تنبيه مهم جداً على قاعدة مهمة في الإجماع :
Posted: Sun Feb 09, 2025 4:03 pm
تنبيه مهم جداً على قاعدة مهمة في الإجماع :
قال سماحة السيد المحدث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
أود هنا أن أُنبّه على قاعدة مهمة( 1 ) وهي: أن دعوى الإجماع في أصول الدين وأسس العقيدة دون بيان دليل المسألة (أي دون أن يكون لها دليل واضح قطعي الدلالة والثبوت في الكتاب والسنة) غير مقبول، وذلك لأن مسائل أصول الدين والتوحيد، جاءت بها الدلائل الواضحة وبيَّنها الله تعالى لعباده في الكتاب والسنة ليعرفها جميع الناس ويؤمنوا بها؛ فمن المحال أن يكلّفهم في إيمانهم بشيء لا يكون دليله واضحاً ظاهراً مقطوعاً به. أما في العمليات فيمكن قبوله متى تحققنا الإجماع ولو لم نعرف دليله، فهذه نقطة مهمة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار.
وأعلم أيضاً أنه لا بُدَّ في مسائل أصول الدين أن يكون الأمر مجمعاً عليه بين الأمة جميعها بكافة فرقها المعتد بهم ولا يكفي في هذا الأمر إجماع فرقة من فرق الأُمة فحسب، فلا يكفي إجماع أهل السنة والجماعة!! وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث الصحيح الذي هو مستند الإجماع الصريح: ((لا تجتمع أُمَّتي على ضلالة))( 2 ) ولم يقل صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع أهل السنة والجماعة على ضلالة، فلا بد من النظر في مثل هذا الأمر في قول الزيدية والمعتزلة والإباضية والشيعة وهؤلاء ربما لم يجمعوا مع أهل السنة في القضية التي يُدّعى الإجماع عليها، فصار أن الأمر غير مجمع عليه الآن على التحقيق بدليل وجود الخلاف بين فرق الأمة( 3 ).
قال الإمام الغزالي في ((المستصفى من علم الأصول)) (1/183):
((مسألة: المبتدع إذا خالف لم ينعقد الإجماع دونه إذا لم يكفر؛ بل هو كمجتهد فاسق؛ وخلاف المجتهد الفاسق معتبر؛ فإن قيل: لعلّه يكذب في إظهار الخلاف وهو لا يعتقده، قلنا: لعلّه يصدق؛ ولا بُدَّ من موافقته ولو لم نتحقق موافقته، كيف وقد نعلم اعتقاد الفاسق بقرائن أحواله في مناظراته واستدلالاته، والمبتدع، ثقة يقبل قوله( 4 )، فإنه ليس يدري أنه فاسق، أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلّي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلماً لأنَّ الأمة ليست عبارة عن المصلّين إلى القبلة بل عن المؤمنين( 5 ) وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر...)).
[قاعدة مهمة]: الإجماع المقبول بعد زمن الصحابة هو الإجماع في حكم حادثة لم تكن قد وقعت يومئذٍ في زمنهم رضي الله عنهم، ويشترط أيضاً فيه أن لا يكون في المسألة دليل مقطوع به يخالف ما أجمعوا عليه، أما مسائل أصول الدين وما يجب على كل المسلمين أن يعتقدوه فلا يقبل فيه إجماعٌ بعد عصر الصحابة، وليس ذلك لأننا نقول بأنه لا يعتد بالإجماع بعد زمن الصحابة كما ذهب إليه ابن حزم وغيره؛ وإنما لأن العقيدة لا يجوز أن تكون مسألة خلافية بين الصحابة ثم يُجْمَع عليها بعدهم؛ لأنه يتبين حينئذٍ أن الأمر لم يكن عقيدة واجبة على كافة المسلمين في زمن من الأزمان وهذا يخالف مفهوم العقائد فافهم.
الحواشي السفلية:
( 1 ) وهذا التنبيه وما فيه من القواعد هو لدفع ما قد يدّعيه بعضهم من الإجماع في مسائل لم يُجْمَعْ عليها حقيقة كمسألة الصراط، فتدبّر!!
( 2 ) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (1/116) وغيره وهو صحيح.
( 3 ) مما يجدر التنبيه عليه هنا أن أئمة أهل السنة والجماعة جوّزوا الصلاة خلف المعتزلة، قال الخطيب الشربيني في ((مغني المحتاج)) (4/135): ((قاله البيهقي وغيره من المحققين لإجماع السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة ومناكحتهم وموارثتهم)).
