تفصيلات وتأصيلات دقيقة في مسألة الإجماع :
Posted: Sun Feb 09, 2025 3:55 pm
تفصيلات وتأصيلات دقيقة في مسألة الإجماع :
قال سماحة اليد حسن السقاف في كتابه" شرح صحيح العقيدة الطحاوية":
الإجماع أحد أدلة الشرع العظيمة التي تدور عليها الأحكام وتستنبط منها، وهو اتفاق المجتهدين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي ما، وهو حجة قطعية لا ظنية فيقدّم على حديث الآحاد وينقطع عنده الشغب ولا يُخَصُّ هذا هنا بمجتهدي أهل السنة والجماعة بل يدخل فيه مجتهدو غيرهم أيضاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الفصل.
وقد نقل أهل العلم أموراً في العقائد أجمع أهل الحق واتفقوا عليها، لا يحل لأي مسلم أن يخالف فيها البتة، فعلى ذلك ينبغي أن نعرف أن الإجماع أصل ودليل في علم التوحيد، ويلزمنا أن نبين أدلّته من الكتاب والسنة وننقل بعض المسائل المجمع عليها التي نقلها العلماء في مصنفاتهم.
أدلة الإجماع ونصوص علماء الأمة المعتد بهم فيه:
1ـ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء: 115.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره (5/386):
((قال العلماء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ}النساء:115، دليل على صحّة القول بالإجماع)). انتهى.
وقال ابن قدامة شيخ مذهب الحنابلة صاحب ((المغني)) في الفقه في كتابه روضة النّاظر في أصول الفقه ص (117) ما نصه:
((ولنا دليلان ـ أي على الإجماع ـ أحدهما قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}النساء:115، الآية، وهذا يوجب اتباع سبيل المؤمنين ويحرم مخالفتهم...} انتهى.
وقال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه القيّم ((الفقيه والمتفقه)) صحيفة (154) ما نصه:
((إجماع أهل الاجتهاد في كل عصر حجة من حجج الشرع ودليل من أدلّة الأحكام مقطوع على مُغَيَّبه، ولا يجوز أن تجتمع الأمّة على الخطأ، وذهب إبراهيم بن سيّار النظام إلى أنه يجوز إجماع الأمّة على الخطأ ( )... وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى:
{وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء:115، ووجه الدليل من هذه الآية أن الله تعالى توعّد اتباع غير سبيل المؤمن فدلّ على أن اتباع سبيلهم واجب ومخالفتهم حرام... إلخ)) انتهى كلام الحافظ البغدادي.
2ـ الدليل الثاني: ما تواتر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تجتمع أمّتي على ضلالة)).
هذا الحديث روي بألفاظ متعدّدة ومجموعها يفيد الصحة بل يفيد التواتر المعنوي كما نص على ذلك جماعة من الحفاظ، منهم الحافظ البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) ص (167) حيث قال:
((وجواب آخر وهو أنّها أحاديث تواتر من طريق المعنى لأنّ الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى ومعناها واحد لم يجز أن يكون جميعها كذباً، ولم يكن بد من أن يكون بعضها صحيحاً)) انتهى.
قلت: ولا معارض لها.
وقد استوعب أكثر طرقه الإمام المفيد المحدّث سيدي عبدالله بن الصديق في كتابه ((الإبتهاج بتخريج أحاديث المنهاج)) ص (180 ـ 190) وإليك بعض ما ورد من ألفاظ هذا الحديث:
أ ـ روى الإمام الحاكم في ((المستدرك)) (1/116) الحديث عن ابن عبّاس فقال:
حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بالويه( ) ثنا موسى بن هارون ثنا العبّاس بن عبدالعظيم ثنا عبدالرزاق ثنا إبراهيم بن ميمون العدني... حدّثني ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((لا يجمع الله أمّتي على ضلالة أبداً ويد الله على الجماعة)).
قال الإمام الحافظ أبوعبد الله الحاكم في ((المستدرك)) (1/120) بعد أن سرد تسعة أحاديث في حجيّة الإجماع:
((فقد ذكرنا تسعة أحاديث بأسانيد صحيحة يستدّل بها على الحجة بالإجماع واستقيصت فيه تحرّياً لمذاهب الأئمة المتقدّمين رضي الله عنهم)) انتهى.
