Page 1 of 1

إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الرابعة):

Posted: Sat May 17, 2025 5:01 pm
by عود الخيزران
إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الرابعة):
؛ تحريرات سماحة العلّامة المحدث السيد حسن بن علي السقاف :


قال سماحته في رسالته المتينة التي جاءت تحت عنوان: (إغواء الرَّعاع بباطل الإجماع الذي تنقله المجسمة عن الصحابة والسلف والأتباع):
[/color

قوله:
[ 8. الامام ابن بطة العكبري ( 304-387) هـ:
قال رحمه الله في كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية:
"باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه
أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه
ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا : إن الله ذاته لا يخلو منه مكان"].
أقول:
ابن بَطَّة وضاع مجسم من أئمة التشبيه لا عبرة بقوله!! واسمه: عبيدالله بن محمد بن بَطَّة العُكْبُري، له ترجمة في "لسان الميزان" (4/131) قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (4/131) متعقباً على الذهبي: [وقفت لابن بَطَّة على أمر استعظمته واقشعرَّ جلدي منه]. ثمَّ أثبت الحافظ أنه وضَّاع، وأنه كان يَحُكُّ أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحَكِّ، وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه (10/375) حديثاً بسند باطل ثمَّ قال: [وهو موضـوع بـهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة]. أي أنه هو واضعه!! فلا بُدَّ من تأمل ترجمة مثل هذا الرجل لنعلم في أي فلك يدور ابن بَطَّة الحنبلي هذا! وكيف انغرَّ به من يقرأ كتبه المتهاوية في التجسيم وهو لا يعلم حقيقة حاله! قال الذهبي في "الميزان" (3/15): [إمام لكنه ذو أوهام لحق البغوي، وابنَ صاعد. قال ابن أبي الفوارس: روى ابن بَطَّة عن البغوي عن مصعب عن مالك، عَنْ الزُّهْرِيّ، عَن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وهذا باطل. العتيقي: حدثنا ابن بَطَّة ، حدثنا البغوي ، حدثنا مصعب ، حدثنا مالك عن هشام، عَن أبيه فذكر حديث قبض العلم وهو بهذا الإسناد باطل. وقد روى ابن بَطَّة عن النجاد عن العطاردي فأنكر عليه علي بن ينال وأساء القول فيه حتى همت العامة بابن ينال فاختفى. وقال أبو القاسم الأزهري: ابن بَطَّة ضعيف ضعيف]. وكلام الذهبي بأنه إمام في السنة يعني في التجسيم والعقائد الحنبلية! وبعد ما ثبت من أنه يروي الأباطيل ويدعي السماع من أشخاص لم يسمع منهم لا يكون صاحب دعوة مستجابة بل صاحب أحوال كاذبة!
وقد أكمل الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/342أبو غدة) في ترجمة ابن بَطَّة العكبري فزاد على كلام الذهبي قائلاً: [وقد وقفت لابن بَطَّة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه. قال ابن الجوزي في "الموضوعات": أخبرنا علي بن عُبَيد الله الزاغوني، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أنبأنا أبو عبد الله ابن بطة، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلم الله تعالى موسى يوم كلمه وعليه جبة صوف وكساء صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله). قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين والمُتَّهم به حميد. قلت: كلا والله بل حميد بريء من هذه الزيادة المنكرة، فقد أخبرنا به الحافظ أبو الفضل بن الحسين بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الفتح الميدومي، أخبرنا أبو الفرج بن الصيقل، أخبرنا أبو الفرج بن كليب، أخبرنا أبو القاسم بن بيان، أخبرنا أبو الحسن بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عَن عَبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم كلم الله تعالى موسى كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمه صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكي... وقد رويناه من طرق ليس فيها هذه الزيادة وما أدري ما أقول في ابن بَطَّة بعد هذا فما أشك أن إسماعيل بن محمد الصفار لم يُحَدِّث بهذا قط والله أعلم بغيبه.. قال الخطيب: حدثني عبد الواحد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، وَلا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة. ومات سنة 387. قال أبو ذر الهروي: سمعت نصر الأندلسي - وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان - قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها، عَن أبي خليفة وعن ابن بَطَّة ورجعت إلى بغداد فقال الدارقطني: أيش كتبت، عَنِ ابن بطة؟ قلت: كتاب السنن لِرَجَاء بن مُرَجَّا حدثني به عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رَجَاء بن مُرَجَّا فقال الدارقطني: هذا محال دخل رَجَاء بن مُرَجَّا بغداد سنة أربعين ودخل حفص بن عمر سنة سبعين فكيف سمع منه؟! وحكى الحسن بن شهاب نحو هذه الحكاية عن الدارقطني وزاد: إنهم أبردوا بريداً إلى أردبيل وكان ولد حفص بن عمر حياً هناك فعاد جوابه أن أباه لم يروه عن رَجَاء بن مُرَجَّا ولم يره قط وأن مولده كان بعد موته بسنتين. قال: فتتبع ابن بَطَّة النسخ التي كتبت عنه وغَيَّر الرواية وجعل مكانها: عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء. وقال أبو القاسم التنوخي: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بَطَّة "معجم الصحابة" للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له: لا تفعل فإن ابن بَطَّة لم يسمعه من البغوي. وقال الأزهري: عندي، عَنِ ابن بَطَّة "معجم البغوي" فلا أخرج عنه في الصحيح شيئاً لأنا لم نر له به أصلاً وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فقرأناها عليه. وقال الخطيب: حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بَطَّة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حَكَّ اسم صاحبها وكتب عليها اسمه. قال ابن عساكر: وقد أراني شيخنا أبو القاسم السمرقندي بعض نسخة ابن بَطَّة بمعجم البغوي فوجدت سماعه فيه مصلحاً بعد الحَكِّ كما حكاه الخطيب، عَنِ ابن خيرون. وقال أبو ذر الهروي: أجهدت على أن يخرج لي شيئاً من الأصول فلم يفعل فزهدت فيه]. ومنه يتبين أن الرجل وضاع يحدث بالبواطيل باعتراف الذهبي فكيف يكون إماماً مجاب الدعوة؟! فهذا حال أئمة التجسيم كالبربهاري وغيره!
فهذا إجماع باطل يحكيه رجل كذاب مطعون فيه مع وجود الخلاف قبله وبعده وفي زمنه! وما نقلناه عن جماعة من السلف منهم صحابة وتابعون من أنه (بكل مكان) يجعل هذه الإجماعات الخرافية في مهب الريح!

قوله:
[ 9. الإمام أبو عمر الطلمنكي الأندلسي (339-429) هـ:
قال رحمه الله في كتابه: الوصول إلى معرفة الأصول كما في العلو للذهبي (566):
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : وهو معكم أينما كنتم . ونحو ذلك من القرآن: أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاتـه مستو على عرشه كيف شاء، وقال: قال أهل السنة في قوله :الرحمن على العرش استوى:إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز"].
أقول:
ليس هذا الرجل من السلف وهـذا رجـل مجسـم منحرف لا عبرة بقوله!! ألَّف كتاباً في العقيدة الفاسدة التي يسمونها (السُّنَّة)!! أثبت فيه الجنب لله تعالى مستدلاً بقوله عزَّ وجل: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}الزمر:56، وقد أنكر الذهبي عليه هذا في "سير أعلام النبلاء" (17/569) إذ قال: [رأيت له كتاباً في السُّنَّة في مجلَّدين عامته جيد، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبداً، مثل: باب الجنب لله، وذكر فيـه: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} فهذه زلة عالم]!! وكان هذا الطَلَمَنْكيُّ المالكي من شيوخ ابن حزم وابن عبد البر! واستعمال لفظة (بذاته) في الاستواء أو في النزول خطأ فاحش يفيد التشبيه والتجسيم وقد أنكره ابن عبد البر على نُعَيم بن حماد، قال ابن عبد البر المالكي (463هـ) في "التمهيد" (7/143-144) عند كلامه على حديث النزول: [..وَقَالَ نُعَيْمٌ: يَنْزِلُ بِذَاتِهِ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ هَذَا كَيْفِيَّةٌ وَهُمْ يَفْزَعُونَ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا فِيمَا يُحَاطُ بِهِ عِيَاناً وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ]. فتبين أن ما يقوله الطلمنكي منكر من القول وليس قولَ أهل الفهم وقد أنكره ابن عبد البر والذهبي مراراً وأنه على الأقل فيه خلاف بين المجسمة المنتسبين إلى السُّنَّة وأهل الحديث! ومن أمثلة إنكار الذهبي لفظة (بذاته) – حينما تعدّل مزاجه فيما بعد، ورجع عمّا أسلف في كتابه العلو - قوله في "سير أعلام النبلاء" (19/607) واصفاً مَنْ زاد لفظة (بذاته) بعد العلو أو الاستواء ونحوهما ما نصه: [قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها وهي تشغب النفوس...]. وقال في ترجمة القصَّاب هنا في "العلو" (النص رقم 535) عن قول بعضهم عن مثل صفة اليد والعين: [فإذا قلنا بعد ذلك صفة حقيقة وليست بمجاز كان هذا كلاماً ركيكاً نبطياً مُغَلِّثاً للنفوس فليهدر]. فكيف يكون هؤلاء القوم أئمة يقتدى بهم وهم يقولون في التوحيد عبارات مبتدعة ويأتون بكلام ينبغي أن يُهْدَر لأنه يُغَلِّثُ النفوس أي يقتلها ويسممها في التوحيد والعقيدة بنظر الذهبي!