والذين لا يعتد بهم في الاتفاق والاختلاف من الفرق هم الكرّامية الذين أكفرهم سائر
فرق الإسلام.
وقد عابوا على الزيدية أنهم جعلوا إجماع العترة إجماعاً معتبراً به، وعلّلوا إبطالهم لذلك بأن هذا إجماع طائفة من الأمة!! ولم يعيبوا على أنفسهم أنهم جعلوا إجماعهم دون سائر فرق الإسلام حجة لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها فانظروا إلى هذا التخابط وإلى هذا العدول عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا تجتمع أمّتي على ضلالة))!! مع أن ما قاله الزيدية أقرب للحق مما قاله أصحابنا بلا دليل، لأن الزيدية احتجوا بدليل واضح وهو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمة جمعاء بالتمسك بالحبلين كتاب الله تعالى وعترته صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ((صحيح مسلم)) (4/1873 برقم 2408) وغيره.
( 4 ) ومن أكبر الدلائل على ذلك أن صاحبي الصحيحين رويا للمبتدع الداعي لبدعته ولغير الداعي، والتحقيق في هذا أن المبتدع عند قوم من أهل السنة هو صاحب سنة واتباع عند آخرين منهم، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب الجرح والتعديل وانظرالأمثلة عليهم في ((تدريب الراوي)) (1/328).
( 5 ) قوله رحمه الله تعالى (لأنَّ الأمة ليست عبارة عن المصلّين إلى القبلة بل عن المؤمنين) من أبدع ما قيل في تعريف الأمة من التحقيق الدقيق الجازم البعيد عن المؤثرات التي ليس من وراء ذكرها طائل!! ومن تلك المؤثرات التي لا يدرك مغزاها الجامدون على ظواهر الكلمات والنصوص قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته)) رواه البخاري (1/496) وغيره عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في شرحه (1/497): ((فيه أن أمور الناس (أي المسلمين) محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أُجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك)) وما بين القوسين () من كلامي لتوضيح المراد. وقال الحافظ أيضاً في ((الفتح)) (10/21): ((قوله (من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا) المراد مَنْ كان على دين الإسلام)). اهـ فتأمّل!!
قال سماحة السيد المحدث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
أود هنا أن أُنبّه على قاعدة مهمة( 1 ) وهي: أن دعوى الإجماع في أصول الدين وأسس العقيدة دون بيان دليل المسألة (أي دون أن يكون لها دليل واضح قطعي الدلالة والثبوت في الكتاب والسنة) غير مقبول، وذلك لأن مسائل أصول الدين والتوحيد، جاءت بها الدلائل الواضحة وبيَّنها الله تعالى لعباده في الكتاب والسنة ليعرفها جميع الناس ويؤمنوا بها؛ فمن المحال أن يكلّفهم في إيمانهم بشيء لا يكون دليله واضحاً ظاهراً مقطوعاً به. أما في العمليات فيمكن قبوله متى تحققنا الإجماع ولو لم نعرف دليله، فهذه نقطة مهمة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار.
وأعلم أيضاً أنه لا بُدَّ في مسائل أصول الدين أن يكون الأمر مجمعاً عليه بين الأمة جميعها بكافة فرقها المعتد بهم ولا يكفي في هذا الأمر إجماع فرقة من فرق الأُمة فحسب، فلا يكفي إجماع أهل السنة والجماعة!! وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث الصحيح الذي هو مستند الإجماع الصريح: ((لا تجتمع أُمَّتي على ضلالة))( 2 ) ولم يقل صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع أهل السنة والجماعة على ضلالة، فلا بد من النظر في مثل هذا الأمر في قول الزيدية والمعتزلة والإباضية والشيعة وهؤلاء ربما لم يجمعوا مع أهل السنة في القضية التي يُدّعى الإجماع عليها، فصار أن الأمر غير مجمع عليه الآن على التحقيق بدليل وجود الخلاف بين فرق الأمة( 3 ).