وقال الحافظ الذهبي معلّقاً على كلام الحاكم مقرّاً له ـ في نفس الصحيفة ـ: ((فهذه الأحاديث التسعة تدل على أن الإجماع حجة)) انتهى.
ب ـ قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في ((التلخيص)) (3/141) : ((قال ابن أبي شيبة: أخبرنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن يسير بن عمرو قال: شيعنا أبا مسعود (البدري الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه) حين خرج... فقال لنا: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمّة محمّد على ضلالة)).
قال الحافظ ابن حجر: ((إسناده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي)). انتهى من ((التلخيص)).
3 ـ الدليل الثالث: في ((مجمع الزوائد)) (1/178) للحافظ الهيثمي في باب الإجماع:
[وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: قلت يا رسول الله: إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ قال:
((شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصّة)) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح].
4 ـ الدليل الرابع على الإجماع: جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء .....)).
رواه الحاكم في ((المستدرك)) (3/79) وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) انتهى.
وأقرّه الحافظ الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/177 ـ 178):
((رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون)) انتهى.
وقال الإمام الغزالي في ((المستصفى)) (1/278) ـ عن هذا الأثر ـ:
((إن المراد به ما رآه جميع المسلمين لأنّه لا يخلو أن يريد به جميع المسلمين أو آحادهم؛ فإن أراد به جميع المسلمين فهو صحيح إذ الأمّة لا تجتمع على حسن شيء إلا عن دليل، والإجماع حجة وهو مراد الخبر، وإن أراد الآحاد لزم استحسان العوام فإن فرّق بأنّهم ليسوا أهلاً للنّظر، قلنا: إذا كان لا ينظر في الأدلّة فأي فائدة لأهلية النّظر)) انتهى.
5ـ الدليل الخامس على الإجماع: روى الإمام الحافظ الترمذي في سننه
(3/315 ـ 4/225) عن ابن عمر قال: خَطَبَنا عُمَرُ بالجابية فقال: يا أيها النّاس: إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا فقال:
((أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم... من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة...)).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه الطيالسي وغيرهم، والجابية بلدة قرب دمشق.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في ((الرسالة)) (403):
((وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين ممّا يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم)) انتهى.
وقال الشافعي رحمه الله أيضاً في ((الرسالة)) (475):
((ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمِرَ بلزومها، وإنّما تكون الغفلة في الفرقة، فأمّا الجماعة فلا يمكن فيها كافّة غفلة عن معنى كتاب ولا سنّة ولا قياس إن شاء الله تعالى)) انتهى.
فهذه بعض أدلة الإجماع التي صيرته حجة قاطعة من حجج الشرع وفي رسالتنا ((احتجاج الخائب بعبارة مَنْ ادّعى الإجماع فهو كاذب)) بيان واضح عما يدور من المسائل حول قضية الإجماع.
(فرع): الإجماع يُقَدَّمُ على الحديث الصحيح الآحاد:
لمّا كان الإجماع يفيد العلم والقطع وخبر الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم قَدَّمَ الأئمةُ من علماء السلف والخلف الإجماع على حديث الآحاد عند التعارض وإليك بعض نصوصهم في ذلك:
1ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (وهو من السلف):
((الأصل القرآن والسنة وقياس عليهما والإجماع أكبر من الحديث المنفرد)) رواه عنه الحافظ البيهقي في ((مناقب الشافعي)) (2/30) وأبوحاتم في ((آداب الشافعي)) ص (231 و233) وأبو نُعَيم في ((الحلية)) (9/105).
2ـ وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ((شرح المهذب)) (4/342):
((ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعاً وجب ترك ظاهره)).
3ـ قال الحافظ الخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (1/132):
((باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد:
.... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأُمور:
والثالث: أَنْ يخالف الإجماع فيستدلُّ على أنه منسوخ أو لا أصل له...)) انتهى كلام الحافظ البغدادي.
[تنبيه مهم جداً هنا]:
أقول: ولا يلزم في انعقاد الإجماع اجتماع المجتهدين وأهل العلم بأبدانهم بل المطلوب اجتماع كلمتهم فإن اجتمعت أيضاً أبدانهم في مجلس واحد فَبِها وَنَعِمَتْ، وفي هذا يقول الإمام الشافعي في ((الرسالة)) صحيفة (475):
((إذا كانت جماعتهم متفرّقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرّقين وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنّه لا يمكن، ولأنّ اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما)). انتهى.
