه المسألة فرعُ تفسير الإيمان، فإن قلنا ((هو التصديق فقط)) فلا تفاوت، وإن قلنا ((هو الأعمال مع التصديق)) فمتفاوت.
وأشار بقوله (كَذا قَدْ نُقِلا) إلى التَّبري من عُهْدة صحة هذا القيل؛ لأن الأصح أن التصديق القلبي يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة وعدم ذلك، ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريه الشبهُ، ويؤيده أن كلَّ أحدٍ يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون بعض الأحيان أعظمَ يقيناً وإخلاصاً منه في بعضها، فكذلك التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، على أن هذا القيلَ خلافُ المعروف بين القوم أن الخلاف حقيقي].
انتهى ما أردنا نقله من كلام الشيخ عبد السلام اللقاني في شرح منظومة والده.
وأقول بعد هذا: هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين السلف، وليست هي من أصول الاعتقاد ولو لم يعلمها الإنسان ولم يعرفها لا شيء عليه.