قال الإمام الغزالي في ((المستصفى من علم الأصول)) (1/183):
((مسألة: المبتدع إذا خالف لم ينعقد الإجماع دونه إذا لم يكفر؛ بل هو كمجتهد فاسق؛ وخلاف المجتهد الفاسق معتبر؛ فإن قيل: لعلّه يكذب في إظهار الخلاف وهو لا يعتقده، قلنا: لعلّه يصدق؛ ولا بُدَّ من موافقته ولو لم نتحقق موافقته، كيف وقد نعلم اعتقاد الفاسق بقرائن أحواله في مناظراته واستدلالاته، والمبتدع، ثقة يقبل قوله( 4 )، فإنه ليس يدري أنه فاسق، أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلّي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلماً لأنَّ الأمة ليست عبارة عن المصلّين إلى القبلة بل عن المؤمنين( 5 ) وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر...)).
[قاعدة مهمة]: الإجماع المقبول بعد زمن الصحابة هو الإجماع في حكم حادثة لم تكن قد وقعت يومئذٍ في زمنهم رضي الله عنهم، ويشترط أيضاً فيه أن لا يكون في المسألة دليل مقطوع به يخالف ما أجمعوا عليه، أما مسائل أصول الدين وما يجب على كل المسلمين أن يعتقدوه فلا يقبل فيه إجماعٌ بعد عصر الصحابة، وليس ذلك لأننا نقول بأنه لا يعتد بالإجماع بعد زمن الصحابة كما ذهب إليه ابن حزم وغيره؛ وإنما لأن العقيدة لا يجوز أن تكون مسألة خلافية بين الصحابة ثم يُجْمَع عليها بعدهم؛ لأنه يتبين حينئذٍ أن الأمر لم يكن عقيدة واجبة على كافة المسلمين في زمن من الأزمان وهذا يخالف مفهوم العقائد فافهم.
الحواشي السفلية:
( 1 ) وهذا التنبيه وما فيه من القواعد هو لدفع ما قد يدّعيه بعضهم من الإجماع في مسائل لم يُجْمَعْ عليها حقيقة كمسألة الصراط، فتدبّر!!
( 2 ) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (1/116) وغيره وهو صحيح.
( 3 ) مما يجدر التنبيه عليه هنا أن أئمة أهل السنة والجماعة جوّزوا الصلاة خلف المعتزلة، قال الخطيب الشربيني في ((مغني المحتاج)) (4/135): ((قاله البيهقي وغيره من المحققين لإجماع السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة ومناكحتهم وموارثتهم)).
والذين لا يعتد بهم في الاتفاق والاختلاف من الفرق هم الكرّامية الذين أكفرهم سائر
فرق الإسلام.
وقد عابوا على الزيدية أنهم جعلوا إجماع العترة إجماعاً معتبراً به، وعلّلوا إبطالهم لذلك بأن هذا إجماع طائفة من الأمة!! ولم يعيبوا على أنفسهم أنهم جعلوا إجماعهم دون سائر فرق الإسلام حجة لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها فانظروا إلى هذا التخابط وإلى هذا العدول عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا تجتمع أمّتي على ضلالة))!! مع أن ما قاله الزيدية أقرب للحق مما قاله أصحابنا بلا دليل، لأن الزيدية احتجوا بدليل واضح وهو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمة جمعاء بالتمسك بالحبلين كتاب الله تعالى وعترته صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ((صحيح مسلم)) (4/1873 برقم 2408) وغيره.
( 4 ) ومن أكبر الدلائل على ذلك أن صاحبي الصحيحين رويا للمبتدع الداعي لبدعته ولغير الداعي، والتحقيق في هذا أن المبتدع عند قوم من أهل السنة هو صاحب سنة واتباع عند آخرين منهم، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب الجرح والتعديل وانظرالأمثلة عليهم في ((تدريب الراوي)) (1/328).
( 5 ) قوله رحمه الله تعالى (لأنَّ الأمة ليست عبارة عن المصلّين إلى القبلة بل عن المؤمنين) من أبدع ما قيل في تعريف الأمة من التحقيق الدقيق الجازم البعيد عن المؤثرات التي ليس من وراء ذكرها طائل!! ومن تلك المؤثرات التي لا يدرك مغزاها الجامدون على ظواهر الكلمات والنصوص قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته)) رواه البخاري (1/496) وغيره عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في شرحه (1/497): ((فيه أن أمور الناس (أي المسلمين) محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أُجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك)) وما بين القوسين () من كلامي لتوضيح المراد. وقال الحافظ أيضاً في ((الفتح)) (10/21): ((قوله (من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا) المراد مَنْ كان على دين الإسلام)). اهـ فتأمّل!!