[/b]
(فرع):
في نقل بعض المسائل المجمع عليها في التوحيد والعقيدة:
لا بدَّ أن نذكر الآن بعض المسائل العقائدية المجمع عليها من مَرْجِعَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ في ذلك حتى يتم ترسيخ هذه القضية بالأمثلة ويمكن فهمها بكل وضوح:
قال ابن حزم (المتوفى سنة 457 هـ) في كتابه ((مراتب الإجماع)) ص (167) :
[باب من الإجماع في الاعتقاد يكفر من خالفه بإجماع:
اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كلها كما شاء، وأن النفس مخلوقة، والعرش مخلوق، والعالم كله مخلوق، وأن النبوة حق، وأنه كان أنبياء كثير منهم مَنْ سمى الله تعالى في القرآن ومنهم من لم يسم لنا، وأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة.
وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبداً، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبداً.
وأن الجنة حق، وأنها دار نعيم أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية، وأنها أُعِدَّتْ للمسلمين والنبيين المتقدمين وأتباعهم على حقيقة كما أتوا به قبل أن ينسخ الله تعالى أديانهم بدين الإسلام.
وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية( )، وأنها أُعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم الصلاة والتسليم وبلوغ خبره إليه. وأن القرآن المتلو الذي في المصاحف بأيدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول (الحمد لله رب العالمين) إلى آخر (قل أعوذ برب الناس) هو كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم مختاراً له من بين الناس.
وأنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده أبداً. إلا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام أيأتي قبل يوم القيامة أم لا، وهو عيسى ابن مريم المبعوث إلى بنى اسرائيل قبل مبعث محمد عليه السلام.
واتفقوا أن كل نبي ذكر في القرآن حق كآدم وادريس ونوح وهود وصالح وشعيب ويونس وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وهارون وداود وسليمان وإلياس واليسع ولوط وزكريا ويحيى وعيسى وأيوب وذي الكفل] انتهى.
وقال الشيخ عبدالقاهر البغدادي التميمي في خاتمة كتابه ((الفَرْق بين الفِرق))( ) ص (323):
[بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة: قد اتفق جمهورُ أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كلُّ ركنٍ منها يجب على كل عاقلٍ بالغ معرفةُ حقيقته، ولكل ركن منها شُعَب، وفي شُعَبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد، وضللوا مَنْ خالفهم فيها] انتهى.
وذكر منها صفحة (332): [وقالوا: إن الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعياناً، ولا جواهر ولا أعراضاً، على خلاف قول القَدَرية في دعواها أن المعدومات في حال عدمها أشياء( )، وقد زعم البصريون منهم أن الجواهر والأعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضاً، وقول هؤلاء يؤدّى إلى القول بِقِدَمِ العالَمِ، والقول الذي يؤدَّى إلى الكفر كفر في نفسه.
وقالوا: إن صانع العالم قديم لم يزل موجوداً......
وقالوا بنفي النهاية والحدِّ عن صانع العالَم.....، وخلاف قول مَنْ زعم من الكرّامية أنه ذو نهاية من الجهة التي يُلاقي منها العرش، ولا نهاية له من خمس جهات سواها.
وأجمعوا على إحالة وَصفه بالصورة والأعضاء] انتهى.
وذكر منها أيضاً ص (333):
[وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، على خلاف قول من زعم من الهِشَاميَّة( ) والكَرَّامِيَّة أنه مماس لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته، وقال أيضاً: قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان.
وأجمعوا على نفي الآفات والغموم والآلام واللذات عنه، وعلى نفي الحركة والسكون عنه، على خلاف قول الهشاميّة.... في قولها بجواز الحركة عليه( )، وفي دعواهم أن مكانه حَدَثَ من حركته] انتهى.
[فائـــدة]:
واعلم أنه لا يُسَلَّمُ لكل ما يدّعيه الإمام عبدالقاهر البغدادي من الإجماعات حتى يتحقق الباحث والعالم من ذلك، فإنه نقل الإجماع على أن الأرض لا تتحرك وهو خطأ منه، وهذا خلاف ما ذكره ابن حزم من الإجماعات فإنني لم أجد للآن ما أخطأ فيه فيما نقله من الإجماع في الاعتقاد فتنبّه لذلك ولا تغفل عنه.