وقد خالف العلامة الحافظ ابن بَطَّال المالكي (ت449هـ) عقيدة الطَّلَمنكي هذا وأفكاره – وهو معاصر للطَّلمنكي ولابن عبد البر وتوفي قبل ابن عبد البر – حيث يقول ابن بَطَّال في شرحه على "صحيح البخاري" (10/453): [وكذلك لا شُبْهة لهم في قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} لأن صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو، لأن الباري تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجوداً ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرف هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة... وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضاً واتساع؛ لأن الكَلِم عَرَض والعَرَض لا يصح أن يفعل؛ لأن من شرط الفاعل كونه حياً قادراً عالماً مريدًا، فوجب صرف الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به]. فتدبروا جيداً!! وهذا يثبت لنا اختلاف هؤلاء العلماء وهم في عصر واحد في هذه القضية فالقضية ليست إجماعاً ولا اتفاقاً بين أهل الحديث والسنة! وكل من ادَّعى الإجماع والاتفاق فيها فهو كاذب! وقد وصف الذهبيُّ ابنَ بَطَّال في "سير أعلام النبلاء" (18/47) بقوله: [شارح صحيح البخاري، العلامة، أبو الحسن علي بن خلف بن بَطَّال البكري، القرطبي.. قال ابن بشكوال:كان من أهل العلم والمعرفة، عُنِيَ بالحديث العناية التامة؛ شرح الصحيح في عدة أسفار، رواه الناس عنه].

قال هذا السلفي المقلد:
[10. شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني ( 372-449)
قال رحمه الله في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص36-37): ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق كتابه وعلماء الأمة واعيان الأئمة من السلف ، لم يختلفوا أن الله على عرشه وعرشه فوق سمواته "].
أقول:
أعتقد أن هذه العقيدة المنقولة عن الصابوني مكذوبة ومدسوسة عليه، وعلى كل حال أقول:
طالعت عقيدة الصابوني التي سماها "عقيدة السلف" فوجدت فيها أشياء مردودة كقوله عن السلف وأهل الحديث: (وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغيرها من غير تشبيه) وقال: بكفر من يقول بأن لفظه بالقرآن مخلوق مع أن من أئمة السلف من قال بذلك كالبخاري ومسلم والكرابيسي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم. ونصه هناك: (ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم)! وقال فيها نقلاً عن ابن خزيمة: (من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه، فوق سبع سمواته، فهو كافر بربه، حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته) وهذا تكفير بالباطل واستباحة لدماء وأرواح المسلمين بحكمٍ لم يُنْزل الله به سلطاناً بناء على تفسير باطل لآيات الاستواء! وقال فيها: (وكذلك يثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان... قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه يجيء فهو كافر مكذِّب...) وغير ذلك من الترهات، التي تجعل الكلام المنقول عنه ساقطاً لا قيمة له! لا سيما وقد بينَّا أن في عصره كابن بطال المالكي وقبل عصره من خالف في هذا! فهذا إجماع باطل!