فهذه نماذج وأمثلة عن بعض الأمور العقائدية التي أجمع عليها أهل العلم من أهل الحق واتفقوا عليها.
قال سماحة اليد حسن السقاف في كتابه" شرح صحيح العقيدة الطحاوية":
الإجماع أحد أدلة الشرع العظيمة التي تدور عليها الأحكام وتستنبط منها، وهو اتفاق المجتهدين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي ما، وهو حجة قطعية لا ظنية فيقدّم على حديث الآحاد وينقطع عنده الشغب ولا يُخَصُّ هذا هنا بمجتهدي أهل السنة والجماعة بل يدخل فيه مجتهدو غيرهم أيضاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الفصل.
وقد نقل أهل العلم أموراً في العقائد أجمع أهل الحق واتفقوا عليها، لا يحل لأي مسلم أن يخالف فيها البتة، فعلى ذلك ينبغي أن نعرف أن الإجماع أصل ودليل في علم التوحيد، ويلزمنا أن نبين أدلّته من الكتاب والسنة وننقل بعض المسائل المجمع عليها التي نقلها العلماء في مصنفاتهم.
أدلة الإجماع ونصوص علماء الأمة المعتد بهم فيه:
1ـ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء: 115.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره (5/386):
((قال العلماء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ}النساء:115، دليل على صحّة القول بالإجماع)). انتهى.
وقال ابن قدامة شيخ مذهب الحنابلة صاحب ((المغني)) في الفقه في كتابه روضة النّاظر في أصول الفقه ص (117) ما نصه:
((ولنا دليلان ـ أي على الإجماع ـ أحدهما قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}النساء:115، الآية، وهذا يوجب اتباع سبيل المؤمنين ويحرم مخالفتهم...} انتهى.
وقال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه القيّم ((الفقيه والمتفقه)) صحيفة (154) ما نصه:
((إجماع أهل الاجتهاد في كل عصر حجة من حجج الشرع ودليل من أدلّة الأحكام مقطوع على مُغَيَّبه، ولا يجوز أن تجتمع الأمّة على الخطأ، وذهب إبراهيم بن سيّار النظام إلى أنه يجوز إجماع الأمّة على الخطأ ( )... وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى:
{وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء:115، ووجه الدليل من هذه الآية أن الله تعالى توعّد اتباع غير سبيل المؤمن فدلّ على أن اتباع سبيلهم واجب ومخالفتهم حرام... إلخ)) انتهى كلام الحافظ البغدادي.
2ـ الدليل الثاني: ما تواتر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تجتمع أمّتي على ضلالة)).
هذا الحديث روي بألفاظ متعدّدة ومجموعها يفيد الصحة بل يفيد التواتر المعنوي كما نص على ذلك جماعة من الحفاظ، منهم الحافظ البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) ص (167) حيث قال:
((وجواب آخر وهو أنّها أحاديث تواتر من طريق المعنى لأنّ الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى ومعناها واحد لم يجز أن يكون جميعها كذباً، ولم يكن بد من أن يكون بعضها صحيحاً)) انتهى.
قلت: ولا معارض لها.
وقد استوعب أكثر طرقه الإمام المفيد المحدّث سيدي عبدالله بن الصديق في كتابه ((الإبتهاج بتخريج أحاديث المنهاج)) ص (180 ـ 190) وإليك بعض ما ورد من ألفاظ هذا الحديث:
أ ـ روى الإمام الحاكم في ((المستدرك)) (1/116) الحديث عن ابن عبّاس فقال:
حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بالويه( ) ثنا موسى بن هارون ثنا العبّاس بن عبدالعظيم ثنا عبدالرزاق ثنا إبراهيم بن ميمون العدني... حدّثني ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((لا يجمع الله أمّتي على ضلالة أبداً ويد الله على الجماعة)).
قال الإمام الحافظ أبوعبد الله الحاكم في ((المستدرك)) (1/120) بعد أن سرد تسعة أحاديث في حجيّة الإجماع:
((فقد ذكرنا تسعة أحاديث بأسانيد صحيحة يستدّل بها على الحجة بالإجماع واستقيصت فيه تحرّياً لمذاهب الأئمة المتقدّمين رضي الله عنهم)) انتهى.
وقال الحافظ الذهبي معلّقاً على كلام الحاكم مقرّاً له ـ في نفس الصحيفة ـ: ((فهذه الأحاديث التسعة تدل على أن الإجماع حجة)) انتهى.