وقوله:
[11. الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (336-430)
قال رحمه الله في كتاب الاعتقاد له كما في العلو للذهبي ( برقم 561)
" طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ومما اعتقدوه:
أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة ، لا يزول ولا يحول …. وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا ومتلوا ومحفوظا ومسموعا ومكتوبا وملفوظا: كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة… وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم ، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه".
قال الذهبي: " فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول ولله الحمد ، وكان حافظ العجم في زمانه بلا نزاع … ذكره ابن عساكر الحافظ في أصحاب أبى الحسن الاشعري"].
أقول:
هذا لا يثبت وهو مُزَوَّر على أبي نُعَيم الحافظ، لأنه لم يَذْكُرْ لهذا الكتاب إسناداً يعتمد عليه فننظر فيه، ولا وجود لهذا الكتاب فيما أعلم! إذ لا نعلم أن لأبي نُعَيم كتاباً في "الاعتقاد"! ولم يذكر الذهبي ولا ابن تيمية الذي ينقل الذهبي عنه سند هذا الكتاب، والحافظ أبو نُعَيم إمام حافظ كبير وهو مُنَزِّه أشعري مشهور كان ضد الحنابلة المجسمة! وكان بينه وبين ابن مَنْدَه الحنبلي المجسم ما صنع الحداد! وقد اعترف ابن تيمية شيخ الذهبي - القديم - في كتبه أن الحافظ أبا نُعَيم كان يقول بأن لفظه بالقرآن مخلوق ويخالف ابن مَنْدَه في ذلك! وكل ذلك خلاف ما جاء في هذا النص وهذه العقيدة التي يحكيها الذهبي هنا من أنه يقول فيها بأن لفظه بالقرآن غير مخلوق! وهذا مما يثبت كذب هذا الإجماع وعدم ثبوته!
قال ابن تيمية في "درء التعارض" (1/268تحقيق عبد اللطيف عبد الرحمن): [ووقع بين أبي نُعَيم الأصبهاني وأبي عبدالله ابن مَنْدَه في ذلك ما هو معروف وصنف أبو نُعَيم في ذلك كتابه في الرد على اللفظية والحلولية ومال فيه إلى جانب النفاة القائلين بأن التلاوة مخلوقة كما مال ابن مَنْدَه إلى جانب من يقول إنها غير مخلوقة وحكى كل منهما عن الأئمة ما يدل على كثير من مقصوده..].
فليس جميع ما ذكره الذهبي هنا مُجْمَعَاً عليه وخاصة فيما يتعلَّق بالقرآن والعرش والاستواء!! ونحن نحتاج إلى الرجوع إلى كتاب أبي نُعَيم هذا حتى نتأكد من الكلام!! لأنَّنا لا نثق بنقول الذهبي في مثل هذه الأمور كما تقدَّم الدليل على هذا في التعليق على قول ابن فُوْرَك!! وسيأتي أيضاً نحوه مما قد اقترفه في التعليق على كلام ابن عبد البر!! قال التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (4/22) في ترجمة أبي نُعَيم: [قلت: وَمن كراماته الْمَذْكُورَة أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين لما استولى على أَصْبَهَان وَلَّى عَلَيْهَا والياً من قِبَلِهِ ورحل عَنْهَا فَوَثَبَ أهل أَصْبَهَان وَقتلُوا الْوَالِي فَرَجَعَ مَحْمُود إِلَيْهَا وأمَّنهم حَتَّى اطمأنوا ثمَّ قصدهم يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَكَانُوا قبل ذَلِك قد مَنَعُوا أَبَا نُعَيم الْحَافِظ من الْجُلُوس فِي الْجَامِع فحصلت لَهُ كرامتان السَّلامَة مِمَّا جرى عَلَيْهِم إِذْ لَو كَانَ جَالِساً لقتل وانتقام الله تَعَالَى لَهُ مِنْهُم سَرِيعاً]. وتقدَّم في ترجمة ابن مَنْدَه - قبل صفحات هنا الترجمة رقم (135) - أن الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" (17/41): [..عَنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَه، قَالَ: سَمِعْتُ عمِّي عبد الرَّحْمَن، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرَانِيّ يَقُوْلُ: قُمْتُ يَوْماً فِي مَجْلِس وَالدِك - رَحِمَهُ اللهُ - فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، فِيْنَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يدخلُ عَلَى هَذَا المشؤومِ - أَعنِي أَبَا نُعَيم الأَشْعَرِيَّ -، فَقَالَ: أَخرجُوْهُم. فَأَخْرَجْنَا مِنَ المَجْلِسِ فُلاَناً وَفلاَناً، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الدَّاخلِ عَلَيْهِم حَرَجٌ أَنْ يَدخُلَ مَجلِسَنَا، أَوْ يَسمعَ منَّا، أَوْ يَرْوِي عَنَّا، فَإِنْ فعلَ فلَيْسَ هُوَ منَّا فِي حِلّ. قُلْتُ: رُبَّمَا آل الأَمْرُ بِالمَعْرُوف بصَاحِبه إِلَى الغضبِ وَالحِدَّة، فيقعُ فِي الهِجْرَان المُحَرَّمُ، وَرُبَّمَا أَفضَى إِلَى التَّكفيرِ وَالسَّعْي فِي الدَّمِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ – ابن مَنْدَه - وَافرَ الجَاهِ وَالحُرمَةِ إِلَى الغَايَة بِبَلَدِهِ، وَشَغَّب عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحَافِظِ (أبي نعيم)، بِحيث إِنَّ أَحْمَد اخْتَفَى. وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ كِتَابٌ كَبِيْرٌ فِي الإِيْمَان فِي مُجَلَّد، وَكِتَابٌ فِي النَّفْس وَالرُّوحِ، وَكِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى اللَّفظيَّةِ. وَإِذَا رَوَى الحَدِيْثَ وَسكت أَجَاد، وَإِذَا بوَّب أَوْ تَكَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ انحرفَ، وَحَرْفَش، بَلَى ذَنْبُه وَذنبُ أَبِي نُعَيم أَنَّهُمَا يَرويَانِ الأَحَادِيْثَ السَّاقطَة وَالمَوْضُوْعَةَ، وَلاَ يَهتِكَانِهَا فنسأَلُ اللهَ الْعَفو]. قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (29/278) في ترجمة أبي نُعَيم: [وقال السُّلَميّ: سمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبّار الفِرْسانيّ يقول: صرتُ إلى مجلس أبي بكر بن أبي عليّ المعدَّل في صِغَري مع أبي، فلمّا فرغ من إملائه قال إنسان: مَن أراد أن يحضر مجلس أبي نُعَيم فلْيَقُمْ، وكان أبو نُعَيم في ذلك الوقت مهجوراً بسبب المذهب، وكان بين الحنابلة والأشْعَريّة تعصُّبٌ زائدٌ يؤديّ إلى فتنةٍ وقال وقيل، وصراعٍ طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد يُقْتَل] وزاد الذهبي في "السير" (17/460): [قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم]. وأكمل الذهبي في "تاريخ الإسلام" فقال: [وقال أبو القاسم عليّ بن الحسن الحافظ: ذكر الشّيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني عمّن أدرك من شيوخ أصبهان أنّ السّلطان محمود بن سُبُكْتِكِين لمّا استولى على إصبهان أمرَّ عليها والياً من قِبَله ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه. فرجع السّلطان محمود إليها، وأمّنهم حتّى اطمأنوا. ثمّ قصدهم يوم جمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة. وكانوا قبل ذلك قد منعوا أبا نُعَيم الْحَافِظَ من الجلوس في الجامع، فَسَلِمَ ممّا جرى عليهم. وكان ذلك من كرامته] ثم ذكر الذهبي كلام الخطيب في أبي نُعَيم أنه يتساهل في الرواية بالإجازة فيقول فيها: (أخبرنا) من غير أن يُبَيِّن! ثم رد الذهبي على الخطيب بسوق دلائل تنفي ما يقول الخطيب ثم قال الذهبي في آخر ذلك: (فبطل ما تخيَّله الخطيب). والخطيب حاول أن يشوِّه صورة شيخه أبي نُعَيم ويتعاون مع الحنابلة فينصر عقيدتهم ولو باللمز في شيخه!
فأبو نعيم رحمه الله تعالى كان أشعرياً منزهاً لا يقول بعقائد المجسمة وما ينقل عنه في ذلك من الإجماع باطل لا يصح! لا سيما والمسألة فيها خلاف قبل أبي نعيم وبعده!