ب ـ قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في ((التلخيص)) (3/141) : ((قال ابن أبي شيبة: أخبرنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن يسير بن عمرو قال: شيعنا أبا مسعود (البدري الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه) حين خرج... فقال لنا: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمّة محمّد على ضلالة)).
قال الحافظ ابن حجر: ((إسناده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي)). انتهى من ((التلخيص)).
3 ـ الدليل الثالث: في ((مجمع الزوائد)) (1/178) للحافظ الهيثمي في باب الإجماع:
[وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: قلت يا رسول الله: إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ قال:
((شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصّة)) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح].
4 ـ الدليل الرابع على الإجماع: جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء .....)).
رواه الحاكم في ((المستدرك)) (3/79) وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) انتهى.
وأقرّه الحافظ الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/177 ـ 178):
((رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون)) انتهى.
وقال الإمام الغزالي في ((المستصفى)) (1/278) ـ عن هذا الأثر ـ:
((إن المراد به ما رآه جميع المسلمين لأنّه لا يخلو أن يريد به جميع المسلمين أو آحادهم؛ فإن أراد به جميع المسلمين فهو صحيح إذ الأمّة لا تجتمع على حسن شيء إلا عن دليل، والإجماع حجة وهو مراد الخبر، وإن أراد الآحاد لزم استحسان العوام فإن فرّق بأنّهم ليسوا أهلاً للنّظر، قلنا: إذا كان لا ينظر في الأدلّة فأي فائدة لأهلية النّظر)) انتهى.
5ـ الدليل الخامس على الإجماع: روى الإمام الحافظ الترمذي في سننه
(3/315 ـ 4/225) عن ابن عمر قال: خَطَبَنا عُمَرُ بالجابية فقال: يا أيها النّاس: إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا فقال:
((أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم... من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة...)).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه الطيالسي وغيرهم، والجابية بلدة قرب دمشق.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في ((الرسالة)) (403):
((وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين ممّا يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم)) انتهى.
وقال الشافعي رحمه الله أيضاً في ((الرسالة)) (475):
((ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمِرَ بلزومها، وإنّما تكون الغفلة في الفرقة، فأمّا الجماعة فلا يمكن فيها كافّة غفلة عن معنى كتاب ولا سنّة ولا قياس إن شاء الله تعالى)) انتهى.
فهذه بعض أدلة الإجماع التي صيرته حجة قاطعة من حجج الشرع وفي رسالتنا ((احتجاج الخائب بعبارة مَنْ ادّعى الإجماع فهو كاذب)) بيان واضح عما يدور من المسائل حول قضية الإجماع.
(فرع): الإجماع يُقَدَّمُ على الحديث الصحيح الآحاد:
لمّا كان الإجماع يفيد العلم والقطع وخبر الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم قَدَّمَ الأئمةُ من علماء السلف والخلف الإجماع على حديث الآحاد عند التعارض وإليك بعض نصوصهم في ذلك:
1ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (وهو من السلف):
((الأصل القرآن والسنة وقياس عليهما والإجماع أكبر من الحديث المنفرد)) رواه عنه الحافظ البيهقي في ((مناقب الشافعي)) (2/30) وأبوحاتم في ((آداب الشافعي)) ص (231 و233) وأبو نُعَيم في ((الحلية)) (9/105).
2ـ وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ((شرح المهذب)) (4/342):
((ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعاً وجب ترك ظاهره)).
3ـ قال الحافظ الخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (1/132):
((باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد:
.... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأُمور:
والثالث: أَنْ يخالف الإجماع فيستدلُّ على أنه منسوخ أو لا أصل له...)) انتهى كلام الحافظ البغدادي.
[تنبيه مهم جداً هنا]:
أقول: ولا يلزم في انعقاد الإجماع اجتماع المجتهدين وأهل العلم بأبدانهم بل المطلوب اجتماع كلمتهم فإن اجتمعت أيضاً أبدانهم في مجلس واحد فَبِها وَنَعِمَتْ، وفي هذا يقول الإمام الشافعي في ((الرسالة)) صحيفة (475):
((إذا كانت جماعتهم متفرّقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرّقين وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنّه لا يمكن، ولأنّ اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما)). انتهى.
[/b]
(فرع):
في نقل بعض المسائل المجمع عليها في التوحيد والعقيدة:
لا بدَّ أن نذكر الآن بعض المسائل العقائدية المجمع عليها من مَرْجِعَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ في ذلك حتى يتم ترسيخ هذه القضية بالأمثلة ويمكن فهمها بكل وضوح:
قال ابن حزم (المتوفى سنة 457 هـ) في كتابه ((مراتب الإجماع)) ص (167) :
[باب من الإجماع في الاعتقاد يكفر من خالفه بإجماع:
اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كلها كما شاء، وأن النفس مخلوقة، والعرش مخلوق، والعالم كله مخلوق، وأن النبوة حق، وأنه كان أنبياء كثير منهم مَنْ سمى الله تعالى في القرآن ومنهم من لم يسم لنا، وأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة.
وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبداً، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبداً.
وأن الجنة حق، وأنها دار نعيم أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية، وأنها أُعِدَّتْ للمسلمين والنبيين المتقدمين وأتباعهم على حقيقة كما أتوا به قبل أن ينسخ الله تعالى أديانهم بدين الإسلام.
وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية( )، وأنها أُعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم الصلاة والتسليم وبلوغ خبره إليه. وأن القرآن المتلو الذي في المصاحف بأيدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول (الحمد لله رب العالمين) إلى آخر (قل أعوذ برب الناس) هو كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم مختاراً له من بين الناس.
وأنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده أبداً. إلا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام أيأتي قبل يوم القيامة أم لا، وهو عيسى ابن مريم المبعوث إلى بنى اسرائيل قبل مبعث محمد عليه السلام.
واتفقوا أن كل نبي ذكر في القرآن حق كآدم وادريس ونوح وهود وصالح وشعيب ويونس وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وهارون وداود وسليمان وإلياس واليسع ولوط وزكريا ويحيى وعيسى وأيوب وذي الكفل] انتهى.
وقال الشيخ عبدالقاهر البغدادي التميمي في خاتمة كتابه ((الفَرْق بين الفِرق))( ) ص (323):
[بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة: قد اتفق جمهورُ أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كلُّ ركنٍ منها يجب على كل عاقلٍ بالغ معرفةُ حقيقته، ولكل ركن منها شُعَب، وفي شُعَبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد، وضللوا مَنْ خالفهم فيها] انتهى.
وذكر منها صفحة (332): [وقالوا: إن الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعياناً، ولا جواهر ولا أعراضاً، على خلاف قول القَدَرية في دعواها أن المعدومات في حال عدمها أشياء( )، وقد زعم البصريون منهم أن الجواهر والأعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضاً، وقول هؤلاء يؤدّى إلى القول بِقِدَمِ العالَمِ، والقول الذي يؤدَّى إلى الكفر كفر في نفسه.
وقالوا: إن صانع العالم قديم لم يزل موجوداً......
وقالوا بنفي النهاية والحدِّ عن صانع العالَم.....، وخلاف قول مَنْ زعم من الكرّامية أنه ذو نهاية من الجهة التي يُلاقي منها العرش، ولا نهاية له من خمس جهات سواها.
وأجمعوا على إحالة وَصفه بالصورة والأعضاء] انتهى.
وذكر منها أيضاً ص (333):
[وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، على خلاف قول من زعم من الهِشَاميَّة( ) والكَرَّامِيَّة أنه مماس لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته، وقال أيضاً: قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان.
وأجمعوا على نفي الآفات والغموم والآلام واللذات عنه، وعلى نفي الحركة والسكون عنه، على خلاف قول الهشاميّة.... في قولها بجواز الحركة عليه( )، وفي دعواهم أن مكانه حَدَثَ من حركته] انتهى.
[فائـــدة]:
واعلم أنه لا يُسَلَّمُ لكل ما يدّعيه الإمام عبدالقاهر البغدادي من الإجماعات حتى يتحقق الباحث والعالم من ذلك، فإنه نقل الإجماع على أن الأرض لا تتحرك وهو خطأ منه، وهذا خلاف ما ذكره ابن حزم من الإجماعات فإنني لم أجد للآن ما أخطأ فيه فيما نقله من الإجماع في الاعتقاد فتنبّه لذلك ولا تغفل عنه.
فهذه نماذج وأمثلة عن بعض الأمور العقائدية التي أجمع عليها أهل العلم من أهل الحق واتفقوا عليها.